اعلان

حكايات الجماعات الإسلامية.. الدعوة السلفية: النوم في أحضان الأنظمة

بينما يجلس محمد إسماعيل المقدم وسعيد عبد العظيم، للحديث عما يجرى في مصر خلال سبعينات القرن الماضي، داخل إحدى المساجد بالإسكندرية، للوقوف على أسباب الانفلات الأخلاقي والديني، حيث الأفلام التي تملأ شاشات التلفاز يكسوها العرى والانحلال، إلا أنه يخطر إلى أذانهم تأسيس جماعة لمواجهة مثل هذه الأفلام إلا أنهم اختلفوا قليلًا على إطلاق الاسم ولكن استقروا في النهاية على تسمية أنفسهم بالدعوة السلفية.

وبعدما سمع ياسر برهامي وأحمد حطيبة، بدأ في التواصل معهم في التجمع داخل كلية الطب بجامعة الإسكندرية، إذ كانوا تابعين لتيار "الجماعة الإسلامية"، الذي كان معروفا في الجامعات المصرية في السبعينيات أو ما عرف بـ"الفترة الذهبية للعمل الطلابي" في مصر.

في ذلك الوقت، كان تيار جماعة الإخوان، تغلغل داخل الجامعات إلا أنهم رفضوا جميعا الانضمام إليه، لتأثرهم بالمنهج السلفي عن طريق المطالعة في كتب التراث الإسلامي، ومجالسة شيوخ السلفية السعوديين خلال رحلات الحج والعمرة، ثم تأثرهم بدعوة محمد إسماعيل المقدم، الذي كان قد سبقهم إلى المنهج السلفي من خلال سماعه لشيوخ جمعية "أنصار السنة المحمدية" منذ منتصف الستينيات، وقراءاته لكتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم.

وهنا جاء عام 1977م، تكونت النواة الأولى للشباب السلفيين تحت اسم "المدرسة السلفية" بعدما قرروا الانسحاب من الجماعة الإسلامية، التي هيمن عليها طلاب الإخوان و"فرضوا منهجهم"، حيث شرع محمد إسماعيل في تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس في مسجد "عمر بن الخطاب" بالإبراهيمية، وكان هذا الدرس بمثابة الملتقى الأسبوعي لهذه المجموعة الصغيرة إلى جانب حلقة أخرى بمسجد "عباد الرحمن" في "بولكلي"" صباح الجمعة، ولم يكن مع المقدم أحد في هذه الفترة غير زميله أحمد فريد، الذي يحكي في مذكراته عن هذه الفترة، قائلا: "كان الحضور في هذه الحلقة لا يتجاوز عشرة أفراد، ولم يكن معنا أحد من قادة الدعوة السلفية الآن، وكان الشيخ محمد يحفظنا متن "العقيدة الطحاوية"، وكذا "تحفة الأطفال"، وكلفني بتدريس كتاب "مدارج السالكين".

- الموقف من الإخوان المسلمون:

في بداية نشأت المدرسة السلفية، لم تكن بعيدة عن حركة الإخوان فكريًا ولا تنظيميًا، إذ نشأ بعضهم في بيوت إخوانية، كالشيخ ياسر برهامي، الذي سجن والده وعمه ضمن الإخوان خلال الحقبة الناصرية، بينما عمل البعض الآخر بين صفوف الحركة في أول حياته.

لكنهم جميعا اتفقوا على رفض الانضمام إلى الجماعة، وقد تزعم هذا الرفض محمد إسماعيل المقدم الذي أصر على الاستمرار في دعوته التي كان قد بدأها قبل ذلك.

- أنصار السنة المحمدية:

يؤكد السلفيون على الأثر الكبير الذي كان لجماعة "أنصار السنة المحمدية" في نشأة دعوتهم تاريخيا، خاصة وقد كانت أنصار السنة على منهج أهل السنة والجماعة الذي تميزت بنشره على يد شيوخها: محمد حامد الفقي، وعبد الرزاق عفيفي، وعبد الرحمن الوكيل، ومحمد علي عبد الرحيم، الذي كان للسلفيين في بدايات دعوتهم معه لقاءات ومجالسات.

