في ذكرى ميلاده.. حكاية "أتاتورك" ابن "رضا أفندي" الذي أسس أول جمهورية تركية

يصادف اليوم الجمعة، الموافق التاسع عشر من مايو، الذكرى الـ136 على ذكرى ميلاد مصطفى كمال أتاتورك، قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ومؤسس أول جمهورية لتركيا.

ولد أتاتورك في الـ19 من مايو عام 1881، لأب يدعى على رضا أفندي يعمل في الجمارك، بالإضافة إلى تجارته في الأخشاب، بعد أن كان ملازم، وكانت عائلة أتاتورك أحدى العائلات التي انتقلت من سلانيك إلى الأناضول، وصنفت عائلته ضمن النخبة الحاكمة في الدولة العثمانية في ذلك الوقت.

وفي عام 1893 التحق بمدرسة الرشدية العسكرية، ثم التحق بالمدرسة الرهبانية الثانوية العسكرية في مارس 1899، ومن ثم التحق بالمدرسة الحربية، وفي الـ21 من يناير 1905 تخرج برتبة رئيس أركان حرب مواصلًا التعلم في مدرسة أركان حرب "الأكاديمية الحربية".

- فترة تأهيل أتاتورك للحرب:

اُرسل مصطفى كمال أتاتورك، رئيس الأركان، إلى الجيش الخامس القائم بالعاصمة دمشق، وذلك عقب تخرجه من أجل التدريب، وكان له دور قوي في صفوف المدفعية والفرسان وسلاح المشاة، وفي عام 1906 حصل على رتبة نقيب، وفي أكتوبر من نفس العام عين قائدًا للجيش الثالث، وفي فبراير 1908 انضم لجمعية الاتحاد والترقى.

ودخل أتاتورك في عدد من الحرب، وظهر ذلك من خلال مشاركته في حرب طرابلس وكان حينها حصل على رتبة مقدم، أما عن حرب البلقان، فقد شارك فيها على مدار عام 1912، وعين حينها مديرًا للفرقة البحرية بمضيق البحر الأبيض في مركز بوليار.

- الحرب العالمية الثانية:

في يوليو 1914، بدأت الحرب العالمية الأولى ودخلت الدولة العثمانية الحرب في الـ29 من أكتوبر، وفي بداية يناير 1915 عين مصطفي كمال قائدًا للفرقة الـ 19، وفي أبريل 1916 حصل على رتبة فريق كترقية ونال لقب باشا، ومن هنا أصدر أمرًا بالتراجع التكتيكي، واعقبه بهجوم مفاجئ حرر من خلاله منطقة " موش" من احتلال القوات الروسية، وحقق بذلك السيادة الإستراتيجية للقوات العسكرية العثمانية، وكان ذلك سببًا في حصوله على ميدالية السيف الذهبية.

وأثناء تواجد أتاتورك في ديار بكر، أصدر أمرًا بشن انقلاب على حكومة يعقوب جميل، وكان ذلك بمثابة القضاء على الحرب، لأنه كان يؤمن أن الطريق الوحيد للتحرر، لا يأتي إلا بالضغط على الحكومة، وتغير وكيل القائد الأعلى ووزير الحربية، وذلك بإحداث انقلاب ضد الحكومة وتعيين أتاتورك وكيل القائد الأعلى ووزير الحربية في آن واحد.

وفي فبراير 1919، أرسله جمال باشا المرسينلي إلى الأناضول لتنظيم الجيوش العثمانية في الجبهة الشرقية، ووفقًا لبنود هدنة مندروس، تلقي الأتراك الموجودين على الجبهة الشرقية أمرًا بالتسليح وقتل المسيحين، وبناءً على ذلك تم البدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ومن جانبه كلف السلطان وحيد الدين محمد السادس مصطفى كمال باشا بقمع الاحتجاجات محددة الأهداف ضد قوات الاحتلال، وحماية المسيحيين قانطي الولايات الست وذلك بإعطائه كافة الصلاحيات.

وعقب صلح مندروس بدأت انتفاضات منظمة في الاناضول على هيئة مليشيات وطنية، وفي الـ 22 من يونيو عام 1919 إعلن مصطفى كمال مع روؤف بى وكاظم كارابكير باشا ورفعت بى وعلى فؤاد باشا، "أن الشعب سينال استقلاله بالثبات والعزم".

وشهد عام 1920، على افتتاح المجلس القومي التركى في أنقرة، وذلك بسبب قمع نواب المجلس العثماني من قبل قوات الاحتلال في مارس من العام نفسه، واعتقال سفراء النوايا الحسنة، وعلى الجانب الأخر وقع الاختيار على مصطفى كمال أتاتورك باشا لرئاسة الحكومة والمجلس باعتباره سفير ارضروم.

- فترة السلام:

انتهت حرب الاستقلال بميثاق "لوزان" الذي عقد في الـ 24 من يوليو عام 1923، وطبقًا لنصوص ميثاق لوزان اُسست الجمهورية التركية، وعقب الصراع القومى ظهر في تركيا إدارة يرئسها زعيمين.

وتألف المجلس الشعب التركي للخلافة العثمانية في 11 نوفمبر عام 1922، وبذلك تم القضاء على الكيان القانوني لحكومة استانبول، من خلال ابعاد فهد الدين عن العرش، وفي إبريل عام 1923 حدد مصطفى كمال أتاتورك قواعد دستور"دوكوز عمدة "، وأسس الحزب الشعبى الذي كان حجر الاساس للنظام الجديد، وكان للحزب الشعبى حينها الحق في المشاركة في انتخابات المجلس الثانى الذي عقد في أبريل من نفس العام، كما حدد مصطفى كمال مرشحى الحزب بصفته الرئيس العام له.

