في عام 1974، أصبح ريتشارد نيكسون أول رئيسٍ أميركي يزور المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بالإضافة إلى سوريا، في تحوُّلٍ كان يهدُف من خلاله إلى إحراز بعض الانتصارات في الخارج.
وغداً سيحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهروب من اضطرابات رئاسته في جولة إلى الشرق الأوسط، وسيتوقف،في المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
ويتحدث أيضاً عن السلام في الشرق الأوسط، وعن اصطفاف إقليمي، لكن هذه المرة يجري الحديث عن تحالف مُؤلف من إسرائيل والممالك السُنية المحافِظة المُتركزة في الدول الخليجية، بالإضافة إلى المصريين والأردنيين.
طموحات ترامب
ولدى ترامب، في أولى رحلاته الرئاسية الخارجية، طموحات كبيرة، ساذجة ومبالغ فيها على حد سواء، مُحملة برمزية دينية من الأديان الإبراهيمية الثلاثة، إذ سيزور مهد الإسلام؛ وموطن اليهودية؛ ومسقط رأس المسيح في بيت لحم؛ ثُم بعد ذلك الفاتيكان.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت ماكماستر للصحفيين، الجمعة 12 مايو "ما يسعى إليه الرئيس ترامب هو توحيد أتباع جميع الديانات حول رؤيةٍ مشتركة للسلام، والتقدُّم، والرخاء"، وقال مسؤول رفيع في الإدارة إنَّ هدف ترامب هو "التأكد من عمل الأديان السماوية الثلاثة معاً".
وقد صرح البيت الأبيض بأن السعودية تواصلت بعد فترةٍ قصيرة من الانتخابات مع جاريد كوشنر، وآخرين لم تعلَن هوياتهم، لتُشجع ترامب على إجراء زيارةٍ مبكرة، وفي الرياض، سيلتقي ترامب الملك سلمان، ويعقد قمة مع 6 من قادة دول الخليج، كما سيتناول العشاء مع عشراتٍ من المسؤولين البارزين في المنطقة، وسيبدأ في بناء تحالفه الجديد مع قادة الشرق الأوسط المحافظين أيضاً.
وفي أول زيارةٍ لأوباما إلى المملكة، حاول إقناع الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإظهار بادرة جادة للمساعدة في إحياء عملية السلام، واعتقد أيضاً أن طاقمه توصل إلى اتفاقٍ تستقبل المملكة بموجبه كافة المعتقلين المتبقين في معتقل غوانتانامو، لكن وفقاً لبروس ريدل، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، ومجلس الأمن القومي الأميركي، ومؤلِّف أحد الكتب التي ستصدر قريباً عن العلاقات الأميركية السعودية، فقد رفض الملك ذلك.
وقال "لقد كانت كارثة، فقد زار أوباما السعودية أكثر من أي رئيسٍ أميركي آخر، وباع مزيداً من الأسلحة، بقيمة 112 مليار دولار، كذلك إلى المملكة أكثر من أي رئيسٍ أميركي آخر، لكنه لم يُحقق في المقابل نتائج مهمة تُذكَر".
وكان فرانكلين روزفلت أول رئيس أميركي يعقد قمةً مع ملك سعودي عام 1945، بعد مؤتمر يالطا الذي عقده روزفلت مع رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل والزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين.
والتقى الملك عبدالعزيز بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، على متن السفينة الحربية الأميركية "يو إس إس كوينسي" في قناة السويس. وبحث روزفلت خطط إقامة موطنٍ لليهود الأوروبيين في فلسطين. وعارض الملك تلك الفكرة بقوة. بيد أنَّ القائدين توصَّلا إلى اتفاقٍ ظلَّ قائماً على مدار العقود السبعة الماضية، وتعاقب خلاله 13 رئيساً أميركياً و5 ملوك سعوديين، لمبادلة الدعم العسكري الأميركي مقابل النفط السعودي.
وتفيد التقارير بأن إدارة ترامب تتفق على صفقة أسلحة ضخمة تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار، حيث قال مسؤول كبير في البيت الأبيض، الجمعة 12 مايو 2017 إن الولايات المتحدة على وشك استكمال سلسلة من صفقات الأسلحة للسعودية تزيد قيمتها على 100 مليار دولار، وذلك قبل أسبوع من زيارة يعتزم الرئيس دونالد ترامب القيام بها للرياض.
