كشف التصريح الذي أدلي به الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبيرج - ومفاده أنه على اتصال مع الحكومة التركية بعد أن جددت أنقرة رفضها لنواب ألمان دخول قاعدة "إنجرليك" الجوية بجنوب تركيا - تراجع السلطات الألمانية عن تصريحاتها بشأن نقل الجنود الألمان المتمركزين بالقاعدة إلى مكان آخر نظرا للتكلفة العالية وعدم وجود بديل مناسب للقاعدة محل الخلاف المستمر مع القادة الأتراك.
وقد جاء هذا التصريح بعد أن حث وزير الخارجية الألماني، زيجمار جابريل الولايات المتحدة، على المساعدة في حل النزاع مع أنقرة. ودعا جابريل نظيره الأمريكي، ريكس تيلرسون، خلال اجتماع في واشنطن الأسبوع الماضي إلى استخدام نفوذه بعد أن منعت تركيا نوابا ألمان من دخول قاعدة إنجرليك التي تستضيف 268 جنديا ألمانيا ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم (داعش).
كانت ألمانيا قد أرسلت فرقة استطلاع إلى المملكة الأردنية الهاشمية لاستكشاف إمكانيات نقل القوات الألمانية إليها، وبعدها بساعات زارت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير قاعدة "موفق السلطي" بمنطقة الأزرق في الأردن. وذكر بيان صدر لوزارة الدفاع الألمانية أن الانطباع الأولي للوزيرة كان "إيجابيًا"، غير أنها (الوزيرة) أشارت إلى أن "التكاليف التنظيمية" ستكون بالتأكيد "كبيرة".
وتمر العلاقات التركية -الألمانية بمرحلة يسودها التوتر، إثر منع السلطات التركية، منتصف مارس الماضي، نوابا ألمان من زيارة قاعدة (إنجرليك) في مدينة أضنة جنوب تركيا، الأمر الذي أعاد الخلاف التركي الألماني إلى السطح مرة أخري.
وقد انضمت قاعدة (إنجرليك) العسكرية - مؤخرا - إلى القضايا محل الجدل، حيث تملك ألمانيا طائرات استطلاع وقرابة 260 عسكريا في القاعدة يسهمون في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش) الإرهابي. وطلبت مجموعة من النواب الألمان زيارة قوات بلادهم في القاعدة، إلا أن الحكومة التركية أعلنت أن الزيارة غير مناسبة استنادا إلى مبدأ "المعاملة بالمثل". وقد وضع هذا القرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موقف حرج، قبل الانتخابات المزمع اجراؤها في سبتمبر القادم.
وتقول تركيا إن هذا الخلاف يأتي بسبب تسامح الألمان مع ما وصفته بـ "إرهاب حزب العمال الكردستاني" - الذي تعتبره السلطات التركية منظمة انفصالية إرهابية - وتفتح ذراعيها لعناصر جماعة جولن التي تصنفها كجماعة إرهابية وتتهمها بالوقوف وراء الإنقلاب العسكري الفاشل في العام الماضي، وتمارس ضغوطا على أنقرة عبر بعض المواطنين الأتراك.
في المقابل، تنتقد ألمانيا الحكومة التركية بسبب ما وصفته بـ " انتهاكات حقوق الإنسان" والديمقراطية الناقصة والجدل حول إعادة عقوبة الإعدام وأنشطة الاستخبارات التركية على أراضيها. وبالنتيجة فإن قضايا الجدل في السياسة الداخلية لكلا البلدين تؤثر على القرارات في السياسة الخارجية.
وخلال العام الماضي، رفضت تركيا السماح لنواب من البرلمان الألماني بزيارة القوات الألمانية في قاعدة إنجرليك، ردا على قرار البرلمان الألماني الذي اعتبر أن المذبحة ضد الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية كانت عملية إبادة جماعية.
ويري الخبراء أن قاعدة (إنجيرليك) توفر إمكانية التدخل والمتابعة في مناطق أزمات مختلفة بفضل موقعها الجغرافي، وفي نفس الوقت تتمتع بانفتاحها على البحر وامكانية الوصول إليها عبر البر والسكك الحديدية. وهذا أمر ضروري للتغلب على المشاكل اللوجستية والبشرية. ويمكن للطائرات المتمركزة في القاعدة إجراء عمليات في منطقة تمتد من قناة السويس حتى شرق المتوسط والعراق وسوريا وإيران والسعودية.
كما لا تقتصر القاعدة على مدارج الطائرات فقط، فهي توفر منشآت وأمن القوات وإمكانية لوجستية وتتيح الصيانة والتزويد بالوقود والتخزين. وهي موصولة بساحات احتياطية تقدم الدعم لعمليات البحث والإنقاذ في الحالات الطارئة.
كما يري الخبراء أن السبب الأساسي المباشر المعلن حول هذا المنع هو قرار البرلمان الألماني الصادر في يونيو 2016، والذي وصف الأحداث الأرمنية في عام 1915 "بالإبادة"، الأمر الذي ردت عليه تركيا بإصدار قرار يمنع وصول النواب والمسؤولين الألمان إلى القاعدة، كما تتغاضي ألمانيا عن الأنشطة السياسية والمجتمعية التي يُجريها حزب العمال الكردستاني على أراضيها، بالرغم من إعلانه - من قبل السلطات التركية - كمنظمة إرهابية في 22 نوفمبر 1993، يعتبر أحد الأسباب المباشرة للتوتر الحاضر بين الطرفين.
ويري الخبراء أن تركيا تهدف من وراء منع البرلمانيين الألمان إلي الضغط على ألمانيا، الدولة المتزعمة لسياسة الاتحاد الأوروبي، لاستقطاب دعمها للأهداف التركية في سوريا، والمتمثلة في إيقاف دعم التحالف الدولي لوحدات الحماية الكردية، وتعجيل عملية الحل السياسي، والاتجاه نحو إبعاد بشار الأسد عن رأس السلطة في سوريا، وبالتالي تحقيق سياسة "تقاسم الأعباء" في الملف السوري.
وتستخدم القاعدة بشكل رئيسي القوتان الجويتان التركية والأمريكية، ولكنها تستخدم أيضا من قبل القوة الجوية الملكية البريطانية وقوات جوية من دول أخرى منها السعودية.
وقاعدة انجرليك الجوية هي مقر السرب العاشر التابع لقيادة القوة الجوية التركية الثانية، كما هي مقر للسرب الـ 39 للقوة الجوية الأمريكية.
وتتكرر بين الحين والآخر، الدعوات والمطالبات عبر بعض وسائل الإعلام المقربة من الرئيس التركي أردوغان بمنع القوات الامريكية من استخدام انجرليك في الحرب على تنظيم (داعش) كلما توترت العلاقة بين البلدين.
وتقع قاعدة انجرليك الجوية قرب قرية تركية تحمل ذات الاسم قرب مدينة أضنة جنوبي تركيا، وتبلغ مساحتها نحو 1335 هكتارا وهي قاعدة تابعة لحلف شمالي الاطلسي (الناتو) إلى جانب قاعدة ازمير الجوية.
وتبعد القاعدة نحو 10 كيلومترات عن مركز مدينة أضنة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1،7 مليون نسمة وعلى بعد 32 كيلومترا عن ساحل البحر المتوسط.