انتصارات أكتوبر، تلك الحرب التى تحمل العديد من الأسرار حتى يومنا هذا، فالبرغم من انقضاء 44 سنة على هذا الانتصار إلا أنه ما زالت هناك بعض الأسرار التى لم يتوصل إليها أحد، فهى أكثر من مجرد حرب قامت بها القوات المسلحة لاسترداد الأرض مرة أخرى وطرد العدو، بل هى مدرسة توقف أمامها التاريخ راويًا فصولها.
وفى ظل استقبالنا الذكرى الـ 45 من انتصارات أكتوبر والعاشر من رمضان، يكشف "أهل مصر" عن شخصية الضلع الثانى فى هذا الانتصار فكان لدوره أثر كبير فى محاورة العالم بأسره ونقل رسائل المصريين بل والعرب لقوى التحالف، فحقق "داهية السياسة" انتصارًا ولكن بطريقته الخاصة فالانتصار ليس بالميدان فقط ولكن كانت هناك معارك شهدتها الطاولة السياسية لتحقق مصر الانتصار العسكرى والسياسى سويًا، وفى السطور القادمة نصحبكم للتعرف على شخصية الضلع الثانى بحرب أكتوبر.
الدكتور محمد حسن الزيات أو "داهية السياسة" والذى تمكن من تحقيق الانتصار السياسى لمصر إبان حرب أكتوبر المجيدة، فضلًا عن دوره الخفى فى تضليل الرأى العام الدولي أثناء الإعداد للحرب.
ولد "الزيات" فى الرابع عشر من فبراير عام 1915م، بمدينة دمياط، حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة دمياط الإبتدائية، سافر إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية ثم انتقل إلى مدرسة حلوان الثانوية ومنها إلى القبة والتى حصل منها على شهاده اتمام الثانوية العامة فى عام 1935م، اتجه إلى دراسة الآداب وحصل على الليسانس عام 1939م.
بدأ رحلته العملية بمكتبة جامعة القاهرة، ثم مستشارًا فنيًا للدكتور طه حسين عام 1942م، ومع مطلع الخمسينات انتدب للعمل ملحقًا فنيًا بسفارة مصر لدى الولايات المتحدة. بدأ أولى خطوات رحلته نحو العالم السياسى، عمل بسفارة مصر بإيران عام 1955م، وظل بها حتى مثل مصر وزيرًا مفوضًا وممثلًا لمصر بالمجلس الاستشارى للأمم المتحدة فى الصومال استطاع خلال ثلاث سنوات إعلان استقلال الصومال عام 1960 م، بصقته رئيسًا للمجلس الاستشارى أنذاك. نال ثقة الرئيس جمال عبد الناصر فكان له دورًا هامًا فى الحراك السياسى لمصر فى الساحة الدولية.
قام بعدة زيارات لدول إفريقيا خاصة فى أعقاب هزيمة 67، وتمكن من خلال خبراته أن ينال تأييد تلك الدول، محققًا نجاحًا فى مباحثاته مع دول الجوار تمهيدًا لحرب الاستنزاف.
عين سفيرًا ومندوبًا دائما لمصر لدى الامم المتحده عام وظل بها حتى قام الرئيس السادات باختبار حكومة الإعداد للمعركة مطلع السبعينات، وقع الاختبار على "الزيات" أثناء الإعداد للمعركة ليكون وزيرًا للخارجية ليقوم بالإعداد سياسيًا لاندلاع الحرب، قام ببعض الجولات والزيارات منفذاَ تعليمات القيادة العليا وقتها. وحينما شئل الرئيس "السادات" عن ذلك الاختيار رد قائلًا "نمتلك داهية السياسة" فلما لا نستخدمه، وهو الأجد والأحق. وأمام تلك الثقة قام الضلع الثانى بخلق الظهير السياسى لحرب أكتوبر حتى اندلعت الحرب فكان رئيسًا للوفد للوفد المصرى لدى الجمعية العامة الأمم المتحدة بنيويورك حيث تمكن خلال تلك الزيارات من الدفاع عن حقوق الشعب المصرى فى شن معارك لاسترداد أرضه، بل تمكن من خلال مشاركته مع وزارء الخارجية العرب فى الدفاع عن تحرك مصر والعرب لمحو الاحتلال الإسرائيليى.
العديد من المعارك خاضها "الزيات" محققًا إنتصاراته الخاصة به، فكان له الدور الأبرز طظهير مصر السياسى أثناء الحرب واسترداد الأرض، تمكن من استثمار الحرب لصالح مصر خاصة ودول العرب عامة، فوضع القضية الفلسطينية على طاولة الرأى العام الدولى، مطالبا بحق الشعب الفلسطينى فى تحقيق مصيرة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بعدها عين مستشارًا للرئيس السادات حتى بلغ سن المعاش عام 1975م.
لم يتوقف عن العمل بالوسط السياسى عاد إلى محافظة دمياط أميناُ للحزب الوطنى 1983، وظل بالمحافظة حتى ترشح نائبًا عن الدمايطة فى عام 1984م ليمون رئيسا للجنة الثقافة والإعلام والسياحة داخل البرلمان.
"لسنا أقل من الإسرائليين فهم يقجمون الخدمات الزراعية والصناعية والثقافية والتجارية ثم يجنون الثمار السياسة" كانت تلك هى جملته الشهيرة والتى ظلت داخله منهجًا تمكن بعد تطبيقه من جنى الثماؤ السياسية لمصر ففى إحدى زيارته لدولة قابعة بأدغال إفريقيا قدم لهم نصائح عن طريقة زراعة الأرز ناقلًا لهم الطريقة المصرية ثم بدأ بعدها فى سرد طلباته من دعم لبدء الحرب فما كان أمامهم سوى تنفيذ مطالبه.
حياة حافلة عاشها الدكتور الزيات ظل يعمل بالوسط السياسى سواء وزيرًا للخارجية، أو نائب عن الشعب حتى وافته المنية فى الرابع والعشرين من فبراير عام 1993م.
لم تنته أسرار أكتوبر بعد فمازال هناك أبطالًا وراء الستار كان لهم الفضل فى تحقيق الانتصار، وكان "الضلع الثانى" أو "داهية السياسة" واحدًا من هؤلاء ولكنه ليس آخرهم.