وأوجد الملك سلمان بفعاليةٍ خطاً جديداً في سياسة المملكة عن طريق نجله، البالغ 31 عاماً، محمد بن سلمان، وهو وزير الدفاع، ونائب ولي العهد، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية واسع النفوذ الذي يُخطِّط لمستقبلٍ اقتصادي جديد في السعودية، وهي المناصب التي تجعل منه ثاني أقوى رجال المملكة.
ويقول عدد من المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين إنَّ بن سلمان يتخذ العديد من القرارات الرئيسية، فقد وجه الدعوة للتدخل في اليمن المجاور عام 2015، ويعتمد السعوديون على المقاتلات والعتاد الأميركي في شن حملتهم باليمن،وهذا الربيع، عيّن الملك ابناً آخر له سفيراً جديداً للمملكة لدى الولايات المتحدة الأميركية.
في إسرائيل
وفي إسرائيل، سيكون ترامب على موعدٍ للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك لمناقشة أولى خطوات عملية السلام المُتجدِّدة. ويتمتع الرجلان بصلاتٍ وثيقة، جزئياً عن طريق عائلة كوشنر التي كانت مُنخرِطة منذ فترةٍ طويلة في القضايا الإسرائيلية.
وخلال زيارةٍ له إلى الولايات المتحدة قبل عدة سنوات، مكث نتنياهو في منزل كوشنر، ونام في حجرة نوم جاريد ،ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، بقي جاريد، الذي كان مراهقاً حينها، في قبو المنزل خلال هذه الفترة، ورُغم كل الصلات، تفيد الصحافة الإسرائيلية بأنَّ نتنياهو غاضبٌ من ترامب، الذي لم يظهر سوى القليل من الإشارات على فهمه للتاريخ أو الدبلوماسية، بسبب ما قد يطلبه ترامب منه.
ومن المُقرر كذلك أن يسافر ترامب إلى بيت لحم، مسقط رأس المسيح، التي تقع الآن ضمن الضفة الغربية، للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وكان الرجلان قد التقيا في وقتٍ سابق من هذا الشهر في واشنطن حين عبر ترامب عن ثقته بقدرته على تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب.
الاستقبال الأكثر فتوراً
وقد يحظى ترامب بالاستقبال الأكثر فتوراً في الفاتيكان، فمنذ البداية أثنى ترامب على انتخاب البابا فرانسيس عام 2013، وكان قد غرد يوم عيد الميلاد عام 2013 قائلاً: "البابا الجديد هو رجل متواضع، مثلي تماماً، وهو ما قد يفسّر سبب إعجابي الكبير للغاية به!".
غير أنّ كلاً من الرئيس، الذي جنى المليارات من عمله في مجال العقارات، والبابا، الذي تجنَّب الإقامة في القصر البابوي ليعيش "حياة عادية" في أحد بيوت الضيافة الخاصة برجال الدين، لديهما روى مختلفة بوضوح عن العالم. فخلال الحملة الرئاسية الأميركية غرَّد البابا قائلاً: "الشخص الذي يفكِّر فقط في بناء الجدران، أينما تكون، وليس في بناء الجسور، ليس مسيحياً". ووصف ترامب هذا التعليق بأنه "مخزٍ".
لقد كان البابا جاداً في إشارته ضمناً إلى الرئيس الأميركي الجديد دون تسميته. وفي فبراير، وبعد توقيع ترامب قراره التنفيذي الذي حظر دخول المهاجرين من 7 بلدانٍ ذات غالبية مسلمة، غرَّد البابا: "كم مرةٍ في الكتاب المقدس يطالبنا الرب بأن نرحب بالمهاجرين والأجانب، ويذكرنا بأننا أيضاً أجانب!".
وقال البابا للصحفيين في طريقه عائداً من البرتغال السبت، 13 مايو، إنه سيكون صريحاً، لكن محترماً، مع الرئيس ترامب، وقال البابا: "لا أُصدر أحكاماً أبداً على شخصٍ دون أن أسمع منه"، وقال البابا فرانسيس خلال محادثاته مع قادة العالم إنَّه دوماً يبحث عن "الأبواب التي تكون مفتوحةً قليلاً على الأقل" من أجل بناء توافقٍ متبادل. وقال: "السلام حِرفة، شيءٌ تمارسه كل يوم".
ولم يتوصل ترامب إلى سلام أبداً من قبل، وعلى عكس ريتشارد نيكسون، لم يتفاوض أبداً بشأن اتفاقٍ دبلوماسي مهم. وربما تكون أجواء الشرق الأوسط أكثر ودية، لكن يُستبعد أن تُحقق الرحلة إنجازاتٍ كبيرة، أو أن تحل محل التحديات القوية التي سيوجهها ترامب حين يعود إلى البلاد.