النتائج المُتوقعة للانتخابات ستلقي بظلالها على ملفين استراتيجيين، أحدهما هو الأكثر أهمية للداخل الإيراني، ويتمثَّل في مستقبل خلافة المرشد الأعلى للثورة، بإعتباره رأس الدولة وحافظ نظامها، والآخر هو الأكثر أهمية بالنسبة للغرب، ويتمثل في مستقبل.
"الحاكم الفعلي لإيران هو الولي الفقيه؛ وبالتالي فإن الانتخابات ليست سوى مسرحية هزلية لا فرق فيها بين روحاني ورئيسي".
بهذا المضمون جاءت خلاصة المؤتمر الأخير الذي عقدته لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس، حيث أكَّد المشاركون أن الملفات الاستراتيجية للدولة الإيرانية بيد المرشد الأعلى، "علي خامنئي".
النظرة الفاحصة للدستور الإيراني ربما تصل إلى ذات النتيجة التي وصلت إليها فصائل المعارضة الإيرانية بالخارج، لكن معطيات الواقع واحتمالات المستقبل لا تصل إلى النتيجة ذاتها بالضرورة.
فالرئيس الإيراني، وعلى النقيض من معظم الجمهوريات، لا يُمثل السلطة العليا في الدولة، لكن تظل رئاسته للحكومة وهيمنته على السلطة التنفيذية ذات دور مهم في تحديد مصالح النظام.
الرئيس في الدستور الإيراني هو المسؤول عن تنفيذ الدستور في ممارسة السلطة التنفيذية باستثناء الصلاحيات التي يختص بها المرشد الأعلى حصراً ، فالرئيس هو الذي يُعين مجلس الوزراء ويُمسك بمقاليد قرارات الحكومة ويختار سياساتها.
هذا يعني أن الرئاسة السياسية للجيش جزء من صلاحيات الرئيس الإيراني، حتى وإن كان اختيار القيادات العسكرية خاضعاً لسلطة المرشد الأعلى.
ولعل ذلك ما يُفسر ما نَص عليه الدستور الإيراني من حظر ترشح غير المنتمين للمذهب الشيعي "الاثني عشري" لمنصب رئيس الجمهورية، واهتمام العديد من وسائل الإعلام الغربية بالمنافسة الشرسة بين كل من مرشح التيار الإصلاحي الأبرز والرئيس الحالي "حسن روحاني" ومرشح المحافظين الأبرز "إبراهيم رئيسي".
وسبق لـ "القصة" تقديم تحليل حول أهم الفئات المستهدفة بحملة كلا المتنافسين والجهات الداعمة لكل منهما، وحظوظ كليهما في الانتخابات المقرر إجراؤها في 19 مايو الجاري.
النتائج المتوقعة للانتخابات ستُلقي بظلالها على ملفين استراتيجيين، أحدهما هو الأكثر أهمية للداخل الإيراني، ويتمثَّل في مستقبل خلافة المرشد الأعلى للثورة، باعتباره رأس الدولة وحافظ نظامها، والآخر هو الأكثر أهمية بالنسبة للغرب، ويتمثّل في مستقبل تنفيذ رفع العقوبات جزئياً عن إيران بموجب الاتفاق النووي بينهما، واتجاه سيره.
وقد عبر الكاتب البريطاني "نيك بتلر"، عن هذا المعنى في مقال نشره عبر صحيفة "فاينانشال تايمز"، مشيراً إلى أن وصول سقف رفع العقوبات إلى قطاعي النفط والغاز تحديداً سيتأثر حتماً باسم الرئيس الإيراني المنتخب.
النفط والعقوبات
فانتخاب "روحاني" يعني إمكانية السماح بتوافد الاستثمارات الأمريكية والأوروبية للاستثمار خاصه في قطاع البترول، وهذا من شأنه تخفيف وطأة الآثار الكارثية للحصار الاقتصادي على الاقتصاد الإيراني بشكل كبير؛ وبالتالي التأثير بشكل إيجابي على الحالة المعيشية المتراجعة للمواطن البسيط.
المفارقة في هذا الملف أن أغلب المراقبين يرون أن الملف الاقتصادي هو نقطة ضعف محاولة "روحاني" للاستمرار في سدة الرئاسة، حيث يُركّز المحافظون عليه في هجومهم على الرئيس الحالي، رغم أن تردّي الحالة الاقتصادية يعُود بالأساس إلى سياسات عهد "نجاد" - الأقرب إلى الاشتراكية، إن صح التعبير - حيث زاد الخناق على الاقتصاد الإيراني دولياً، في مقابل منح الدولة امتيازات لمحدودي الدخل محلياً، ما أسفر - في المحصلة - عن اقتصاد مُتردٍّ.
لكن إشراف "روحاني" على الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى يُعطيه بعض الأمل في هذا الملف، باعتبار أن سياساته الداعية إلى تخفيف التوتر مع الغرب من شأنها انتشال الاقتصاد الإيراني من حالة الاختناق الحالية.
أما انتخاب "رئيسي" فيعني تردُّد الغرب في رفع سقف تخفيف العقوبات عن إيران، بما يعني تجميد الاتفاق عند حدود الشروط النووية، وبعض قيود المعاملات البنكية، وهو ما ستدفع كُلفته الشركات الغربية التي تَتُوق إلى السوق الإيراني الغني بالنفط، وليس المواطن الإيراني فقط.
خلافة المرشد
الملف الثاني يتعلّق بنفوذ كل من التيارين الإصلاحي والمحافظ عقب انتخابات الرئاسة، ومدى سيطرة كل منهما على مفاصل مهمة بالدولة الإيرانية في هذا التوقيت تحديداً.
وتتمثّل أهمية التوقيت في ما تتداوله وسائل الإعلام الدولية بشأن صحة المرشد الأعلى "علي خامنئي"، وإصابته بالسرطان، واحتمالية وفاته قريباً، ما يعني أن اختيار المرشد الجديد ربما يكون في عهد الرئيس المنتخب في 19 مايو على الأرجح.
انتخاب "روحاني" على هذا الصعيد يعني مزيداً من تعزيز حظوظ الإصلاحيين في موازنة الكفة مع المحافظين الذين يُسيطرون فعلياً على مؤسسات النظام الحساسة، خاصة الحرس الثوري.
أما انتخاب "رئيسي" فيراه مراقبون بداية العد التنازلي لأُفُول الإصلاحيين وتحوُّل منصب الجمهورية إلى "كوبري" الوصول إلى "ولاية الفقيه" كما جرَى سابقاً مع المرشد الحالي.
فتاريخ "خامنئي" يُشير إلى تولّيه العديد من المناصب بعد الثورة، وقبل صعوده إلى منصب المرشد الأعلى، ومنها تولّيه رئاسة الجمهورية بدءاً من 13 أكتوبر 1981 حتى 3 أغسطس 1989.
ولمّا كان "رئيسي" هو "مرشح المرشد" فإن انتخابه رئيساً يعني تمهيد الطريق ليكون "المؤيد من قبل الملايين" هو خليفة "خامنئي" المنتظر.
أما إعادة انتخاب "روحاني" فتجعل إعداد المحافظين لـ "رئيسي" مرشداً جديداً على المَحَكّ، إذ لا يُمكن تصعيد مَن رفضه الشعب ليكون خليفة لـ "خامنئي"؛ ما يعني اضطرار التيار المحافظ لتقديم مرشح بديل ونهاية مشروع "تجهيز الخليفة"، الأمر الذي سيُعطي للإصلاحيين هامشاً للمناورة من جديد، خاصة في ظل العلاقة القوية بين "رئيسي" والحرس الثوري.