قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: إن شرائع الإسلام كلَّها مؤسَّسَةٌ على اليسر ورفع الحرج، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ) وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ )، ومن أجل ذلك حرص الإسلام علي تيسير الزواج، وأول مظاهر اليسر في الزواج يسر تكاليفه؛ وهي المهر الذي يُدفع صداقًا للمرأة، والمهر في حقيقته رمز للرغبة والمودة والمحبة التي يريد الزوج أن يعبّر عنها لزوجته، وهنا يجب أن ندرك أن فلسفة الإسلام في المهر أنه رمز، وليس ثمنًا ولا مقابلًا ماديًّا لأي معنى من معاني مشروع الزواج الذي عبر عنه القرآن بأنه ميثاق غليظ، وإنما هو مشروع إنساني يقوم على معانٍ وأحاسيسس ومشاعر لا يمكن أن تُقدَّر بثمن أو بمقابل مادي، والتعبير عن هذه الأحاسيس والمشاعر يختلف من زمان إلى زمان ومن بيئة الى بيئة ومن شخص إلى شخص فقد يعبر شخص عن رغبته في هذه الفتاة بأن يهديها قصرا مثلًا، وقد يعبر آخر عن هذه الرغبة بوردة، وهذه الوردة وإن كانت لا تساوي شيئا يذكر في عالم القيم المادية ولكنها تعني الكثير جدا حين تكون لغة بين القلوب والأرواح، وبالتالي فإن فلسفة الإسلام في المهر أنه تعبير أو رمز وليس أجرة لأي شيء.
وأوضح الإمام الأكبر في حديثه اليومي الذي يذاع قبل المغرب على الفضائية المصرية طوال شهر رمضان المعظم، أن الإسلام لم يضع للمهر مقدارًا محددًا، وإن كان بعض الأئمة يختلفون في أقل الصداق هل هو دينار من ذهب أو ربع دينار، لكن الصحيح في هذا الأمر هو أنه لا حدَّ لأقله؛ نظرًا لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- زوج على خاتم من حديد أو كف من طعام، وكذلك لا حد لأكثره؛ لقوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا)، غير أن روح الشريعة يُفهم منها ضرورة الاقتصاد الشديد وعدم المغالاة في المهور للنهي الصريح عن التبذير والإسراف قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) حتى إن الشريعة أوجبت الحجر على السفيه الذي لا يقدر قيمة المال.
وأشار الإمام الأكبر إلى أن الأحاديث النبوية الواردة في تيسير المهور كثيرة، منها: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ –الزواج- بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً" يعني أقله تكلفة، فالزواج المبارك هو ما تكون تكاليفه أقل، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ"، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا "، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَو أنَّ رجلًا أَعطَى امرأةً صَدَاقًا مِلءَ يَدَيْهِ طَعَامًا، كانت له حَلالًا"، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِن الْقُرْآنِ"، وحينما جاء شاب فقير إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول له: تزوجت على مائة وستين درهما، استكثرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له: كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عَنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ "فهذه الأحاديث يتبين منها كراهة المغالاة في المهور.