"القهوة السادة" مشروب المصريين في حالات الموت، ومشروب المزاج لدي الكثيرين ممن تعودوا عليها، للقهوة تاريخ عريق مرَّ بعدة مراحل، انتشرت في القرن 16، وعرفها طلبة الأزهر من اليمنيين، وانتشر بينهم كونها منبهًا ومساعدًا قويًّا علي التركيز.
تعود قصة تحريم القهوة إلى القرن السادس عشر من خلال الطلاب اليمنيين الذين يدرسون في الأزهر، لتساعدهم على المذاكرة والتعلم، ومن هنا انتقل المشروب إلى الطلاب المصريين وبعد ذلك إلى المجتمع المصري كله.
الكثير من الأئمة ورجال الدين حرموا تناول القهوة، حيث قام الإمام أحمد السنباطي بتحريم شربها، ما أثار غضب الكثير من تجار بيع القهوة وأصحاب المقاهي.
وفي عام 1572 بدأت الأزمة في الدول العثمانية عندما قام أحد فقهاء المذهب الشافعي وهو الفقيه أحمد بن عبد الحق السنباطي بحملة عنيفة ضد المشروب الجديد عندما طرح عليه أحد السائلين سؤالًا حول شرب القهوة، "ما رأيك في المشروب الذي يدعى قهوة والذي يزعم بعضهم أنه مباح رغم ما ينجم عنه من نتائج وعواقب فاسدة"، فأفتى بتحريمها وبالتالي قامت ردود فعل سلبية عليها وعارضها المجتمع بشدة.
وفي منتصف عام 1572 أدت خطبة أحد الأئمة المؤيدين للفقيه أحمد السنباطي عن القهوة إلى هياج شعبي ضدها.
حيث انتشرت فتاوي تحريم القهوة في غالبية أنحاء القاهرة، وحدث أن فقيه آخر متشدد أكد على تحريم القهوة ومن يشربونها على المنابر بالمساجد، وهو ما دفع المستمعين له لتحطيم المقاهي لتعيش القاهرة حالات شغب من أجل القهوة.
وصدرت في نهاية فتوى مفاجئه بالقاهرة تقضي بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها. وحاول تجار البذور والبن ومنتجو القهوه والبائعون التدخل لحل أزمة القهوة، وارسلوا وفدًا إلى الشيخ أحمد السنباطي يطالبونه بالرجوع عن الفتوه، فكان رده الرفض.
وعلى خلفية ذلك وقعت معركة كبيرة بين مؤيدي السنباطي وبين التجار ومؤيديهم من البائعين، وكان نتيجتها موت أكثر من 5 ضحايا من تجار القهوة، فهرب الشيخ الذي أصدر الفتوى إلى المسجد، وحدثت حالة ثورة بين مؤيدى الشيخ وتجار القهوة.
وقام أهالى القتلى من التجار بتقديم القهوة السادة بدون سكر في العزاء، وذلك لكسر هذه الفتوى، واشترك أهالي القتلى في الحصار، وبقدوم الليل أرسلوا أحدهم لإحضار بطاطين وعمل صوان بأعمدة لتقيهم البرد، ونكاية في مؤيدي الفتوه، وزع التجار مشروب القهوة بدون سكر.
ولحل هذه الأزمة قام السلطان العثماني بتعيين مفتٍ جديد أصدر فتوى بعدم تحريم شرب القهوة، واعتبر التجار ومؤيدي شرعية شرب القهوة أن هذا التغيير انتصار لهم ولأرواح ضحايا القهوة، وسمي مشروب البن بالقهوة التركي، وأصبح هذا الحدث عادة عند المصريين، حيث أصبحوا دائما يقدمون القهوة في العزاء منذ حدوث هذه الأزمة في عصر الدولة العثمانية.
أما عن رحلة القهوة في العالم فقد انتقلت القهوة من إثيوبيا إلى اليمن على يد أحد علماء الصوفية في القرن الخامس عشر الميلادي ويدعي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني، الذي كان يتولي رئاسة الإفتاء، ويعد من رجال الدين المرموقين في ذلك العهد، كان قد تصادف خلال زيارة له إلى إثيوبيا أن تعرف على مشروب القهوة وأعجب به.
وعاد الشيخ إلى اليمن، وطعم القهوة عالقا في ذاكرته، ولما مرض يوما اشتهت نفسه شرب القهوة، وطلب من أهله أن يحضروها من أثيوبيا، وشرب منها وسقي أهل بيته لما رأوا أثرها على جسمه الضعيف، وكيف أنها تنشط الذهن المكدود.
انتشرت القهوة بين مجالس الصوفية التي أطلقوا عليها "خمرة الصالحين"، وربما جاءت هذه التسمية ردا على علماء الدين الذين حاربوا القهوة ورأوا فيها نوعا من المحرمات المسكرات.
وصارت القهوة المشروب الأول عند جماعات الصوفية حيث تعينهم على السهر حتى مطلع الفجر... وللاستزادة منها زرعها الصوفية في مدنية "مخا"، ومن اسمها ظهرت كلمة "موكا" أحد أشهر أصناف القهوة الآن، وأصبحت اليمن هي موطن القهوة في الجزيرة العربية، ومنها سافرت إلى مكة.
بينما في مكة انقسم المجتمع حولها إلى فريقين: أحدهما يحلل القهوة ويعتبرها منبهة للذهن منشطة للجسم، معينة على السهر، والآخر يري أنها من المسكرات، حتى أنهم بعضهم ساوي بينها وبين الخمر، واستعان الفقهاء المعارضون للقهوة بالسلطة الحاكمة، وأصدر حاكم مكة قرارا حكوميا عام 1511 بتحريم تناول القهوة.
كما عرفت أوروبا القهوة عن طريق تركيا وتجار البندقية، ومن الطريف أن الأوروبيين كانوا يعلمون أن الخمر محرمة في الشريعة الإسلامية.
وفي القرن السابع عشر انتشرت القهوة في مدن عديدة منها بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وألمانيا وعرفت لها دورًا وصالات متخصصة في تقديم القهوة.
حيث صارت بريطانيا وفرنسا علي نهج هولندا في زراعة القهوة، حيث زرعت بريطانيا مستعمراتها في العالم الجديد بالقهوة، ثم انتقلت زراعتها إلى أمريكا الوسطي والجنوبية حيث يتوافر المناخ الملائم.
وفي بريطانيا أيضًا قرر الملك تشارلز الثاني عام 1675 إغلاق جميع المقاهي بعد أن تحولت الى ساحات للمناقشات السياسية الساخنة، وبعد 11 يوم فقط تراجع عن قراره، إذ انتقلت المناقشات من المقاهي إلى البارات وصارت المناقشات أكثر خطرًا بالخمر.