كان أبو بكر الصديق زاهداً في الدنيا لا يحتفل بها ولا يأبه إليها ، فيئست منه وقنطت أن يكون من أهلها، فعن معاوية بن أبي سفيان قال: (إن الدنيا لم ترد أبا بكر ولم يردها، وأرادت عمر بن الخطاب ولم يردها).
وكان أبو بكر الصديق يأخذ نفسه وأهله بشظف العيش وخشونة الحياة، لأنه ينفق من المال العام، مال الدولة، فلا يأخذ منه إلا ما يسد رمقه ورمق من يعول، ولا يتوسع في ذلك بل يشدد على نفسه وعياله ومن ذلك أن إمرأته اشتهت يوماً حلواً وأخبرته بذلك فقال لها: ليس لنا ما نشتري به، فقالت: أنا استفضل من نفقتنا في عدة أيام ما نشتري به. قال: فافعلي، ففعلت ذلك، فاجتمع لها في ايام كثيرة شيء يسير، فلما عرفته ذلك ليشتري به حلواً، أخذه فرده إلى بيت المال، وقال: هذا يفضل عن قوتنا، واسقط من نفقته بمقدار ما نقصت كل يوم ، وغرمه لبيت المال من ملك كان له.
وكان رضي الله عنه يتحرى الحلال في مطعمه وملبسه، فكان إذا اكل شيئاً ونسي أن يسأل عنه ثم يتبين له ان فيه شبهة وضع أصبعه في فمه وتقيأ جميع ما في بطنه، لأنه تعلم أن يطيب مطعمه حتى تجاب دعوته قالت عائشة رضي الله عنها: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه رواه البخاري.
وقال أبو بكر أيضاً لطير رآه: و الله لو وددت أني كنت مثلك تقع على الشجر وتأكل من الثمر ثم تطير وليس عليك حساب ولا عذاب، والله لوددت أني كنت شجرة في جانب الطريق مر علي جمل فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني.