لم تصبح قطر الحضن الدافيء للعناصر الهاربة من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بين عشية وضحاها، أو كما يعتقد البعض أن ذلك بدأ بعد 30 يونيو 2013م، وما تلاها من سقوط حكم الإخوان فى 3 يوليو من العام نفسه، وإنما ترجع بداية العلاقة بين إمارة قطر وتنظيم الإخوان المسلمين إلى النصف الثانى من خمسينيات القرن العشرين، برعاية بريطانية.
نبتت البذرة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين فى قطر مع هجرة بعض المدرسين المصريين، بعد حل جماعتهم فى مصر، وصدام الجماعة مع نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954م، حينما تعرض ناصر لمحاولة اغتياله بميدان المنشية بالإسكندرية، على يد أحد عناصر الإخوان ويدعى محمود عبد اللطيف، وكانت قطر فى ذلك الوقت تقع تحت الاحتلال البريطاني، قبل إعلان استقلالها عام 1971م.
ثم ترعرعت هذه البذرة بعد ريها بهجرات أخرى من سوريا عام 1982م، بعد الصدام مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، انتهى بمذبحة حماة الشهيرة، أما ثالث الهجرتت التى أسهمت فى نمو شجرة الإخوان الخبيثة فى قطر، كانت من المملكة العربية السعودية، إثر أحداث 11 سبتمبر 2001م، تلاها هجرة عناصر حماس الموجودة فى الأردن بعد التضييق عليها نهاية التسعينيات.
وكانت آخر الموجات الإخوانية التى تسببت فى قطع علاقات الدول العربية والخليجية بالإمارة القطرية هى هجرة عناصر الإخوان وحلفائهم من مصر، بعد سقوط حكم الجماعة، إثر تظاهرات شعبية فى 30 يونيو، حظيت بمساندة المؤسسة العسكرية، نتج عنها إقصاء الإخوان من المشهد السياسى المصري، والارتماء فى حضن قطر.
وكان للإخوان المصريين دور بارز فى تأسيس الفرع القطرى لتنظيمهم برعاية الاحتلال البريطانى، الذى كان يدعم جماعة الإخوان منذ تأسيسها فى مصر على يد حسن البنا عام 1928م، فأسسوا وزارة التربية والتعليم القطرية، ومعهد الدراسات الدينية، وساهموا فى إصدار مجلة "الأمة القطرية"، وتأثروا جميعًا بكتابات سيد قطب، وفتحى يكن، وغيرهما.
وكان من أبرز الشخصيات الأوائل التى هاجرت لتأسيس الجماعة القطرية، الدكتور يوسف القرضاوي، الذى تولى منصب الإفتاء فى قطر بعد ذلك بشكل غير رسمى، باعتباره رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، وعبد المعز عبد الستار، وأحمد العسّال، وكمال ناجي، وعبد البديع صقر وغيرهم.
وبسبب ثقة حاكم قطر فى ذلك الوقت الشيخ على بن عبد الله آل ثان، تمكنت هذه المجموعة من نشر أفكار الجماعة من خلال إلقاء المحاضرات العامة والدروس فى المساجد، بالإضافة إلى صياغة المناهج التربوية والتعليمية، واختيار أعضاء هيئات التدريس فى كل المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، حيث كانت قطر فى ذلك الوقت حديثة عهد بالتعليم النظامي.
وفرت قطر ملاذًا آمنًا للكثير من المتطرفين الهاربين من بلادهم طوال العقود الستة المنصرمة، ولكن بشكل أوضح ومتزايد فى العقود الثلاثة الأخيرة، حتى أصبحت وطنًا للإرهابيين من جنسيات عدة، من بينها مصر وليبيا وتونس وغيرها، ومنحتهم الجنسية القطرية.
