تصريحات تناوبها كل من تولي منصب محافظ الإسكنددرية علي مدار السنوات الأخيرة، من بينها الجملة الأشهر "سأعمل علي إعادة الإسكندرية إلي سابق عهدها، عروسا للبحر المتوسط"، إلا أنه سرعان ما يغادر المحافظ بعد شهور قليلة فقط من تولي المنصب، نظرا للمشكلات والملفات الشائكة التي تواجه الإسكندرية، والتي فشل المحافظين السابقين في حلها.
تسعة محافظين تعاقبوا علي الإسكندرية منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، أحدثهم الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية الحالي، لتصبح مقولة "الإسكندرية مقبرة المحافظين" هي الشائعة بين أبناء المدينة.
ملفات شائكة ومعقدة ومزمنة تُطرح أمام كل من يتولي منصب المحافظ، وتسببت في الإطاحة بالمحافظين السابقين، ولم توضع حتي الآن حلولا جذرية لتلك الملفات، بل أصبحت تزداد أزمة المدينة الساحلية تفاقما يوما بعد يوم، مما تكاد أن تعصف أيضا بالمحافظ الحالي، خاصة بعد كارثة عقار الأزاريطة المائل الذي أثار الرأي العام المصري.
"أهل مصر" ترصد، في السطور التالية، أهم الملفات المزمنة التي تشهدها محافظة الإسكندرية والتي حولت المدينة من عروس البحر المتوسط إلي مدينة في مرمي الإهمال.
-كارثة المباني المخالفة:
تعتبر ظاهرة البناء المخالف أحد أهم الملفات المزمنة بالإسكندرية، خاصة بعد كارثة عقار الأزاريطة المائل، ذلك المشهد الأسوأ علي الإطلاق خلال تاريخ المدينة، والذي أيقظ المسؤولين وجذب انتباههم للإسراع في وضع حلول جذرية لحل تلك الظاهرة والتي تفاقمت بشكل مخيف وأصبحت تهدد بوقوع مزيد من الكوارث.
وتتسبب تلك الظاهرة فى العديد من الأزمات بالمحافظة، تظهر أعراضها المرضية فى مشاكل الصرف الصحى، وتهالك البنية التحتية والارتفاع الجنونى فى أسعار الوحدات السكنية.
وقال الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية، إن الإسكندرية وفق الإحصائية الأخيرة بها، 17 ألف عقار مخالف، مؤكدًا علي ضرورة وجود تعديلات تشريعية من شأنها أن تمثل رادعًا أمام كل من تسول له نفسه مخالفة القانون.
وأضاف سلطان، في تصريحات صحفية، أن القانون بوضعه الحالى لا يمثل رادعا للمقاولين المخالفين، وتمثل الثغرات القانونية فى القانون الحالى ملاذًا للمقاولين المخالفين، كما أن التحفظ على معدات البناء أيضا لا يمثل رادعا حيث يتم إخلاء سبيلها بعد فترة زمنية وجيزة بحكم القانون أيضًا، مؤكدًا استمرار الحملات اليومية للإزالة التى تقوم بها الأحياء بالتنسيق مع مديرية الأمن برغم أنها لا تمثل رادعًا قويًا.
وطالب سلطان، بضرورة وجود تشريع قانونى من البرلمان يعمل على تغليظ العقوبة، وتشريع قانون يسمح بمصادرة المحافظة للأدوار المخألفة والسليم إنشائيا منها، وطرحها فى مزايدة علنية ووضع قانون يسمح بذلك بما لا يخالف الدستور ويراعى كافة الحقوق للدولة والمواطنين.
وقد فشلت المحافظة فى مواجهة تلك الأزمة المزمنة على مدار السنوات الماضية، ولم يستطع أى من المحافظين المتعاقبين على المنصب مواجهتها أيضا، وذلك لعدة أسباب البعض، منها خاص بإهمال التخطيط الاستراتيجى، والآخر خاص بضعف آليات المواجهة الرادعة للظاهرة.