- التكفير والهجرة:

وبينما كان السلفيون يضعون اللبنات الأولى لدعوتهم ظهرت جماعة "التكفير والهجرة" على يد شكري مصطفى، الذي استطاع بأسلوبه وذكائه أن يضم إليه عددا كبيرا من الشباب، اللذين نفذوا فيما بعد حادثة قتل وزير الأوقاف الأسبق الشيخ الذهبي، وقعت الحادثة بينما كان السلفيون بأحد معسكراتهم الإسلامية في استاد جامعة الإسكندرية صيف عام 1977، وكانت لها أصداء داخل المجتمع المصري، ولذلك وصفها الشيخ أحمد فريد بأنها "كانت فتنة بالفعل"، حرص السلفيون على نفيها عن أنفسهم والتأكيد على عدم تبنيهم لهذا الفكر، حسبما حكى فريد في مذكراته، قائلا: "خرجنا إلى المواصلات العامة ونحن نرتدي (فانلة) مكتوبا عليها "الجماعة الإسلامية.. ندعو الله عز وجل، ونتبرأ من جماعة التكفير وقتل الذهبي؛ وذلك حتى لا تستغل الفرصة لضرب الصحوة الناشئة. ثم شرع محمد إسماعيل المقدم يدرس لهم ولمن حضر من الطلاب في المعسكر رسالة شرعية في الرد على جماعة التكفير.

- حسني مبارك

عايش السلفيون توافق كبير مع نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وقد جني السلفيون ثمار هذه التوافق مع النظام المصري، الذي أتاح لهم حرية التعبير، وهذا ما ظهر عام 2006 عندما سمح لهم النظام بافتتاح العشرات من الفضائيات السلفية، وعن طريقها استطاع التيار السلفي التوغل لجميع البيوت المصرية وتوسيع دائرة نفوذهم علي المجتمع المصري. ولأول مرة بدا النظام المصري ككبش فداء لتلك التطورات، حيث أدت تلك القنوات الفضائية إلي زيادة شعبية شيوخ السلفية وتحولوا لنجوم المجتمع، وبدأت ظاهرة تعاظم قوي التيارات السلفية في إثارة مخاوف الأوساط الأمنية في القاهرة، مما أدي للتدخل لإغلاق معظم تلك القنوات في أكتوبر 2010.

- ثورة 25 يناير:

وفتحت تنحية مبارك عن الحكم الأبواب لدخول العديد من القوي السياسية القديمة والحديثة لساحة العمل السياسي، كما أنهم لم يشاركوا في موجة الاحتجاجات التي شهدتها مصر للإطاحة برئيسها حسني مبارك ذ عدا أعداد محدودة وبشكل فردي، بل وقفوا في محاولة لمنعها محذرين من المخاطر التي قد تؤول إليها البلاد بسبب الثورة، حيث أن أكبر جماعات التيار السلفي في مصر " الجمعية الشرعية" و"أنصار السنة المحمدية" قد منعوا أتباعهم من الخروج في تلك المظاهرات والاحتجاجات ضد النظام، محرمين الخروج علي الحاكم ومحذرين من تبعات تلك الموجة علي المجتمع المصري، كما وقفت "الدعوة السفلية" ضد الثورة في بدايتها.

كما أدت إلي تغيير نمط النشاط السلفي للمرة الأولي في تاريخه والذي قرر ترجمة هذا النشاط الاجتماعي ليحوله لقوة سياسية. ففي الحادي والعشرين من إبريل أعلنت "الدعوة السلفية " عن تأسيس حزبها تحت اسم "حزب النور" والذي كان بمثابة الإشارة لانطلاق العديد من الأحزاب السلفية في مصر، كأحزاب "الفضيلة "، و"الأصالة" و"الإصلاح".

- حكم الإخوان:

لم تخل العلاقة بين الإخوان والسلفيين على مدار سنوات طويلة من التحالفات والصراعات، فبعد ثورة 25 يناير حرص الإخوان علي توطيد علاقتهم بالسلفيين، باعتبارهم جماعة دعوية يمكن الاعتماد عليها والوقوف يدًا واحدة في مواجهة التيار المدني من أجل تحقيق حلمهم بإقامة دولة دينية تحكم بأحكام الشريعة، لكن بمجرد وصول الرئيس السابق محمد مرسى للحكم، لم يستمر الوفاق طويلًا فسرعان ما توترت العلاقة بين الطرفين ليجد السلفيون أنفسهم قد خرجوا "بخفى حنين".

- ثورة 30 يونيو وحكم الرئيس السيسي:

بينما قرر الشعب المصري رفض سياسات حكم جماعة الاخوان من خلال انطلاق مظاهرات في الشوارع المصرية، قررت الدعوة السلفية في الانقلاب على إخوانه في الفكر، بتأييده لعزل محمد مرسي وحضورهم للبيان الذي ألقاه الفريق أول عبد الفتاح السيسي.

- تأييد الرئيس السيسي:

بعدما قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي الترشح لانتخابات الرئاسة دشن شباب حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية، وبدأوا في التحدث باسم الرئيس وحضور الاجتماعات التي كان يعقدها، إلا أنه ومع رفض المجتمعي لهم بدأوا في الاستغاثة بالرئيس السيسي خاصة بعدما خسروا أكثر من 90% من مقاعدهم في انتخابات مجلس النواب الأخيرة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً