بعدما قررت حماس مغادرة سوريا، علمت يقينا أن الوطن العربي، سيضيق عليها، ولن يقبل أي بلد استضافتها على أراضيه.
ولذلك أجرت حماس اتصالات مع بعض الدول التي يمكن أن تستوعبها، وتفتح لها حدودها، ومن ضمنها: الأردن، السودان، لكنها أبدت اعتذاراً دبلوماسياً عن ذلك، وإن رحبت بقدوم العشرات من كوادرها المغادرين من سوريا إليها.
في هذه الحالة، ظهرت أمام حماس خيارات جغرافية لم توضع على أجندتها في السابق، ولو من باب الدعابة الساخرة، كأن ينتقلوا إلى دولة قطر، بعد أن باتوا كما قال دبلوماسي غربي موجودين أغلب الوقت في الطائرات، ويتنقلون بينها وبين مصر والأردن وتركيا والسودان، ويقومون بالاتصالات للعثور على قواعد جديدة.
ثارت تساؤلات عدة حول طبيعة علاقة دولة قطر بحركة المقاومة الإسلامية حماس، دفعت "أهل مصر"، إلى البحث عن "أسرار هذه العلاقة"
الدعم المالي
تعود علاقة حماس بدولة قطر إلى سنوات ما بعد فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة إثر فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وفي حين غابت العديد من الدول عن مساعدة الفلسطينيين، ظهرت قطر مع تركيا ماليزيا وبعض المنظمات والعربية والإسلامية، للتخفيف من آثار الحصار، وقد أعد كاتب هذه السطور دراسة مستفيضة رقمية إحصائية بحجم المساعدات القطرية المقدمة لقطاع غزة.
وازدادت العلاقة جرعة ثقيلة العيار حين عقدت "قمة الدوحة" خلال الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة 2008-2009، ودعت إليها قائد حماس خالد مشعل، وجلس للمرة الأولى بجانب رؤساء عرب وإقليميين، أبرزهم: "الشيخ حمد، بشار الأسد، أحمد نجاد، طيب أردوغان"، وأعلنت قطر تقديم 250 مليون دولار لإصلاح الأضرار الناجمة عن آلة الحرب الإسرائيلية، رغم اعتبار الحركة لنتائج القمة بـ"المنقوصة وغير الفعالة".
كل ذلك منح قطر دور اللاعب الرئيس في الملف الفلسطيني بشكل جلي، انطلاقاً من رؤيتها لحصار غزة بأنه ظالم لا يستند لمشروعية قانونية أو أخلاقية، مما دفع برئيس حكومة حماس في غزة إسماعيل هنية، وعدد من وزرائه للإعراب عن شكرها، لأن دعمها للشعب الفلسطيني مستمر دون توقف، و"بلا اشتراطات"، وباتت تشكل دائماً الداعم السياسي والمادي، وللمشاريع الإنسانية والخيرية.
ويرى الدكتور إيهاب العزازي، الباحث في الشئون الخارجية، أن الدعم المالى يعتبر البوابة الحقيقية لعلاقة حماس بقطر خصوصا فى ظل تراجع الدعم العربي بعد ثورات الربيع العربي وتراجع الدور الإيرانى فى دعم حماس، مشيرا إلى أن هناك نوعان من الدعم المالي منها الظاهر عبر التبرعات والهبات والآخر الأهم وهو الدعم عبر صفقات السلاح والدعم اللوجيستى والتدريبات ولكن هناك جانبا مهما وغيرها.
التوازنات
من جانبه، قال عدنان أبو عامر، المُحاضر في تاريخ القضية الفلسطينية بجامعة الأمة الفلسطينية، إن دعم قطر لحركة حماس لم يتوقف على الجانب المالي المقدم على شكل هبات ومنح ومشاريع ميدانية، وليس أموالاً نقدية، كما تأمل حماس، لتعويض توقف الدعم الإيراني، وإعلان حماس بصورة غير مسبوقة أنها تعاني أزمة مالية خانقة، وفقاً لما أكده خالد مشعل وخليل الحية وسامي أبو زهري، وهم قادتها في الداخل والخارج.
وأضاف: "بل اتضح العمق الإقليمي الذي وفرته الدوحة لحماس، باعتبارها (العرابة) لها في المحافل الإقليمية والدولية، وهنا تأتي زيارة أميرها إلى غزة في أكتوبر 2012، ودعوته في القمة العربية الأخيرة في مارس 2013 لعقد قمة مصغرة لبحث مصالحة فتح وحماس، اعتبرتها الأولى خطوة قطرية للدفع بالأخيرة لسحب حصرية تمثيلها".
وأردف: "هنا يقع بعض من يكتبون في علاقة الجانبين في إشكالية تقديم فرضيات غير مستندة لمعلومات، باعتبار أن الدعم القطري لن يكون بدون ثمن من حماس، رغم عدم إنكار كاتب السطور لوجود "المال السياسي"، كما أن حماس ليست ساذجة إلى حد أن ترى في دولة قطر جمعية خيرية، لكنها تنتهج سياسة خاصة أكثر مبادرة وتوازناً من باقي دول الخليج العربي الأكثر تحفظاً واحتفاظاً بنمط واحد من العلاقات والسياسات، ورغم انفتاحها الإيجابي على الحركة، فإنها الدولة التي تستضيف أهم القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، ولا يمكن أن تمنحها ما تحتاجه من الدعم الذي يلزم مقاومتها المسلحة".
واستطرد: "لذلك تعلم حماس جيداً أن الدعم القطري المأمول لن يتجاوز الشق المالي والجانب السياسي فقط، دون أن يصل الدائرة العسكرية التي تمتعت به حماس إبان انخراطها في تحالفها مع إيران وسوريا، رغم أنها الأكثر إلحاحاً وطلباً، لاسيما من جناحها العسكري كتائب القسام، وهو ما كان محور نقاش بين الجانبين داخل الحركة في الابتعاد عن حلفاء الأمس والاقتراب من أصدقاء اليوم".
واختتم: "تدرك حماس أيضاً أن قطر، وإن كانت لا تأتمر بتعليمات الإدارة الأمريكية كما يقول خصومها، لكنها في الوقت ذاته ليست بصدد أن تشق عصا الطاعة معها، وتستجلب عداءها من جهة، ومن جهة أخرى فهي دولة تعرف حجم قدراتها، وتدرك أن أفقها في العلاقة مع حماس سياسي دعائي مالي في حده الأقصى".