ماسأة حقيقية عاشتها أسرة الطفل يوسف، ضحية رصاصة أكتوبر، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد عجز جسده النحيل عن المقاومة، ليصدم ملايين ممن كانوا يتابعون حالته ويدعون له بالشفاء والانتقام من الفاعل.
طفل في غاية الوسامة، لم يتجاوز الـ14 عامًا، كل من يعرفه يحبه، عذب الكلام، يتمتع بخفة الدم، لا يملك أي شخص ينظر إليه سوى أن يحبه ويحب براءته، لم يتخيل "يوسف" وهو ذاهب لشراء بعض الحلوى أنها المرة الأخيرة التي سيتذوق فيها طعم الحلوى.
◄ اقرأ ايضًا: نجوم الفن ينعوا الطفل يوسف شهيد ميدان الحصري اليوم المشؤوم
خرج يوسف من منزله، التقى بمجموعة من أصدقائه للتنزه، وعندما
انتصف النهار تأهب الطفل للعودة إلى شقته، وفى أثناء العودة اتفقوا جميعًا على
شراء بعض المأكولات وهو لا يعلم ماذا تخبئ له اللحظات القادمة، لم يتخيل أنها
المرة الأخيرة التي سيتناول فيها الطعام، المرة الأخيرة التي سيرى فيها أصدقاءه،
المرة الأخيرة التي سيري فيها نور الحياة، دقائق قليلة جدًا بعدها سقط يوسف غارقًا
في دمائه بشكل مفاجئ ولا أحد يعلم ماذا حدث.
◄ اقرأ ايضًا: سر ارتداء نيللي كريم لتلك الفساتين الحلقة الاولي
لغز إصابة يوسف
على الجانب الآخر تلقت أسرة يوسف الخبر بشىء من التعجب
والحسرة.. المشهد كان مؤلمًا وقاسيًا، كان الشغل الشاغل للأسرة هو إنقاذ الطفل،
بعدها يأتي البحث عن الفاعل والقاتل المجهول، وبدأت الاستغاثات على مواقع التواصل
الاجتماعي «فيس بوك»، عبر استغاثة أطلقها رواد استغاثات متتالية، تطالب بإنقاذ
الطفل يوسف، بعدما أصابته رصاصة طائشة في الرأس، خلال وجوده بميدان الحصري،
مناشدين أطباء جراحة المخ والأعصاب سرعة المساعدة، والتواصل مع مستشفى 6 أكتوبر
الجامعي، وشاركت والدة الطفل المصاب رواد "فيس بوك"، بمنشور تروي فيه
القصة كاملة.
◄ اقرأ ايضًا: نصيحة ايتن عامر لجمهورها
عشرة أيام كاملة والطفل يرقد داخل مستشفى 6 أكتوبر التعليمي،
بين الحياة والموت، الأطباء أكدوا أن نسبة بقائه على قيد الحياة لا تتجاوز الـ 3%،
مؤكدين أن حالة الطفل صعبة للغاية ولا تسمح بالتدخل الجراحي، الأطباء تحدثوا لأسرة
"يوسف" بصراحة شديدة عندما أكدوا أن الأمل ضئيل جدًا في إنقاذه، مؤكدين
لأسرته الجملة الأصعب على قلب أي أب أو أم: موت نجلكم مسألة وقت، وعليكم إعداد
العدة لذلك.
◄ اقرأ ايضًا: نجوم الفن تتصدرحضور جنازة الطفل يوسف
كان المفتاح الأول لحل لغز القضية هو إثبات المعمل الجنائي أن
الرصاصة أطلقت من مسافة 2 كيلو متر تقريبًا، وأنها سقطت بزاوية رأسية على دماغ
الطفل، وهو ما يؤكد عدم وجود شبهة تعمد، وعلى مدى عدة أيام من التحريات تم التوصل
إلى وجود أحد الأفراح بجوار المكان، وتأكيدات الشهود أن حفل الخطوبة كان به إطلاق
نار ابتهاجًا بالعروسين، ووسط حالة من الشد والجذب والتكهنات، أصدرت وزارة
الداخلية بيانًا رسميًا أوضحت فيه حقيقة وملابسات الحادث، مؤكدة أن التحريات أثبتت
قيام بعض الأشخاص بإطلاق أعيرة نارية في أثناء حفل خطوبة أعلى سطح أحد العقارات
بدائرة القسم، بمنطقة متاخمة لمكان الحادث، خاص بالمدعو "زياد. م"، 22
سنة، طالب بكلية التجارة، مقيم بدائرة مركز طامية، الفيوم، وعقب تقنين الإجراءات
تم ضبط المتهم "زياد"، وبمواجهته بما أسفرت عنه التحريات اعترف بقيامه
وشخصين آخرين بإطلاق الأعيرة النارية من بنادق آلية كانت بحوزتهم في أثناء الحفل.
◄ اقرأ ايضًا: مباحثات جديدة وتورط أشخاص في قضية مقتل الطفل يوسف
وأكدت تحقيقات النيابة أن المتهم الأول اعترف باشتراك كل من
النقيب "طاهر.م"، بإدارة البحث الجنائي بالفيوم، و"خالد.أ"،
طالب بكلية الحقوق، نجل عضو بمجلس النواب عن مركز طامية، بالواقعة.
