تعد الانتخابات الإيرانية المفترض إجرائها 19 مايو الجاري أول انتخابات رئاسية بعد الاتفاق النووي الإيراني وسط تنامي لليمين المتطرف في العواصم الأوروبية، تولي ترامب قيادة البيت الأبيض، الذي وعد بتعطيل الاتفاق النووي، وعلاقتها المتوترة مع مصر.
وكشفت صحيفة "فورين أفريز" الأمريكية عن الصراعات الداخلية في إيران للوصول إلى كرسي الرئاسة بين من يؤيد المعسكر الإصلاحي ومن يؤيد ما يعرف بالمعسكر المتشدد،و تساءلت الصحيفة ما قيمة الانتخابات الرئاسية في ظل السلطات اللا محدودة لمنصب "المرشد الأعلى"؟
1-عودة أحمدي نجاد للمشهد
المتأمل في التغيرات السياسية التي يشهدها العالم هذه الأيام، يرى "أحمدي نجاد" اليميني الشعبوي هو الأقرب لمُجاراة اليمين المتطرف المتصاعد في العواصم الأوروبية.
اقرأ أيضًا: إبراهيم
رئيسي.. آية الله مرشح خامنئي لرئاسة إيران
ووجه أحمدي اتهاماته للرئيس الحالي "حسن روحاني" بالفشل في الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع الدول الكبرى في يوليو من العام الماضي، متذرعًا في اتهاماته لروحاني بإعتقاده أن الاتفاق ضحى بالمشروع النووي الإيراني في مقابل مكاسب غير محددة المعالم.
ولكن لم يلبث أن استبعده "علي خامنئي»" عن السباق الانتخابي، خاصة وأن إعادة انتخابه رئيسًا في 2009، شكلت أزمة سياسية كادت تعصف بالثورة الإسلامية ودولتها، وجاءت تصريحات المرشد الأعلى بعدما اجتمع بنجاد، وأخبره بأن الظرف الراهن غير مناسب لترشحه لمنصب الرئاسة.
2-روحاني رئيس لفترة أبدية
روحاني، الذي أوشكت فترته الرئاسية الأولى على الانتهاء، على خطى الرؤساء السابقين "خامنئي، ورفسنجاني، وخاتمي، ونجاد".
الرجل أتى للسلطة في 2013، واعدًا أنصاره بحل أزمة الملف النووي التي تعقدت كثيرًا في عهد سابقه أحمدي نجاد، وبالفعل نجح في إتمام الاتفاق النووي في يوليو 2015، لكن هل يضمن هذا الاتفاق له فرصةً ثانية؟
وقالت الصحيفة أن روحاني لن يتمكن من تمديد فترته الرئاسية؛ فالرجل المحسوب على تيار الإصلاح لم يقدم الكثير لتغيير الوضعية الثقافية المحافظة للمجتمع الإيراني.
وأضافت الصحيفة أن روحاني وعد أنصاره بالسعي لرفع العقوبات عن أقطاب الإصلاح الإيراني، "مير حسين موسوي" و"مهدي كروبي"، وهما تحت الإقامة الجبرية منذ احتجاجات 2009، وهو الوعد الذي لم يدخل حيز التنفيذ إلى اليوم.
كما أن السياسات الداخلية المتشددة لا تزال سارية بحق المعارضين، فهناك إغلاق للصحف ومنع لوسائل الإعلام من ممارسة عملها بحرية، كل هذا لم يختلف كثيرًا في عهد روحاني عما كان عليه في عهد سابقه.
على الجانب الآخر، فالاقتصاد الإيراني، ربما هو الورقة الوحيدة التي يعوّل عليها روحاني، لكن بالنظر لأرض الواقع، كانت التوقعات بعد الاتفاق النووي أعلى بكثير مما تم على الأرض؛ إذ يمكن القول في نظر الكثيرين بأن روحاني لم يوفر للاقتصاد الإيراني، سوى بعض الاستقرار، أما العقوبات، فبعضها فُرض ثانيةً على خلفية تطوير إيران لمنظومتها الصاروخية، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في عهد "دونالد ترامب".
