أسرار مهنة نبش القبور.. الجثة بألفين والهيكل العظمي بـ1000.. وأسعار خاصة لطلاب الطب

صورة ارشيفية

على مد البصر، اعتاد أن يرى المقابر ليلًا ونهارًا، يجالس الموتى ويستمع إلى حكاوي ذويهم في زياراتهم، ينتظر الجثث الطازجة التي تُدفن في المقبرة التي يحرسها، ثم ينصرف أهلها، وفي هذه الحالة، تدق ساعة العمل، ليشمر "يحيى" التربي عن ساعديه، وينزل المقبرة، ويسرق أعضاء الجثة أو الجثة كلها، ثم يبيعها إلى طلاب كليات الطب.

يحيى هو "التربي"، أو حارس المقبرة، في منطقة باب النصر القديمة شمال شرق القاهرة، ورضا طالب طب في جامعة عين شمس، يود عقد صفقة والحصول على جثة.

ويحيى هو اسم مستعار لرجل الخمسيني ضاحكاً، يرتدي ملابس غامقة كالتراب، يتفق على سعر الجثمان ويتعهد بإيصاله إلى المنزل.

والحصول على جثة سليمة، لم يوضع عليها مادة الفورمالين التي من شأنها إتلاف الأنسجة والخلايا، وتشريحها، من شروط النجاح في الكلية وإمكانياتهم المادية لا تترك أمامهم سوى استئجار جثة من الحاج يحيى، وتجزئة سعرها بينهم، ثم إعادتها بعد الامتحان.

ويؤكد طالب رفض ذكر اسمه: أصبحنا كتجار المخدرات نشتري الأعضاء في الخفاء ونقوم بالتشريح في الشقة ليلاً خشية أن يعلم بأمرنا أحد.

وتضم مصر وفقاً للمجلس الأعلى للجامعات حوالي 25 جامعة حكومية، تحتوي 20 منها على كليات طب بشري، بالإضافة إلى 4 كليات طب تابعة لجامعة الأزهر. ويعد علم التشريح أحد المواد الرئيسية على مدار سنوات الدراسة السبعة داخل الكلية، ويكون في العادة لدى كليات الطب البشرى مشرحة لحفظ الجثث داخل الحرم، توضع تحت تأمين شديد من قبل موظفي الجامعة.

لكن هذه المشارح لا تلبي حاجة طلابها، فعدد الجثث لا يكفي، ما يدفع آلاف طلاب الطب في مصر للبحث عنها في أماكن غير شرعية، وهي بالتالي أرخص وقد بات طلاب الطب زبائن دائمين لحراس المقابر، الذين يتحول عملها في المساء إلى نابشي قبور وتجار جثث، وبعدما يغادر أهل الميت مطمئنين أن فقيدهم يرقد في مثواه الأخير بسلام، يبدأ عمل يحيى.

- الكليات وتوفير الجثث:

يقول الدكتور فتحي خضير، عميد كلية طب قصر العيني في جامعة القاهرة، إن هناك نقص حاد في عدد الجثث في كليات الطب، والهياكل البلاستيكية البديلة التي يوفرها الأطباء لا تفي بالغرض لأن من الصعب دراستها وتشريح الأوعية والشرايين فيها.

وكليات الطب كانت تستورد الجثث من شرق آسيا لتغطي العجز، حتى وصل سعر الجثة الواحدة إلى 150 ألف دولار وكان يتم استيراد 5 جثث سنوياً يوزعون على الكليات، ومع تقلص ميزانية هذه الكليات على مستوى جامعات مصر، لم يعد باستطاعتها استيرادها من الخارج.

طرق أخرى تحاول بها كليات الطب بمصر سد النقص، تتمثل في توفير الجثث غير المستدل على هوية أصحابها للطلبة في مشرحة الكلية، ويتم تقسيمها على الطلاب، لكن محاولات الكليات لا تكفي لتوفير جثث كافية تُستخدم في الدراسة، والحصول على الجثث المجهولة والتحفظ عليها صعب ويتطلب وقتاً وتصريحًا من النيابة المختصة أو النائب العام، بحسب أحمد السجيني، أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب جامعة عين شمس.

ولا يستغرب السجيني توجه الطلاب إلى حراس القبور، فقد بات توفير الجثث للطلاب في المشرحة أمراً صعباً للغاية بسبب زيادة عدد دارسي الطب. ويضيف أن من يعرف معاناة الطلاب في الحصول على جثث ورفات موتى للدراسة والتشريح، والاستغلال الذي يتعرضون له، يتفهم قيامهم بذلك ويشفق عليهم.

- لائحة الأسعار:

يبلغ عدد المقابر الموجودة بالقاهرة نحو 200 ألف مدفن وتجار بيع الجثث والرفات فيها باتوا معروفين بين الطلاب بالكلية، ويعرف الطلاب أسعارهم الموحدة مسبقاً، بل ويخشون ارتفاعها، وسوق بيع الجثث ينشط في الشتاء وهو موسم "المذاكرة والامتحانات"، وكأي تجارة، يضع حراس المقابر تسعيرة لبضاعتهم، وتختلف الأسعار بحسب الزبون.

فالسعر للطالب يختلف عن الأسعار التي تباع لزبائن الجملة، أو سماسرة الطلبة والمراكز التعليمية التي تحيط بكليات الطب.

ورفات الموتى تعد أكثر البضائع المطلوبة وأعلاها سعراً، فيتراوح سعرها ما بين 2000 و5000 جنيه، أما الهيكل العظمي الكامل للجثة فسعره بين 1000 و1500 جنيه.

والجمجمة بـ250، وفي أماكن أخرى يتم بيعها بـ600 جنيه، ويختلف سعرها بحسب حالتها لأن هناك علامات فارقة بين الجماجم الخاصة بالشباب والكبار.

يزداد غلاء ثمن الجثة كلما اقترب البيع من تاريخ الوفاة، فالطلاب يفضلون الجثث التي لم تتجاوز وفاتها الأربع ساعات، وإن مر عليها أكثر من ذلك تبدأ بالتحلل، فيضطر الحارس لمعالجتها بالفورمالين، وهو ما لا يريده الكثير من الطلاب.

- كيف يتم نبش القبور:

يدخل النباش للمقابر ليلاً بعد مراسم الدفن دون أدنى خوف ويعطي الجثمان للسمسار ليتصرف فيها، والترابية، أو حراس القبور، يقومون بغلي العظام لإزالة الشحوم والأنسجة واللحوم والتخلص من الرائحة الكريهة وبذلك يتسنى للطلاب التعامل معها والدراسة عليها، وقد يتبع أحياناً طريقة أخرى لإزالة الشحوم بدهنها بالزيت قبل بيعها للطلاب.

وهناك ترابية متخصصين في بيع العظام والرفات فقط، ويتواجدون بكثرة في مقابر "الغفير والمجاورين" بمنطقة منشية ناصر.

- رأي القانون:

ثمة نقاط قصور قانونية شديدة فيما يخص نبش المقابر وسرقة جثمان الموتى أو أشياءهم بحسب مصادر قانونية.

فيعاقب القانون من يقومون بنبش القبور بغرامة مالية لا تقل عن 100 جنيه مصري ولا تزيد عن 500 جنيه، دون حبس، وهي عقوبة غير رادعة برأي الكثير من الحقوقيين، ما يدفع لاستمرار هذه الجريمة.

وتعج دفاتر أقسام البوليس بمحاضر ضبط لنابشي القبور وأخرى بشكاوى الأهالي عن غياب جثث ذويهم.

وتنتشر حول جامعة الأزهر وعين شمس والقاهرة بمصر مكتبات تبيع مستلزمات وأدوات للدراسة، وتجد عندهم أعضاء وعظام يحتاجها الطلاب في الدراسة، يبيعونها للطلاب الذين يعرفونهم جيداً، خشية أن يقوموا بإبلاغ الشرطة عنهم، وبعد بيع الجثة يقوم متعهدو المقابر ببيع القبور الفارغة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً