للمرة الأولى ومنذ عقود طويلة تشهد منطقة "الشرق
الأوسط" حالة واضحة من التخبط على ضوء الحقبة الجديدة التي يتزعمها الرئيس
الأميركي دونالد ترامب، الذي شن حربًا على الإرهاب منذ حملته الانتخابية، معتمدًا في
ذلك على دعم الدول العربية كافة، التي بدورها شرعت باتخاذ إجراءات في إطار هذه
الحرب كانت بدايتها قطع العلاقات مع دولة قطر، التي تُتهم بتمويلها للجماعات
الإرهابية، فيما يبدو أن ترامب يمحو سياسة سلفه الديمقراطي باراك أوباما، ليبدأ
عهدًا جديدًا من سياسات الجمهوريين.
أعلنت أربع دول خليجية هي السعودية والبحرين
والإمارات واليمن إضافة إلى مصر وحكومة شرق ليبيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر
بسبب ما سُمي بـ"تدخلها في الشؤون الداخلية ودعم الإرهاب".
"أهل مصر" ترصد خلال هذا التقرير كيفية تغير
السياسة الأميركية إزاء حليفتها القديمة قطر بوصول ترامب إلى سُدة الحكم.
انقلاب ترامب على قطر
بدأت الأزمة بين قطر والدول الخليجية أن تصل إلى ذروتها
في أعقاب التسريبات التي نُشرت لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، التي تحدث فيها عن
علاقة بلاده بإيران وإسرائيل والموقف العدائي الذي تتخذه الدول العربية من دولته.
الدول الخليجية بالإضافة إلى مصر اعتبرت هذه التسريبات
بمثابة "اعتراف" من قِبل أمير قطر بدعمه للإرهاب، لاسيما أن الرئيس
الأميركي اتفق مع حلفائه العرب خلال القمة "الأميركية الإسلامية" التي
عُقدت في الرياض منتصف شهر مايو الماضي، أن إيران هي رأس الحربة في تمويل الإرهاب
في المنطقة، ليكون قراراهم في النهاية متمثلًا في قطع العلاقات مع الدوحة.
كان لاتخاذ قرارًا كهذا أن يكون نابعًا من موافقة
الإدارة الأميركية، إذ إنه ليس من باب المصادفة أن تأتي خطوة قطع بعد
أسابيع قليلة من زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط وبعد خطابه الذي يطالب فيه الدول الإسلامية
بمكافحة الإرهاب العالمي، وذلك بحسب مجلة "فور بس" الأميركية.
على المنوال ذاته، قال الاستخباراتي
الإسرائيلي السابق، إيلي أفيدار، إن الرئيس الأميركي وراء ما أعلنته ست دول عربية عن
مقاطعتها لدولة قطر، وذلك على خلفية توترات سياسية بين حكوماتها والحكومة القطرية.
تغير سياسات أميركا
منذ أن وطئت قدم ترامب البيت الأبيض وهو لم
يتوقف عن عزمه على محو سياسات أوباما التي يعتبرها أضرت كثيرًا بالولايات المتحدة
الأميركية، خاصة فيما يتعلق بعلاقاته مع الدول العربية، والأزمة السورية والجماعات
المسلحة هناك، لتكون بداية التغيير مع الدوحة.
في هذا السياق، أرجع الاستخباراتي
الإسرائيلي السابق، سبب وقوف دونالد ترامب وراء هذه القرارات إلى ما أسماه
التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد الانتخابات
الرئاسية الأخيرة، في إشارة إلى فترة ما بعد تولي ترامب المسؤولية، وذلك في سياق
لقاء أجرته معه إذاعة "ريشت بيت" الإسرائيلية.
فيما ترى الكاتبة الأميركية ألن والد، أن
العلاقات بين الرئيس الأميركي الجديد وأمير قطر ستختلف عن سلفه، مشيرة إلى "أن
الولايات المتحدة نقلت إرهابيين من جوانتانامو إلى قطر على مدى السنوات القليلة
الماضية؛ وتحديداً في عام 2014، حيث أرسلت إدارة أوباما خمسة معتقلين من تنظيم
القاعدة "لتستضيفهم" قطر في مقابل الإفراج عن الجندي الأميركي "السرجنت
بو بيرجدال" الذي كان محتجزًا في أفغانستان.
وفقًا
لـ الكاتبة الأميركية، فإن الحكومة القطرية كُلفت آنذاك، من قِبل أميركا مراقبة
رجال القاعدة الخمسة وضمان عدم عودتهم إلى الإرهاب، ذاك الأمر الذي نظر إليه البعض
بمزيد من الشك والريبة؛ نظرًا لتمويل قطر للإرهاب، ومن المعروف أن القطريين يقدمون
الدعم المالي لمنظمة إرهابية مثل حماس".
خسارة قطر مستبعدة
بحسب "معهد واشنطن للدراسات" فإن
الولايات المتحدة تتخذ مثل هذه الإجراءات للضغط على قطر لإثنائها عن تمويل
الجماعات الإرهابية وحسب دون أن تخسر العلاقات معها بشكل نهائي، لاسيما أنها تدرك أهمية
الدور القطري في المنطقة؛ فهي من خلال علاقتها مع الإسلام السياسي زاد تأثيرها
الإقليمي، عن طريق منحها نفوذًا على جاراتها الأكبر حجمًا، فضلًا عن أنه سُمح لها
أن تلعب دورًا بارزًا في التوسط في النزاعات الدولية مع الجهات الفاعلة من جميع
الفئات.
لكن في الوقت نفسه، أشار المعهد، في تقرير
له، إلى أنه ما يبعث على القلق بشكل خاص في العاصمة الأميركية، هو الدعم السياسي
وغيره من أشكال التأييد لمختلف قطاعات الإسلاميين السياسيين في جميع أنحاء
المنطقة، وهو أمر تشاركه واشنطن مع الرياض وأبو ظبي.
على الصعيد ذاته، استبعد اللواء جمال أبو
ذكري الخبير الأمني بجهاز الأمن القومي، ومساعد وزير الداخلية الأسبق، أن تكون خطوة
اتخاذ واشنطن لإجراءات عملية للتعامل مع السلوك القطري بما في ذلك فرض عقوبات قد
تطيح بسمعة قطر وتبعد الاستثمارات الدولية عنها.
أرجع وزير الداخلية الأسبق،
لـ"أهل"، سبب ذلك إلى أنه لا يمكن أن يتم فرض أي عقوبات على قطر لأنها
تنفذ المخططات التي تضعها أمريكا بتفتيت وحدة الدول العربية.