بعد أربعين يومًا من الإضراب عن الطعام، انتهت باتفاق مع إدارة السجون الإسرائيلية، دخل الأسرى الفلسطينيون في صيام أيام شهر رمضان.
ومنذ ما يقارب سبعة آلاف أسير في السجون الإسرائيلية الآن يقضون شهر رمضان، ومع هذا هم يملكون برنامجًا رمضانيًا مميزًا، هذا البرنامج يترواح بين قراءة القرآن وصلاة التراويح، وجلسات الذكر التي يتخللها فقرات من الإنشاد الجماعي، والنكت المرحة، فيما تمنعهم أحيانًا إدارة سجون الاحتلال من صلاة التراويح جماعة، أو حرمانهم من الطعام المناسب، أو مصادرة المراوح من غرفهم الحارة صيفًا.
وفي التقرير التالي، نرصد أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال..
- فاطمة وفن صناعة "المحاشي" داخل "هشارون":
قالت صحيفة "ميرور" البريطانية إن الأسيرة الفلسطينية المحررة "فاطمة الزق" لن تنسي فطورها الأول داخل سجن "هشارون" الإسرائيلي، وقت جلست تنتظر أذان المغرب مع باقي الأسيرات، فتنظر إلى الوجوه حولها فلا تجد أطفالها، وتنظر إلى المائدة فلا تجد طعامًا قد صنعته هي خصيصًا لهذا الابن أو تلك الابنة.
ومع هذا كانت فاطمة تملك كنزًا كبيرًا داخل هذا السجن، إنه ابنها يوسف الذي أنجبته وهي معتقلة، أو "أصغر أسير" كما اعتاد الفلسطينيون تسميته، فقد كانت مناغشة يوسف وتصفيقه والغناء له شيء يضفي جوًّا رائعًا داخل عتمة السجن، لكن الفرح مع يوسف أو رغبة الأسيرات في صلاة التراويح في ساحة الفورة، والعديد من الخطوات التي جهزن لفعلها في شهر رمضان المبارك هي محطة حرمان كبير من قبل إسرائيل التي تعجل لوقف تحركاتهم الرمضانية.
اعتادت فاطمة أن تدخر حصتها في الزيارة من غرفة لأخرى لشهر رمضان المبارك، حين تقرر أن تُدخل البهجة على الأسيرات، هي تعلم أن تذوق "أكلة المقلوبة" من يدها، شيء مبهج حيث تجمع الأسيرات على أنها الأمهر في طهوها داخل السجن.
تقول فاطمة للصحيفة كنت أحرص دائمًا على عزيمة المقلوبة تلك في شهر رمضان، حيث تمنحنا إدارة السجن فرصة ساعة للانتقال من غرفة لغرفة، كنت أعدها بسعادة غامرة، وأقدمها للأسيرات، أما إنجاز المحاشي، فهي معركة كبيرة لكن مذاقها من يد فاطمة يستحق خوض المعركة، تقوم الأسيرات في الغرفة الواحدة بجمع حبات الكوسة والباذنجان، على مدار أكثر من يوم يمنحن فيه تلك الحبات من إدارة السجن، حصة يوسف وأمه ورفيقاتها، وقد تتبرع أسيرات في الغرف المجاورة بـ"حبة" الكوسة أو الباذنجان لصالح "طبخة فاطمة".
- فلسطينيات يصنعن الكحك والمعمول بمناسبة عيد الفطر:
وكشفت الصحيفة عن العيد في السجون الإسرائيلية، وعن قرار مصلحة السجون بمنع إدخال التمور وزيت الزيتون والحاجيات التي يستخدمها الأسرى لصناعة الحلويات، قالت وهي تتذكر مشهد مائدة العيد في ساحة ممتلئة بالحلويات والكعك، التي صنعت بمبدأ الحاجة أم الاختراع ثم رصت بطريقة باهرة للغاية، حيث قررت عيد قررت فاطمة أن تصنع "المعمول" وتوزعه على قسم الأسيرات كلهن، وبينما كانت إدارة السجن تمنع الدقيق عن الأسيرات، استطاعت أن تجمع "السميد" بمساعدة الأسيرات، وحصلت على التمر من الكنتينا، مرتفعة الأسعار، تقول فاطمة: "كنت بحاجة للسكر المطحون، ولن تكن أي إمكانيات متوافرة، أخذت أضع القليل من السكر في وعاء الطهي، ثم أفركه بقاع الكأس حتى أحصل على سكر ناعم".
- كيف يتواصل الأسرى مع أهلهم في رمضان؟
تعتبر الأيام التي تسبق شهر رمضان المبارك، محطة عمل واجتهاد كبير من قبل الأسرى، يجهز مسؤولو التنظيمات فيها البيانات الداخلية التي تعمم على غرف الأسرى، حيث يتوقف البرنامج الداخلي اليومي للأسرى المعتاد قبل رمضان، من حيث وقت الاستيقاظ، والبرنامج التطبيقي التربوي اليومي، وكذلك أوقات الهدوء والطعام، كذلك يتم عمل مسابقة ثقافية على مدار الشهر الكريم، يشارك فيها الأسرى بشكل فردي أو جماعي، وهناك مسابقات فردية وأخرى مشتركة بين الأقسام.
- أسرى يؤدون الصلاة داخل غرفهم:
يصر الأسرى على تحدى السجان، ومجابهة تنغيصه الذي يزيد في مثل هذه المناسبات، وبشكل معاكس يحاول الأسرى دعم بعضهم البعض، تحدثنا إلى الأسير المحرر "أحمد الفليت" الذي اعتقل عام 1992 وأفرج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار (شاليط) بعد 19 عامًا من الاعتقال، يقول الفليت أن: "تجربة الحركة الأسيرة المتوارثة تضرب بيد واحدة الاكتئاب والحزن الذي قد ينال من الأسرى داخل السجون، حيث تم التغلب على ذلك، وتحويل الأجواء لإيمانية مبهجة، فمجمل الأسرى ملتزمون بالصلاة والصيام".
يستلم الأسرى طعام الوجبات الثلاثة من إدارة السجن، حيث لا تغير تلك الإدارة برنامج توزيع الطعام بما يتوافق مع صيام الأسرى، ويقوم الأسرى بتنظيم عملية حفظ الطعام لوقت الإفطار والسحور بشكل جماعي، ولكن كيف يتم ذلك؟، يقول الفليت، أنه بسبب تخصيص إدارة السجن قرصًا كهربائيًّا واحدًا لإعداد الطعام في الغرفة الواحدة، يضطر الأسرى للبدء في إعداد الطعام في وقت باكر، بعد الظهيرة مباشرة، حتى يتمكنوا من إعداد أكثر من صنف طعام قبل موعد الإفطار.
- تنوع أصول الأسرى يخلق طعامًا منوعًا شهيًّا:
في جلسته الأولى حول مائدة الإفطار في سجن (بئر السبع) الإسرائيلي، اجتمع الأسير المحرر "عامر مبروك" على مائدة واحدة مع أسرى من سلفيت، وطوباس، ونابلس، وجنين، وقلقيلية، حدث ذلك بينما كان يتذكر "اللمة الواحدة" التي كانت تجمعه مع أبيه وأمه وشقيقاته في بيته الكائن في مدنية طولكرم بالضفة الغربية.
- خباز شعبي فلسطيني:
فيما يتعلق بالطعام، وبينما يحظى الأسير الفلسطيني بأكلة سمك واحدة كل ست شهور، ودجاجتان للغرفة الواحدة كل أسبوع، تلك (الإنجازات) التي حققت بعد خوض الأسرى لإضرابات عدة، يخبرنا "مبروك" أن مصلحة السجون الإسرائيلية لا تغير نظام تقديم الطعام في شهر رمضان المبارك، حيث تقدم الوجبات الثلاثة في مواعيدها المعتادة، وقد تتعمد في رمضان تقديم طعام سيء كمًا ونوعًا، وهو ما يجبر الأسرى على طهي الطعام داخل الغرف، يقول "مبروك": "نصيب كل أسير ثلاثة كيلو من الخضروات والفاكهة شهريًا، هذه الكمية يدخلها الأسرى الذي يأكلون بشكل جماعي في الغالب، بالتنسيق فيما بينهم بحيث يستفيدون بأكبر قدر من الأكل سويًا".
الحلوى أيضًا، لها نصيب كبير من صنع الأسرى، حيث تصنع في السجون خاصة في شهر رمضان، الهريسة، والكنافة نابلسية، وأصابع زينب، وعوامة وقطايف، لكن من يصنعها؟، يجيب "مبروك".
أن الحلوى لا يقدم على صنعها إلا من لديه خبرة سابقة بها، أما الطهي العادي فتقريبًا 95 % من الأسرى يتقنون الطهي، ويحدث تنوع أصول الأسرى داخل السجون تنوعًا جميلًا في أصناف الطعام، حيث التسابق لصنع الطعام الأشهر في تلك المدينة أو القرية.