وفي أكتوبر عام 1923 طلب مصطفى كمال من رئيس الوزراء فتحى بى أن يقيل الحكومة بإستثناء رئيس أركان حرب فوزى باشا، كما أمر بعدم قبول المستقيلين في آى منصب حتى لو تم اختيارهم مرة آخرى، وبالتالى ظهرت أزمة في الحكومة، وطبقًا لهذه التطورات قرر مصطفى كمال حل الوضع من جذوره، وشهدت ففى ليلة الـ28 من أكتوبر عام 1923، على دعوة من عصمت باشا وبعض الشخصيات للاجتماع في تشانكايا وأعلن في ذلك الوقت عن مقولته التي يؤمن بها، حيث قائل" سنعلن إقامة الجمهورية غدًا".

وفي يوم الـ29 من أكتوبر عام 1923 عقد في مقر الحزب الشعبى اجتماع لمناقشة كيفية تأسيس مجلس وزراء، وعندما فشلت المساعى لحل المشكلة، اضطر أتاتورك لعرض افكاره، موضحًا أن الطريق الآمن لعبور هذه الأزمة هو تغير الدستور، وقدم للحزب الشعبى خطة من شأنها إعلان الجمهورية، وبعد قبول رئاسة الحزب الخطة، عقدت اللجنة العامة للمجلس الشعب التركي اجتماعًا في الساعة السابعة إلا الربع من مساء اليوم نفسه، وفي الساعة العاشرة والنصف من مساء الاثنين التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923 اُعلنت الجمهورية التركية وسط تصفيق نواب مجلس الشعب وهتافات "تحيا الجمهورية التركية".

- رئاسة الجمهورية:

أجرى أتاتورك عدة تغيرات جذرية من شأنها إيصال تركيا إلى مستوى الحضارة المعاصرة، وطبقًا لدستور 1924، تبوأ مصطفى كمال منصب رئاسة الجمهورية 3 فترات آخرى.

- السياسة الداخلية:

أجرى مصطفى كمال أتاتورك إصلاحات عديدة شملت كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى إصلاحات على المستوى الديني وعلاقة المؤسسة الدينية بالدولة والنظام السياسي لتركيا الحديثة، وأهم ما قم به أتاتورك أثناء فترة حكمه، هو إلغاء نظام الخلافة، الذي كان شكلًا من أشكال الأنظمة السياسية القائمة على توارث الحكم ضمن عائلة "آل عثمان"، مستندة على شرعية دينية بإعتبار الخليفة "ظل الله في الأرض".

كما فصل أتاتورك الدين عن الدولة ومنع الناس من ارتداء الطربوش والعمامة وروج للباس الغربي، كما منع المدارس الدينية وألغى المحاكم الشرعية، وأزال التكايا والأضرحة وألغى الألقاب المذهبية والدينية.

- جهود التحديث:

أعلن مصطفى كمال تعديلات جذرية تميزت بالإنتقال التام والنهائي من القوانين والسمات التي ميزت العهد العثماني إلى منظومة قانونية وإجتماعية جديدة إتسمت بفصل الشأن الديني عن الشأن العام، بالإضافة إلى حصر القوانين الدينية فقط بالمجالات ذات الصلة بالدين، وفصل فروع القانون الأخرى عن الدين، وفي الأول من 1926 دخل القانون الجنائي التركي الجديد حيز النفاذ

الاقتصاد.

تميزت فترة رئاسة أتاتورك بمنح حقوق الملكية لكافة المواطنين وليس للقطاعين العام والخاص فقط، بالإضافة إلى أنه في الفترة مابين عام 1923 حتى عام 1938 عمل على تنمية متوسط الاقتصاد التركى بمعدل 7.5 % سنويًا، فارتفع الدخل القومى لتركيا من 3.62 وحدة لكل ألف حتى 6.52 وحدة لكل ألف.

- السياسة الخارجية:

في ظل رئاسة أتاتورك كان يخيم على الوضع السياسى قضايا هامة، أبرزها قضية الموصل، تبادل الآسرى مابين تركيا واليونان، وتركيا عضو في الجمعية القومية، في حين أن أتاتورك كان يسير بمبدأ " نحن اَناس نعلم قدرنا وليس هناك مايكبح طموحاتنا.

كما تمسك أتاتورك باتفاقية لوزان، التي تم توقيعها في الـ 14 من يوليو عام 1923، بإعتبارها عصر مميز، حيث أنها تبرز حدود الجمهورية التركية بشكل واسع، كما أنها تمنح امتيازات على المستوي الاقتصادي لا يمكن التنازل عنها.

- وفاته:

بدأت الحالة الصحية لأتاتورك في التدهور منذ عام 1937 وبعد مضي عام واحد اكتشف أنه يعانى من تشمع الكبد، وبالرغم من تناوله الأدوية التي قدمها له كل من الأطباء الأتراك والأجانب، ولكن كل ذلك لم تجدى نفعًا، وتوفي أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية ورئيسها الأول، في إسطنبول بقصر دولمة بهجة في تمام الساعة التاسعة والخمس دقائق صباح يوم العاشر من نوفمبر عام 1938، وشيعت جنازته حتى أنقرة بموكب مهيب ووضع جثمانه في مقبرة بمتحف أتنوجرافيا بأنقرة بمراسم حافلة، وبعد خمسة عشر عامًا، وتحديدًا في العاشر من نوفمبر عام 1953، دفن أتاتورك في مقبرة النصب التذكارى الخالد "آنت كابير".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً