مع فجر كل يوم، تخرج صاحبة العقد الخمسين من منزلها المشيد من الطوب الجيري ذو الجدران المتهالكة، لرعاية أرضها الزراعية المستأجرة منذ أكثر من 50 عامًا، لتوفير مصدر رزق لها ولزوجها المتقاعد ونجليها المرضي.
عدلية محمود عثمان سالم تعيش برفقة أسرتها بإحدى قرى مركز أبو قرقاص بجنوب محافظة المنيا، بعد أن شاء القدر أن تتولى مسئولية رعاية أسرتها كاملة والعمل على توفير مصدر رزق لهم خاصة عقب إصابة زوجها بحادث أثناء فترة خدمته بالجيش.
البداية كانت عقب إصابة الزوج خلال فترة خدمته بالجيش تسبب في بتر ساقه الأيسر مما جعله قعيد حبيس جدران منزله المتهالك في ذلك الوقت كان والده يستأجر بضعة قراريط من إحدى بشوات الأراضي الزراعية، فحاول جاهدا أن يسعي لتوفير مصدر رزق له وزوجته ونجليه الصغيران، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي الأنفس، وباءت محاولاته بالفشل فلم يجد إلا أنه يعتمد على المعاش التي حددته له الدولة بعد إصابته بحادث أثناء خدمته في الجيش.
لم تيأس الزوجة وبدأت في السعي والعمل بمفردها بالأرض الزراعية وعام يلوه آخر وازدادت الهموم هما أكبر وهي اكتشاف إصابة نجليها محمد البالغ من العمر 33 عامًا، وبطة التي تبلغ ممن العمر 30 عامًا، بمرض عقلي تسبب في شلل تام في الحركة للفتاة، فيما أصيب نجلها الأكبر بالتخلف العقلي، ونجحت في أن تحصل على 300 جنيه كإعانة لنجلها.
وتكفلت الأم بتوفير معاش زوجها كقيمة إيجارية للأرض التي يستأجرها والد زوجها قبل وفاته ومن ثم زوجها وبدأت في الذهاب إلى الحقل صباحا ومساءً، ثم تراكمت الديون عليها فبدأت تطرق باب الشئون الاجتماعية لتوفير معاش أو إعانة لنجليها المريضين، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، وازدادت نفقات الحياة عليها، فرغم أن الأرض تدخل لها دخلا يعينها على للحياة والمعيشة، إلا أن جميع ما تنتجه الأرض يكفي بالكاد مصاريف الزوج والأبناء، فالزوج يحتاج إلى مصروفات للعلاج، وكذا نجلها الأكبر محمد، ينفق أكثر من 400 جنيه على العلاج الخاص به وكذا نجلتها، وتخطت ديونها بالعام أضعاف ما تنتجه الأرض الزراعية.
ولم ينتهي الأمر على ذلك، بل بحثت كثيرا عن أن توفر لها الدولة كرسي متحرك لنجلتها بطة، إلا أنها لم تجد من يصغي لها وبات حلمها توفير حياة كريمة لها ولأسرتها، وحاولت كثيرا توفير معاش أو إعانة لنجلتها، إلا أن التضامن الاجتماعي رفض ذلك لوجود أرض زراعية تستأجرها أسرتها، ومضت سنوات وظهر ملاك جدد للأرض الزراعية، وتوقف حلم "عدلية" في توفير مصدر رزق لأسرتها بعد أن رفضتها الدولة.