وعلى الرغم من هذا الدعم الكامل لجماعة الإخوان المسلمين وعناصرها، فإن قطر لم تتحمل وجود تنظيم إخوانى بداخلها، خوفًا على مستقبل أسرتها الحاكمة، ما دعاها إلى الاتفاق مع قيادة الجماعة على حل التنظيم القطرى عام 2003م، مقابل دعم التنظيم الدولى فى كل الدول، سيما الدول العربية والخليجية منها، بالإضافة إلى حصول عناصر الجماعة بعد حلها على مناصب قيادية فى الدولة، باعتبارهم مواطنين قطريين.
ولكن لم تعلن قطر عن ذلك بشكل رسمي، وإنما قام به بعض الخريجين الجُدد الذين وفدوا من الخارج عامى 1980م ـ 1981م وانضموا إلى الإخوان فى قطر، فقاموا بدراسة جدوى وجود التنظيم، استغرقت سنوات، مكونة من جزءين –لم تنشر سوى واحد منهما فقط حتى الآن- وانتهت إلى حل التنظيم عام 1999م، والذى أعلن رسميًا عام 2003م لتتحول بعدها إلى تيار فكرى إسلامى عام يخدم القضايا التربوية والفكرية فى عموم المجتمع، واندمج أعضاء الجماعة فى منظمات المجتمع المدنى القائمة، بحجة أن الدولة تقوم بواجباتها الدينية، وليس من أهداف التنظيم فى قطر إسقاط هذه الدولة، فلم تعد هناك حاجة لاستمرار التنظيم.
تجنب الصدام
تجنب إخوان قطر العديد من المشكلات التى واجهها نظراؤهم فى الأقطار الأخرى، بفضل حل التنظيم، بدون الدخول فى صدام مع النظام، أو المرور بأزمة أو انشقاقات داخلية فى التنظيم ذاته، وهو ما دفع السلطات القطرية لدعم الجماعة فى الأقطار المختلفة وفتح المنابر الإعلامية لها، مثل قناة الجزيرة، التى أصبحت أحد أهم الأبواق الإخوانية الشهيرة، وأحد أهم الأسلحة التى يمتلكها النظام القطري، للتدخل فى شئون الدول العربية، بالإضافة إلى الجمعيات الخيرية والدعوية، التى تتستر برداء العمل الخيرى والإنسانى لتمول وتدعم كيانات إرهابية فى دول عديدة، حسبما ورد فى القائمة الإرهابية ضمن البيان المشترك للدول الأربع التى قاطعت قطر، وكأن هذه الدولة لا تريد أن تعيش فى جلباب الإخوان، ولكن تصدره للعالم كله.
وعلى الرغم من حل التنظيم فى قطر فإن أعضاءه انتشروا انتشارًا سرطانيًا فى الإعلام، واخترقوا مفاصل سياسية واقتصادية وأكاديمية، ومؤسسات دينية ودعوية، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني.
واستمر دعم قطر للجماعة الأم فى مصر عقب قيام ثورة 25 يناير 2011م، حيث نظم الإخوان أحتفالية كبيرة فى نادى قطر الرياضي، تضمن عددًا من الفاعليات منها عقد معارض فنية مثل ركن الشهداء؛ ودعموا انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب المنحل الذى سيطرت عليه الأغلبية الإسلامية واعتبروه معبرًا عن إرادة حرة وعن آمال وتطلعات كل المصريين فى الداخل والخارج.
إلى أن جاءت ثورة 30 يونية التى أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، لتسطر صفحة جديدة من تاريخ العلاقة بين التنظيم الإخواني، وقطر، التى احتضنتهم كالعادة، وسمحت للقيادات الإرهابية الهاربة بالوجود على أراضيها، والحديث من خلال منابرها الإعلامية، فى الوقت الذى سارعت فيه دول خليجية أخرى مثل السعودية والإمارات لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، مما أحدث شقا من ناحية قطر فى الجسد الخليجي، لا يقل عن الشق الذى أحدثته فى الجسد العربى كله منذ عقود.