للمرة الثالثة في تاريخ حياته إمبراطورا، والتي بدأت عام 1989، يخرج إمبراطور اليابان الحالي أكيهيتو عن المألوف في تقاليد الأسرة الإمبراطورية وفي تاريخ اليابان عامة، بعدما خرقها في المرة الأولى بزواجه من فتاة من عامة الشعب، وفي المرة الثانية بتحايله على القوانين بطريقته الخاصة للتعبير عن آرائه رغم حظر القانون الإمبراطوري لإدلائه بآرائه في القضايا العامة.
أما المرة الثالثة - والتي قد تكون الأخيرة- خرق الإمبراطور التقاليد العريقة والصارمة في تولي العرش أو التنازل عنه، حيث أعرب عبر رسالة فيديو نادرة للشعب الياباني، عن قلقه لأن عمره المتقدم قد يمنعه يوما ما من أداء واجباته، ملمحا برغبته في التنازل عن العرش لابنه ولي العهد ناروهيتو (57 عاما) لأسباب صحية، وهو التنازل الأول عن العرش في اليابان منذ 20 عام.
وبناء على ذلك، صدر مؤخرا ولمرة واحدة، قانونا يتيح للإمبراطور اكيهيتو التخلي عن العرش بسبب الأزمة الصحية التي يعاني منها، على أن يتم تحديد موعد التنازل عن العرش خلال 3 سنوات.. لكن التوقعات ترجح أن يتم هذا في شهر ديسمبر من العام المقبل، عندما يكمل الإمبراطور أكيهيتو عامه الـ58.
من جانبه، تعهد ولي العهد - المرشح ليكون إمبراطور اليابان الجديد لكونه الأول في ترتيب الخلفاء- بتكريس نفسه لواجباته كرمز للدولة عندما يتربع على العرش.
وأكيهيتو هو الإمبراطور الخامس والعشرين بعد المائة في الأسرة الإمبراطورية اليابانية، ويحظى بشعبية جارفة، وهو من مواليد عام 1933، ويُعتبر يوم ميلاده (23 ديسيمبر) يوم عطلة وطنية في اليابان، ويُطلق عليه لقب "تينوهيكا" وتعني فخامة الإمبراطور. وعندما تجاوز العقد الأول من العمر كانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت بهزيمة اليابان واستسلامها للحلفاء، ووقتها تخلى والده الإمبراطور هيروهيتو عن صفته الإمبراطورية التي تجعل منه "نصف إله" بشكل مفاجئ، الأمر الذي شجعه أكيهيتو - ولي العهد في ذلك الوقت.
ووصل أكيهيتو إلى العرش في عمر الـ55، بعد وفاة والده الإمبراطور هيروهيتو، وتبنى سياسة تحديث المؤسسة الإمبراطورية، ومكث على عرش اليابان مدة 27 عاما يؤدي فيها مهامه الإمبراطورية دون كلل برفقة زوجته الإمبراطورة ميشيوكو (81 سنة) الثرية التي تزوجها من عامة الشعب.
وبدأت رحلة الإمبراطور أكيهيتو مع المرض قبل 14 عاما، عندما خضع لجراحة استئصال سرطان البروستاتا، وفي عام 2009 أعلنت وكالة القصر الإمبراطوري في اليابان عن إجراءات جديدة تستهدف التخفيف من أعباء ومسئوليات الإمبراطور نظرا لتقدمه في السن، وفي عام 2012 أجرى جراحة أخرى.
وتتبع اليابان نظام حكم ملكي دستوري برلماني، والإمبراطور هو رئيس الدولة وتقتصر سلطته بشكل رئيسي على الشكليات الاحتفالية بالإضافة إلى عدة أعمال مختلفة، يقوم بها بعد استشارة مجلس الوزراء، وتشمل: إصدار التعديلات الدستورية، والقوانين، والمعاهدات، وتعيين رئيس الوزراء، وتعيين رئيس قضاة المحكمة العليا، وتعيين وإقالة الوزراء، وحل مجلس النواب، وإعلان الانتخابات العامة لأعضاء البرلمان، وغيرها من المهام.
ورئيس الوزراء في اليابان هو الرئيس الفعلي للبلاد، حيث تم نقل السلطة من يد الإمبراطور للشعب قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، أي قبل عام (1945)، عندما صادق البرلمان الياباني على الدستور الجديد عند هزيمة اليابان واحتلال الولايات المتحدة لها، وبذلك تحول الإمبراطور من السلطة الحاكمة في البلاد إلى رمز من رموزها بدون أية سلطة.
وتعد الأسرة الإمبراطورية في اليابان أقدم ملكية وراثية مستمرة إلى اليوم في العالم، ويرجع نسبها إلى القرن السادس قبل الميلاد، وتم استخدام لفظ "تيمو" الذي يعني الإمبراطور، أو لفظ "سوميرا ميكوتوا" حرفيا "السيادة السماوية" في القرن السادس الميلادي، وما زال يُستخدم هذا اللفظ حتى الآن، ونظرا لاتباع نظام الحكم الملكي الوراثي في العائلة وتمريره للذكور فقط، أثار بقاء العائلة الحاكمة دون أحفاد ذكور لمدة 41 عاما الكثير من الجدل والمخاوف بشأن مستقبلها ومستقبل وريثها، وفي عام 2006 رُزق الأمير الأصغر فوهيميتو بالأمير هيساهيتو.
وتتخذ العائلة الإمبراطورية اليابانية من الأقحوان رمزا لها، ويسكن أباطرة اليابان في قصر طوكيو الإمبراطوري (أو كوكيو)، وهو مقر قلعة إيدو السابقة التي تم بناؤها في عام 1457 ميلادي، وكان الإمبراطور ميجي أول من سكنها في عام 1869 ميلادي.