قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: إن الإسلام يحذر من أن يكون الهدف من الزواج هو الطمع في مال الزوجة؛ لأن الزواج المبني على شيء كهذا غالبا ما يكون مصيره الفشل، فقد حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- من أن تنكح المرأة لمالها فقط، لأن الزواج سيصبح مشروعا تجاريا، والأسرة ليست كذلك، فالإسلام لا يربط مشروع الزواج بغاية تَلعب به في الهواء، مثل المال، وإنما يربطه برابط يزيده قوة ومتانة، وهو الأخلاق والدِّين، ولذلك فإن وُجد الجمال والثراء والحسب بجانب الدِّين فهذا شيء عظيم، لكن ما نحذر منه أن يكون الدافع لارتباط الشاب بالفتاة أو الرجل بالمرأة هو النظر لمالها، أو جمالها فحسب.
وأضاف في حديثه اليومي الذي يذاع قبل المغرب على الفضائية المصرية طوال شهر رمضان المعظم: أن الله فطر النفوس على أن تستحسن الجمال وأن تستريح إليه وتعيش في ظلاله، سواء جمال البشر أو جمال الطبيعة، لكن مشكلة جمال الزوجة لا يعوض سعادة الأسرة إذا تلاشت من البيت، ومن هنا كان لا بد من الارتباط بالخلق، لأنه الوقود اليومي لبقاء السعادة، فالخلق سلوك وتصرف، ولذلك جاء في الحديث الشريف: " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ"، وهي التي تتودد لزوجها، وفي المقابل يعاملها الزوج بالمعروف، هذا هو الخلق، وهذا هو الضمان للسعادة بعيدا عن الجمال وبعيدا عن المال، ولذلك نجد شخصا متزوجا بإنسانة عادية، لكن بينهما من السعادة ما لا يوجد عُشْره بين زوج أنيق ووسيم وزوجة جميلة، وهذا هو الفرق بين الخلق الذي تستمر به الحياة بين الزوجين وتقوى، وبين الجمال الذي تتأرجح معه الحياة، ولكن لا مانع من اجتماع الجمال مع الخلق، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينه عن الزواج بالجميلة، بل بالعكس، قال: "فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ"، وقال أيضًا: " خَيْرُ النِّسَاءِ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ..."، والإسلام فيه جماليات عديدة، قال تعالى: "وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ"، حتى الجَمَال في الإبل، ولكن لا تقام الأسرة على الجمال وحده، ولا على الثراء وحده، بل لا بد من تحقق الخلق سواء كان طبعا أو تدريبا وتأهيلا، لأنه من الممكن أن تتدرب على الخلق وتكتسبه لكن لا يمكن أن تتدرب على الجمال وتكتسبه، ثم إن الجمال متقلب؛ فالفلاسفة الجمال لا تجدهم يتفقون على أن للجمال معيارًا معينا، فقد يكون هذا الوجه جميلا عند عشرات الناس لكنه عاديٌّ عند الكثيرين، فالمعايير مختلفة، ولذلك يقول الحكماء عن جمال المرأة: "الزوج يسعد به فترة، لكن إذا ما نظر إلى وجه أجمل يبدأ أن يطلب سعادة أخرى".
وتابع الإمام الأكبر قائلًا: "ولذلك المرأة تحتاج دائما إلى جمال معنوي يحرس أن يظل جمالها الحسي جاذبا للزوج، وهو جمال المعاملة وجمال التصرف وجمال السلوك وجمال المعيشة، وهذا الذي يؤكد الإسلام عليه وما لا نمل من تكراره وهو السكن المودة الرحمة، فإذا أرادت المرأة أن تحتفظ بجمالها كقوة جاذبة لزوجها، ليس هناك من ضمان إلا الخلق والدين، وإذا أرادت المرأة الثرية أن تعيش مع زوجها عيشة هنيئة فليس أمامها إلا الدين والأخلاق، لأن الزوج الفقير صاحب الدين والخلق لا يطمع في مال الزوجة، والزوجة الثرية المتدينة لا تنفق ولا تَمُنُّ على زوجها بما تنفقه عليه، فكل المعايير في حاجة إلى ضامن داخلي، هو الدين بمعنى الخلق، وهنا أكرر بأن الدين ليس مسألة شكليات، فتدين بلا خلق هو تدين مغشوش، إذ التدين والخلق وجهان لعملة واحدة، لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر.