مع بداية الدورة الـ 70 لمهرجان "كانّ"، السينمائيّ الدوليّ، التي تُفتتح فعاليات مساء اليوم 17 مايو بفيلم "أشباح إسْمَاعيل"، للفرنسي آرنو دبلشان 1960، ينشغل كثيرون بحدثٍ سينمائيّ، يحتل مكانة بارزة في صناعة الصورة، وأحوالها الثقافية والفنية والتقنية والفكرية، مهرجانٌ يبقى الأقدر على جذب سينمائيين وعاملين في صناعة الفن السابع، بالإضافة إلى نقّادٍ وصحفيين سينمائيين ومُصوّرين وإعلاميين، لمتابعة كلّ جديد يعثر على الاعتراف بولادته في المهرجان.
وتتواصل الفعاليات طوال 12 يوم على أن تنتهي الفعاليات مساء 28 مايو الجاري، ويحل المهرجان مساحةً زمنية، لمشاهدةٍ لا تخلو من أخبار نجوم قادمين إلى الكروازيت الفرنسية، بأزيائهم ومجوهراتهم وعطورهم، كما بأفلامهم ومشاريعهم المتنوّعة.
فالمهرجان الذي استقبل 1930 فيلمًا، منتجة كلّها خلال الأشهر القليلة السابقة على الدورة الجديدة هذه ـ يمزج الترفيه بالثقافة والصناعة والاقتصاد والـ “بيزنس”، من دون أن يتغاضى عن الأهمّ، السينما كلغة تعبير.
ولعلّ ما قاله المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو 1960، يختزل المعنى الجوهري للحدث السنوي المنتظر حيث تتمثّل السعفة الذهبية المثالية بما يلي: فيلم مؤلِّف مع نجومٍ، يحصل على نجاح كبير. لا شيء يُضاف إلى هذا. الأمثلة عديدة، لكن هذا لا يعني أن تُحفة، من دون نجوم ومن دون مُشاهدين، لا تستحقّ “سعفة ذهبية، ذلك أن "كانّ"، مهرجانُ فنٍّ سينمائيّ، وليس مهرجان النجاحات التجارية.
هكذا يصنع المهرجان، جانبه الترفيهي كامنٌ في سهرات تنظّمها شركات إنتاج وتوزيع، وفي لحظات الاستعراض، مساء كل يوم، أمام قصر المهرجانات، الذي يحمل تعبيرًا متداولًا في المهرجانات كلّها السجادة الحمراء.
والحدث السينمائيّ ـ الذي يضمّ مسابقة رسمية تمنح السعفة الذهبية كجائزة أساسية وبرامج أخرى عروض خارج المسابقة، عروض منتصف الليل، كلاسيكيات كانّ، سيني فونداسيون، وغيرها، لبعضها مسابقات وجوائز أيضًا، كنصف شهر المخرجين وأسبوع النقّاد ونظرة ما، يهتمّ بتفاصيل كثيرة مرتبطة بصناعة السينما، وبالمواهب الجديدة، وبالسوق السينمائية، التي تُعتَبر الأهمّ بين المهرجانات الدولية، ففي مقابل المطلب الاستعراضيّ، يزخر المهرجان بأفلام يُخرجها معروفون ومُكرّسون، أو يُنجزها مبتدئون يمتلكون ملامح احتراف وموهبة ووعي معرفيّ، تؤهّلهم لانطلاقة حقيقية من المهرجان إلى العالم.
الاهتمام بالمواهب الجديدة يظهر تحديدًا في تظاهرتي نصف شهر المخرجين ونظرة ما، الأولى التي أسّستها جمعية المخرجين بعد تظاهرات مايو 1968، ولا تزال تُنظّمها حتى الآن مستقلّة كلّيًا عن المهرجان، وتهدف إلى منافسته، باختيارها أفلامًا مختلفة الآفاق والأساليب والأشكال. والثانية ـ التي أسّسها عام 1978 الفرنسي جيل جاكوب 1930، المندوب العام السابق للمهرجان 1978 ـ 2000 ورئيسه 2001 ـ 2014، تختار أفلامًا ذات مواضيع سجالية، غالبًا، برغبة في اكتشاف مواهب جديدة.
بهذا، تُشكِّل التظاهرتان متنفّسًا حقيقيًا لمبتدئين، يخطون خطواتهم الأولى أو الثانية في صناعة الأفلام. لكن التظاهرة الأولى نصف شهر المخرجين ليست تنافسية، كالثانية. أي أنها لا تمنح جوائز، بل تكتفي بتقديم الأفلام الجديدة، وتتيح لشركاء مختلفين تقديم جوائز متنوّعة، كـ المدرب الذهبي، التي سيحصل عليها السينمائيّ الألماني فرنر هرتزوغ 1942 هذا العام والثانية نظرة ما كانت تكتفي بمنح جائزة “الكاميرا الذهبية”، قبل أن تتحوّل إلى مسابقة تنافسية، بدءًا من عام 1998.
التظاهرة الثالثة، التي تحمل اسم أسبوع النقّاد، أطلقتها النقابة الفرنسية لنقّاد السينما عام 1962، باسم الأسبوع الدولي للنقد، لغاية عام 2008. وهي، كما اسمها، تعكس حضورًا كبيرًا للنقاد السينمائيين في الاختيار والبرمجة، بهدف تقديم ما يُشبه خلاصة أمزجتهم السينمائية والثقافية والفنية والجمالية، ورؤيتهم مسارات الإنتاج الدوليّ للأفلام.
جدير بالذكر أن الدورة الـ 70 تُقام في النصف الثاني من مايو، بعكس الدورات السابقة، التي تُقام عادة قبل منتصف الشهر الـ 5 هذا، وأحيانًا كثيرة يكون منتصفه جزءًا من مدّته، وهذه هي المرة الثانية، بعد دورة عام 2012، وذلك بسبب انتخابات رئاسة الجمهورية الفرنسية، التي جرت يومي 28 أبريل و7 مايو 2017، علمًا بأن احتفال استلام الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون منصبه، أٌقيم يوم الأحد، 14 مايو، قبل 3 أيام على افتتاح الدورة الـ 70.
اللافت للانتباه أيضًا، أن الإجراءات الأمنية مُشدَّدة، وذلك للمرة الثانية على التوالي، بسبب الحالة المرتبكة التي تعيشها فرنسا وأوروبا، بسبب هجمات إرهابية تعرّضت لها مدن عديدة، وأسقطت مواطنين مدنيين، قتلى وجرحى.
يُذكر أن هناك 119 فيلمًا، في مسابقات وبرامج أساسية: المسابقة الرسمية 18 فيلمًا، بينها 5 فقط تتجاوز مدّة كلّ واحد منها الساعتين، خارج المسابقة 5، عروض منتصف الليل 3، عروض خاصّة 11، عرض افتراضي 1، احتفال الذكرى الـ 70 للمهرجان 6، مسابقة الأفلام القصيرة 9، نظرة ما 18، نصف شهر المخرجين 19 فيلمًا طويلًا و10 أفلام قصيرة، أسبوع النقاد 7 أفلام طويلة و10 قصيرة.