ووفقا للإحصائيات الأخيرة في عهد المهندس محمد عبد الظاهر، محافظ الإسكندرية الأسبق، تفشت ظاهرة البناء المخالف حتى وصل عددها إلى 60 ألف عقار مخالف، كما شهدت الإسكندرية علي مدار الـ 4 سنوات الأخيرة انهيار العديد من العقارات، بسبب مخالفة اشتراطات البناء والارتفاع بعدد أدوار يفوق الموجود بالترخيص، ولم يحاسب المالك الأصلي للأرض، حتى الكحول يصدر ضده حكم ورقي فقط لا ينفذ لأنه شخصية خفية لا يعلمها أحد وليس لها عنوان حقيقي.
-أزمة "الصرف الصحي":
تعتبر مشكلة الصرف الصحي من أكبر الأزمات والمشكلات التي تواجه المحافظة والتي تفاقمت في الفترة الأخيرة بالتوازي مع الزيادة الضخمة في البناء المخالف، وتعد المناطق العشوائية هي الأكثر تأثرا، والتي تعاني من انتشار مياه المجاري في الطرق والميادين وانسداد الشنايش المصرفة للأمطار بفصل الشتاء والتي هي مصدر تخوف للمحافظين السابقين.
-أزمة القمامة:
أيضا من الملفات المزمنة لمحافظة الإسكندرية، حيث كان الملف مهملا فى عهد المحافظين السابقين للمحافظة مما تسبب فى ضيق المواطنين بكافة المناطق بالرغم من وضعهم للحلول الموقته والتى تأتى بثمارها فى المحافظة، وعجز المحافظة عن وضوع حلول لها للتخلص من النفايات وجمع القمامة، إلا أنه منذ تولي محافظ الإسكندرية الحالي الدكتور محمد سلطان، ومحاولاته حل تلك الأزمة، أصبح هناك تطورا ملحوظا في مشكلة القمامة وأصبحت لا تُري في العديد من الأماكن خاصة الحيوية بالمحافظة، إلا أن الأزمة مازالت مستمرة إذ لم تنتهي بشكل كامل.
-أزمة الباعة الجائلين:
علي الرغم من حملات الإزالة الموسعة للباعة الجائلين التي تشنها المحافظة على مستوى أحياء المحافظة، إلا أنهم سرعان ما يعودون مرة أخرى لاحتلال الشوارع والتسبب فى حالات الاختناق المرورى.
وبالرغم من مساعى المحافظة إلى توفير أماكن بديلة للباعة الجائلين، إلا أن كل تلك المساعى باءت بالفشل وعادت المشكلة للتفاقم مرة أخرى، وضاعت أموال الجمعيات المنفذة لمشروع بناء 6 آلاف باكية موزعة على 6 مناطق مختلفة، وهى منطقة عامود السوارى سباهى بالعوايد، والبطاطين، وسوق الثلاثين، والموقف الجديد، ومول فلورينا بالمنشية، حيث تم تسليم جزء منها بالفعل ولم يتم استكمال باقى الباكيات إلى الآن.
-أزمة المرور:
تعتبر مشكلة التكدس المرورى والطرق أحد أهم المشكلات التي تعاني منها الإسكندرية، والتى تتسبب فى تكرار الحوادث المتكررة فى الطرق، واختناق الحركة المرورية فى كثير من الطرق وتهالكها من خلال تراكم مياه الأمطار وعدم الصيانة المستمرة، وانتشار الهبوط الأرضى بكثافة فى أحياء المحافظة.
-انتشار الفساد:
كشفت أزمة ملف الحديقة الدولية والذي يعد الأخطر علي الإطلاق بالإسكندرية، عن مدي الفساد المتغلغل والمستشري داخل المحافظة.
وكان هذا الملف سببًا في الإطاحة بمحافظ الإسكندرية الأسبق محمد عبد الظاهر، والذي اعترف حينها بأن هناك مشكلات كبيرة تواجه المحافظة بسبب الفساد، قائلا: "أعترف أنني أواجه مشكلات كبيرة كفيلة بعزل حكومة كاملة، وليس محافظًا أو وزيرًا".
كما صرح عبد الظاهر، بأن أراضي محافظة الإسكندرية كلها منهوبة، ولو تم استعادتها لصارت مصر أغنى دولة في العالم، مؤكدًا أن أراضي الدولة المنهوبة تقدر بـ100 مليار جنيه.
وكان الجهاز المركزي للمحاسبات رصد إهدار أكثر من ٣٠ مليار جنيه في عقود انتفاع أرض الحديقة الدولية، وتم إحالتها لنيابة الأموال العامة.