وأفادت التحقيقات بأن المتهم الأول كان يحتفل بخطوبته، وأطلق هو
والمتهمان الهاربان الأعيرة النارية ابتهاجًا وفرحًا من فيلا كائنة خلف مسجد
الحصري، وعثرت قوات الشرطة على نحو 18 ظرفًا فارغًا لطلقات لبندقية آلية عيار
7.62×39 على سطح الفيلا، إلا أن المتهم الرئيسي " العريس" لا يزال
هاربًا.دموع أمام مشرحة زينهم
أمام مشرحة زينهم مشهد أسرة "يوسف" يدمي القلوب، قبل
أن تدمع العيون على فراق هذه الطفل، وزادت الأحزان بالمنزل الذي لا يفارقه الدعاء،
ودموع الأهل لا تجف، حالة من الهوس انتابت الأم، التي لا تصدق حتى الآن أن نجلها
فارق الحياة، تبحث عنه في كل مكان، تنادي عليه طوال الوقت على أمل أن يكون مختبئًا
هنا أو هناك.. العشرات من أصدقاء "يوسف" وأسرته والمتعاطفين معه كانوا
في تشييع جنازته، لم يتكلموا كثيرًا ولكن دموعهم كانت كافية لتعبر عما يدور في الصدور
◄اقرأ ايضًا: اول تعليق من والدة الطفل يوسف بعد وفاته "يوسف" يتحدث من العالم
الآخر
تخيلنا لو أننا قمنا بإجراء حوار مع الطفل البرىء يوسف ماذا كان
سيقول من العالم الآخر.
"يوسف" تحدث لأول مرة
بالدموع، غابت عنه الابتسامة المعهودة، نبرة صوته كان يملؤها الأسي والحزن، فماذا
قال؟
بدأ "يوسف" الكلام بصوت واهن يملؤه شعور بالأسف وخيبة
الأمل، فرصاصة طائشة حرمته من تحقيق حلم حياته بدخول كلية الهندسة، وأيضًا حزنه
الشديد علي ملامح والدته ووالده الذي كان يعلم أنه كل شىء بالنسبة لهما.
◄ اقرأ ايضًا: رسالة شيماء سيف لبوسي عن دورها في الحساب يجمع
يقول "يوسف": "لم أكن أتصور أن يأتي يوم تنقلب
فيه حياتي كلها رأسًا على عقب، كنت أعيش حياة كلها أمن وسعادة، نشأت في كنف أسرة
ميسورة الحال، لم تقصر أسرتي معي، كنت أحلم بدنيا جديدة عامرة بالحب والسعادة
والانطلاق، وداخل غرفتي كنت أدعو الله أن يكمل حلمي على خير، ووسط هذه الأحلام
الجميلة والأمنيات الوردية خرجت من منزلي لألعب مع أصدقائي".
وأضاف الشهيد الصغير: "يوم الحادث وبعد أن انتهينا من
اللعب شعرت بالجوع الشديد، فهرولت ومعي أصدقائي لشراء الطعام، وفجأة شعرت بصدمة
قوية وارتطام عنيف برأسي، لم أتصور أنني على موعد مع كابوس، بل ليس كابوسًا، وإنما
علي موعد مع الموت المحقق، موقف صعب لا يمكن أن تصفه الكلمات".
◄ اقرأ ايضًا: آخر تطورات أزمة الصراع الناشب بين خالد النبوي ومنة شلبي
ويتابع يوسف: "لم أتمكن من رؤية قاتلي ولم يسعفني الوقت
للصراخ.. الألم كان شديدًا جدًا، وفاق الوصف والحدود، للدرجة التي جعلتني لا أقوى
على طلب المساعدة من أصدقائي، فسقطت على الأرض وأنا لا أقوى على الحركة".
وتابع: "حاولت الاستغاثة بنبرات صوت مكتومة، بكل من حولي لعل
صوتي الضعيف يسمعه أي شخص، ولكن يبدو أن صرخاتي لم تصل لأحد، أدركت وقتها أنني في
طريقي إلى الضياع" .
◄ اقرأ ايضًا: بعد فوز الاهلي بالدوري .. تعرف على قائمة الخارجين من النادي الاهلي
ويستطرد "يوسف" قائلًا: "في المستشفى الدكاترة
كانوا بيستنوا لما ماما تمشي، وأنا بسمعهم بيقولوا إنى هموت، أنا كنت عارف ده
كويس، بس كنت متمسك بالأمل، كنت عاوز أشوف اللي قتلني وأساله أنا عملتلك إيه؟، أنا
عارف إن في ناس كتير زعلانة عشاني، وعارف إن ماما وبابا زعلانين قوي، بس أنا عاوز
أعرف بجد يا ترى مين هيجيب حقي بقي، أنا عازو أشوف القتلة وهما بيموتوا زى ما أنا
مت".
كانت هذه هي رسالة "يوسف" من العالم الآخر، وهو الآن
تحت الثرى ينتظر العدالة السريعة المنصفة، لأن العدالة البطيئة هي موت للطفل
وأسرته مرة أخرى.