يبدو تراجع أسعار النفط على مدى العام ونصف العام الماضي، مثل ماء متدفق من منحدرٍ مرتفعٍ إلى حوضٍ منخفضٍ، وفى ظل هذه الأجواء غير المسبوقة، سيهنأ الرابحون، ويلعق الخاسرون جراحهم لبعض الوقت.
وتراجع سعر برميل النفط إلى أقل من 40 دولاراً في ديسمبر2015، مقابل أكثر من 100 دولار في يونيو2014.
لكن من هم الرابحون والخاسرون، من ركود سوق النفط؟
رابحون
أصبح المستهلكون أكثر قدرة على الحصول على حاجاتهم من الوقود بأسعار رخيصة، وفي ألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر، تراجع سعر لتر الديزل إلى أقل من يورو واحد، في نهاية 2015، وسجل وقود التدفئة أدنى سعر له في ست سنوات.
ويقول، كبير المحللين فى بنك رايفايسن فى النمسا، بيتر برزينستشيك "إن تراجع أسعار النفط يُشبه خفضاً ضريبياً كبيراً"، مشيراً إلى أن تراجع أسعار النفط، يُحافظ على كبح معدلات التضخم.
ويقول المحللون إن أصحاب المصانع التي تستخدم كميات كبيرة من الطاقة، أو النفط، سيستفيدون أيضاً من انهيار الأسعار، ويشمل ذلك مصانع الصلب، والآلات، والمعدات، والمستحضرات الطبية، ومنتجى المواد الكيميائية.
وفي الوقت نفسه،سيُقبل المستهلكون على إنفاق المزيد على شراء السلع المنزلية المعمرة، بحسب برزينستشيك.
وساعد انهيار أسعار النفط كذلك على خفض تكاليف قطاعي النقل، والطيران.
اقتصادات كبرى
وبشكل عام، حقق الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وغيرهما من الاقتصادات القائمة على التصنيع، منافعَ كثيرةٍ من وراء استيراد النفط بأسعار رخيصة، وأيضاً من قوة طلب المستهلكين على الشراء.
وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغى في ديسمبر الماضي "إن دائرة الانتعاش أصبحت أكثر اتساعاً، واكتسبت زخماً من قدرة المستهلكين أكثر مما حققته من الصادرات" في إشارة إلى انخفاض أسعار النفط.
وتقول كبيرة خبراء الطاقة فى المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية فى برلين، كلاوديا كيمفيرت، إن الاقتصاد الألماني على سبيل المثال، يُمكنه توفير ما يصل إلى 20 مليار يورو(21.9 مليار دولار) من تكاليف الطاقة سنوياً.
إلى ذلك ستستفيد الاقتصادات الناشئة، التي تعتمد بصورة كاملة على وارداتها من النفط، بعد انهيار الأسعار، وتشمل القائمة دولاً مثل الصين والهند وتركيا.
ومع ذلك، تتحمل هذه الدول نصيبها من الخسائر، وتقول كيمفيرت "إن انخفاض أسعار النفط يُساعد على التنمية الاقتصادية، ولكنه يُعرقل أيضاً التحول باتجاه الوقود البديل، أو نحو أساليب تحقيق كفاءة أفضل للطاقة".
خاسرون
وتجمع قائمة الخاسرين مجموعة من الأطراف، أبرزها مصدرو النفط، إذ يتسبب تراجع أسعار النفط في الإضرار بالمنتجين الأغنياء والفقراء على السواء.
وأصبح ضخّ النفط أقل فائدة بكثير مع انخفاض أسعاره إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل، وتُعاني دول تعتمد بصورة خاصة على النفط، مثل فنزويلا أو روسيا الكثير، من آثار هذا التراجع.
وإلى جانب هذه الدول، فإن الدول النفطية الغنية، مثل السعودية تتعرض هي الأخرى، إلى الضغوط بسبب هذا الوضع، وحذر صندوق النقد الدولي من تراجع احتياطي السعودية من النفط البالغ حجمها 660 مليار برميل خلال خمس سنوات.
خروج النفط الصخري
وتضرّر من هذا التراجع أيضاً منتجو النفط الصخري الأمريكي، ففى الوقت الذي تستمر فيه الإمدادات النفطية التقليدية، فإن ذلك لا يُساهم فقط في انهيار الاسعار، بل يؤدي استراتيجياً إلى إخراج النفط الصخري من السوق.
أما شركات الطاقة العملاقة فتكبدت هي الأخرى خسائر كبيرة دفعتها إلى تقليص مشاريعها الاستثمارية على نطاق واسع، وإلى النصف أحياناً، واعلنت شركة شل فى سبتمبرمثلاً إيقاف التنقيب عن البترول فى الاسكا، وهو قرار يُكبد الشركة البريطانية الهولندية المشتركة خسائر تصل إلى مليارى دولار.
وتُشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن شركات النفط خفضت إنفاقها على تطوير وتشغيل مواقع الإنتاج في 2016.
مناخ عالمي
ومن المتضررين الآخرين من تراجع الأسعار أيضاً المناخ العالمى نفسه، بعد أن أصدر خُبراء تحذيرات، من إمكانية تسبّب النفط الرخيص فى عرقلة تطوير التكنولوجيات الصديقة للبيئة، خاصةً في قطاعي السيارات والتشييد.
ويُدللون على ذلك مثلاً بارتفاع الطلب على السيارات الرياضية التى تستهلك كميات كبيرة من البنزين، فى دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة.
ولكن كيمفيرت تُشير إلى "أن انخفاض اسعار النفط يُمكن أن يؤدي إلى الاسراف في الاستهلاك، وافتراض خاطئ بأن سعر النفط سيبقى منخفضاً إلى الأبد".