فيما كشف بلاغ من مباحث الأموال العامة بمديرية أمن الإسكندرية للنيابة العامة، النقاب عن تفاصيل قضية استغلال أراضى ملك الدولة لصالح رجال أعمال وقعوا عقد انتفاع مع محافظة الإسكندرية لتطوير وتنمية الحديقة الدولية إلا أنهم أقاموا أكبر مشروع استثمارى معروف بالمحافظة الآن باسم "الداون تاون".
وأكدت مباحث الأموال العامة تواطؤ عدد من مسؤولى المحافظة منذ 2004 وحتى الآن لمساعدة هذه الشركة فى استنزاف موارد الدولة والاستيلاء على أراضيها بما قيمته نحو 300 مليون جنيه.
من ناحيتها، أعلنت محافظة الإسكندرية، أمس الثلاثاء، التوصل لاتفاق مع إحدى الشركات بمنطقة الحديقة الدولية، تحت رعاية مجلس الوزراء، والتي تعد بداية لحل الأزمة مع المستثمرين في تلك المنطقة.
وأكدت المحافظة أن الاتفاق يوفر للدولة أكثر من مليار جنيه مقابل حق انتفاع لمدة ٣٠ عاما وسداد فروق الأسعار منذ عام ٢٠٠٤، وذلك من شركة واحدة من المنتفعين بأرض الحديقة الدولية.
وأوضح محافظ الإسكندرية الدكتور محمد سلطان، أن الاتفاق مع المستثمرين يعد بداية جديدة لحل أزمة الحديقة الدولية، ومع انتهاء حق الانتفاع تسدد الشركة نهاية العام بالأسعار الجديدة التي اقترحتها لجنة التسعير، كما سيتم سداد فروق الأسعار المتنازع عليها.
-مشروعات "حبر علي ورق":
وشهدت محافظة الإسكندرية خلال السنوات الأخيرة الإعلان عن العديد من الاستثمارات والمشاريع العملاقة بالمحافظة من خلال تصريحات المسؤولين، وقد انتظرها السكندريون بفارغ الصبر، إلا أنها تحولت إلي مجرد "حبر علي ورق"، ولم ينفذ منها شئ، ومنها مشروع كازينو "السرايا استانلى" والذي تحول بعد أن تم تطوير واجهته مؤخرا نظرا لوضعه السئ الذي كان عليه والذي كان يشوه المنظر العام لكوبري ستانلي، إلا أن ما خفي كان أعظم، فهو من الداخل عبارة عن مبني متهدم وغير مجهز.
أيضًا من المشروعات التي لم تنفذ بعد رغم تصريحات المسؤولين المتكررة بشأنها، مشروع كهربة قطار أبو قير، ومشروع إنشاء أول منطقة لوجستية على مساحة 80 فداناً بمنطقة القبارى غرب الإسكندرية، وإقامة مشروع مترو أنفاق من منطقة أبوقير شرقًا حتى الكيلو 21 بالعامرية غربًا مارًا بوسط المدينة بطول إجمالى يصل إلى 43 كيلو مترًا، على أن يعتمد على مسار خط سكة حديد أبوقير الحالى حتى محطة مصر، وغيره من المشروعات التي تحولت إلي وهمية تبخرت وتطايرت مع نسمات وأمواج البحر بالمدينة.
-أزمة المصانع المغلقة:
تعد الإسكندرية مركزاً رئيسيًا للنشاط الصناعى بجمهورية مصر العربية ويمثل الإنتاج الصناعى فيها 30% من جملة الإنتاج الصناعى فى جمهورية مصر العربية، بالإضافة الى كونها ميناء رئيسى ومركز تجارى هام حيث يمر عبر مينائها حوالى 80% من تجارة مصر الخارجية.
وقد مرت المصانع بالإسكندرية بالعديد من الأزمات خلال الأعوام الماضية تسببت في غلق نحو 170 مصنعًا فى المنطقة الصناعية بمدينة برج العرب، والعديد من الشركات التي تعرضت لأزمات مالية خلال الفترة الأخيرة متأثرة بارتفاع سعر الدولار، وتم إغلاقها وتشريد الأيد العاملة.