يردد أحد السياسيين اللبنانيين المخضرمين في جلسات خاصة أن لبنان يسير بين النقاط، وأنه من الضروري وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالاستحقاقات الدستورية.
لا أعرف لماذا أثارني استخدام السياسي المتمرس النقاط في تعابيره، فإما أن السياسي المذكور لا يفقه في السياسة شيئا، أو أنه لا يدرك أن البلاد مفتوحة إلى درجة أن كل النقاط أكانت الشولة المنقوطة أي النقطة التي تستلقي تحت الفاصلة أو النقطة المنفردة التي لا حول لها ولا قوة في آخر الجملة أو النقطة الثابتة دائما وأبدا تحت أقدام علامة الانفعال أو التعجب أو النقطتين اللتين تركبان بعضهما بعضا، بغض النظر عن قواعد التأنيث والتذكير أو نقاط الحذف والاختصار الثلاث اللواتي تشبهن طابور المتسارعين لتقديم التعازي. باختصار كل أشكال النقاط التي تسجل سلبا أو إيجابا في الصراعات الإقليمية والدولية تحتسب هنا في لبنان بموطن هذا السياسي، لذلك قررت أن أتجاوز كل قواعد الترقيم في هذا النص لسببين، أولهما أن فحول الأدب العربي منذ أن وجد لم يستخدموا الرموز في كتاباتهم أبدًا فالترقيم هو دخيل على اللغة العربية، وقد انتقل إليها من لغات أخرى ولم يتم استخدامه إلا بعد أن أقدم وزير المعارف المصري أحمد حشمت، بالطلب من أحمد زكي بن إبراهيم بن عبد الله النجار الذي عرف باسم أحمد زكي باشا باعتماد العلامات والإشارات في مناهج التعليم، أي منذ نحو مئة سنة تقريبًا.
وبما أن أحمد زكي كان متأثرًا بالأدب الغربي، وتحديدًا الفرنسي، وكان يتقن فن ترجمته، فقد وجد فرصة للدخول إلى عالم الاجتهاد في اللغة العربية بنقل النقاط والرموز إلى النصوص، علمًا أن روائع أبيات المعلقات العشر التي كتبت بماء الذهب لم تدخلها بأي شكل من أشكال النقاط، كما أن القرآن الكريم الذي يعتبر حجر الأساس الوحيد للغة العربية لم يخضع لقواعد الترقيم.
زد على ذلك فإن أفضل وأنقى وأروع ما كتبه العرب شعرا ونثرا وفلسفة وبكل أنواع العلوم لم يخضع للفواصل والنقاط والإشارات التافهة، ولا سيما أن الهدف الأساسي لرموز الترقيم هو تسهيل عملية إفهام القارئ، ولكن إن لم يكن القارئ قادرًا على الفهم من دون رموز فإن كل قواعد الترقيم لن تنجح في إفهامه المعنى الذي يدور في قلب الشاعر.
ثانيا لا شك في أن لبنان يمر بمخاض عسير على المستويات كافة وخير دليل على ذلك فشل قياداته السياسية في التوافق على أبسط المسلمات التي ينص عليها الدستور، مدعومة بكل إشارات ورموز تسهيل الإفهام، ما يعني أن المسؤولية أولًا وأخيرًا تقع على عاتق الطبقة السياسية التي ينتمي إليها السياسي المخضرم، وما اللجوء إلى تلك العبارات التي يستخدمها الساسة إلا محاولة لعدم إيصال حقيقة ما يجري، لا بل إنه نهج وتوجه واضح لإغراق الرأي العام في فك رموز لا شكل لها في النص ولا معنى لها بمضمونه.
وبناء عليه إذا تمكن القارئ من فهم ما ورد آنفا في هذا النص، فإن ذلك يؤكد ألا معنى لكل قواعد الترقيم الدخيلة على لغتنا الأم، وإن كل المسؤولين في بلادنا هم دخلاء على السياسة وعلومها، وأن رأى أحدهم أن هذا النص يخرج عن السياق المتبع لعدم التزامه بالإشارات فإن ذلك بيت القصيد.