3-صدي الانتخابات الإيرانية في الشرق الأوسط
في عام 2009، برزت إلى السطح خلافات داخلية بين أبناء الثورة الواحدة، بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد على رأس السلطة، والتمديد له لفترة رئاسية ثانية، فالصراع كان بين أبناء الثورة الواحدة، ولم يكن بين الثورة ومعارضيها، لذا فهو مهم لفهم الخريطة السياسية الإيرانية قبل تلك الأحداث وبعدها.
اقرأ أيضًا: فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة الإيرانية.. 11 أبريل
وكان زعيم الحركة وقتها، المرشح الخاسر مير حسين موسوي، والذي جعل من الهم القومي الإيراني شعارًا له في الانتخابات، منتقدًا سياسات الجمهورية الخارجية بعبارة واضحة "لا يجوز الحديث عن عزة لبنان وفلسطين وتجاهل عزة إيران"، في إشارة واضحة لضرورة تلبية الحاجة الإيرانية الداخلية ابتداءً.
اليوم وبعد سنواتٍ سبع، تُشيع إلى إيران يوميًا توابيت الموت، القادمة من سوريا؛ نتيجةً للمشاركة الإيرانية المباشرة في قمع انتفاضة الشعب السوري، على الرئيس الموالي لنظام طهران، بشار الأسد، ويُشار في الداخل من قبل السلطة إلى المساندة الإيرانية للنظام السوري باعتبارها "الدفاع المقدس".
على الصعيد الدولي، فالأمر يختلف قليلًا، صحيح أنه لا ينبئ بتغيرات جذرية، لكن جرت العادة أن يضفي الرئيس الإيراني مسحته الخاصة على الخارجية الإيرانية، فأحمدي نجاد ـ على سبيل المثال ـ لم يكف طوال فترة حكمه عن وصف الولايات المتحدة الأمريكية بـ«الشيطان الأعظم»، معلنًا تمسكه بالبرنامج النووي الإيراني، ثم جاء روحاني متعهدًا بحل الأزمة النووية، في محاولة منه لمعالجة ما وصلت إليه البلاد من أزمة اقتصادية، وهو بالفعل ما تم إنجازه.
قيمة الانتخابات الرئاسية في إيران في ظل المرشد الأعلى
يقرر الدستور الإيراني في الفصل الخامس منه، السلطات التي تحكم إيران على أنها السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، التي تمارس صلاحياتها بإشراف "ولي الأمر المطلق وإمام الأمة"، فكل السلطات تخضع لولي الأمر حسب نص المادة الدستورية، وتؤسس لذلك المادة الثانية من الفصل الأول، إذ تجعل الإيمان بـ"الإمامة والقيادة المستمرة" إلى جانب الإيمان بالله والوحي والميعاد، أركان لنظام الجمهورية الإسلامية.
ويتمتع الولي بعددٍ كبيرٍ من الصلاحيات وفق الدستور وهي:
1- تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2- الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.
3- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
4- القيادة العامة للقوات المسلحة.
5- إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
6- تعيين وعزل وقبول استقالة كل من: "فقهاء مجلس صيانة الدستور، أعلى مسؤول في السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية، ورئيس أركان القيادة المشتركة، والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي".
7- حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث.
8- حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
9- إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم، فيجب أن تنال قبل الانتخابات موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة.
10- عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية.
11- العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية، بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية.
وبالرغم من أن أعلى منصب تنفيذي يمكن المنافسة عليه في إيران بين أطياف المجتمع السياسية هو منصب الرئاسة، لكنه طبقًا للدستور لا يتمتع بالصلاحيات الكافية؛ إذ لا يمكنه إلا أن يدور في فلك المرشد الأعلى، ويطبق السياسات التي يمليها عليه؛ وهو ما يجعل النظام السياسي الإيراني واحدًا من أعقد النظم السياسية في العالم اليوم.