منذ قرار 6 دول عربية بينهم مصر، مقاطعة دولة قطر، تعمدت تركيا لعب دورًا من شأنه أن يكون بمثابة "الوسيط المنحاز"؛ للعمل على إنهاء الأزمة، والحيلولة دون أن تُكبد الدوحة "الحليف الجديد" خسائر اقتصادية فادحة جراء حالة الحصار الذي فُرض عليها من قِبل العديد من الدول.
في الوقت نفسه تحاول أنقره اللعب على جميع الأطراف، وذلك عن طريق تكرار مناشدتها للمملكة العربية السعودية للعدول عن موقفها إزاء الدوحة، الأمر الذي يعتبره الخبراء أنه بمثابة "تناقض" واضح في المواقف والسياسات التي لن تزيد الوضع العربي سوى ترديًا.
دور أنقرة خلال هذه الأزمة لم يتوقف عند دور الوسيط المنحاز وحسب، بل امتد إلى موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نشر قوات تركية في قطر بموجب اتفاقية أقرها البرلمان التركي، الأربعاء الماضي، بشأن إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.
"أهل مصر" ترصد خلال هذا التقرير تداعيات تدخل تركيا في الأزمة الراهنة، ومدى تأثير ذلك على مستقبل المنطقة برمتها.
- محاولة لزعامة الشرق الأوسط:
لم تترك تركيا متمثلة في مسئوليها، أيّ فرصة لتعلن عن تمسكها بعلاقاتها التي وصفتها بـ"الوثيقة" مع السعودية، وذلك بالتزامن مع موقفها الداعم لقطر، آخرها تصريحات رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، الذي قال إن تركيا ليست مجبورة على الاختيار بين قطر والمملكة العربية السعودية في ظل الأزمة الراهنة، لكن أي شيء يحدث ضد قطر لا يمكنها قبوله إطلاقًا، فيما أقر أن بلاده لديها علاقات وثيقة أيضًا مع الرياض، من النواحي الدينية والاستراتيجية لا يمكن التغافل عنها.
إلاّ الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية، اعتبر إصرار تركيا للسعي في هذه الأزمة الراهنة، بمثابة "محاولة للنجاة" من الغليان المتصاعد داخل بلادها حاليًا، النابع من القمع المفرط ومصادرة الحريات التي ازدادت مؤخرًا، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها أنقرة العام الماضي.
قال اللاوندي، لـ"أهل مصر"، إن موقف تركيا الآن من قطر وإيران ما هو إلا مزيدًا من التناقضات التي دائمًا ما تورط نفسها، متسائلًا:" كيف لتركيا أن تضع يدها في يد إيران التي تدافع عن نظام بشار ومن ثم تضع يدها مرة أخرى مع قطر التي هي ضد نظام بشار من الأساس".
أشار خبير العلاقات الدولية، إلى أن تركيا لازالت "تلعب على الحبلين" وذلك عن طريق تمسكها بعلاقاتها مع الرياض في ظل أزمته مع الدوحة؛ وذلك لأنها لديها رغبة واضحة في إعادة أمجاد عصر المملكة العثمانية من جديد، عن طريق تدخلها في الشئون العربية وخلق دورًا لنفسه في الصراع العربي برمته.
- تركيا تتقرب من إيران من خلال قطر:
لم تكن تركيا الدولة الوحيدة التي أعلنت دعم قطر بقوة، وإنما لحقتها في ذلك دولة إيران _"مركز خلاف" الدول الخليجية مع الدوحة- التي أعلنت إمدادها بكافة السلع الغذائية، وذلك في أعقاب العزلة التي فرضتها عليها الدول العربية.
هو ما اعتبرته الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية، بمثابة "تقارب" بين تركيا وإيران أيضًا، فيما يبدو أن ثمة تغييرات كبيرة في سياسات الشرق الأوسط ستحدُث قريبًا.
قالت بكر، لـ"أهل مصر"، إن قطر ستضطر تنضم لكلتا الدولتين "إيران وتركيا" خلال حربهما في سوريا، حيث ستتوقف عن دعم الجماعات المسلحة التي تحارب ضد بشار، لتحارب بجانب "حزب الله" الذي يدافع عن نطام الأسد، وهو ما يغير ملامح الشرق الأوسط برمته.
أشارت أستاذ العلوم السياسية، إلى أن القاعدة العسكرية التي بصدد إرسالها إلى الدوحة ستكون نقطة فارقة في العلاقات الدولية أيضًا؛ إذ إنها ستمنع أي من الدول العربية من الاعتداء على قطر؛ نظرًا لأن تركيا ضمن دول "حلف شمال الأطلسي"، الأمر الذي يجعل أي اعتداء عليها بمثابة اعتداء على هذه الدول.
- أردوغان على مشارف تحقيق غايته:
عقب تصريحات من قِبل أردوغان متعلقة بمطالبته للدول الخليجية بإنهاء الأزمة الحالية التي "لن يستفيد منها الأشقاء"، وتلميحه بأنه "يعلم الدول التي كانت شديدة الفرح بمحاولة الانقلاب الفاشلة" التي وقعت في بلاده العام الماضي، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، سيقوم بزيارة رسمية إلى العاصمة أنقرة، اليوم السبت.
بحسب متابعين للشأن العربي، فإن هذه الزيارة تقود إلى وجود تهدئة تلوح في الأفق، ومحاولة كسب ود أردوغان، بعدما تبين أنه سيدخل بكل قوته كطرف لا يمكن الاستهانة به في المعادلة.
الدول الأربع، بحسب هذا السيناريو، قد لا ترغب في مواجهة عسكرية؛ إما لخشية المواجهة منفردة دون دعم أمريكي مؤكد، أو تحسبًا لانفلات الأوضاع في الخليج برمته.