تغيرات كثيرة ومتسارعة، شهدتها السياسة المالية للسعودية منذ إعلان الأمير محمد بن سلمان عن رؤية 2030 وما لحقها من برامج تنفيذية لهذه الرؤية من برنامج التحول الوطني وبرنامج تحقيق التوازن المالي، الذي ترافق بدوره مع إعلان المزيد من الآليات لتحقيق التوازن في الميزانية خلال السنوات المقبلة وحتى عام 2020.
وكانت هذه الخطوة توجه واضح من قبل المملكة لتعزيز الشفافية، إدراكًا منها لأهمية ذلك في تحقيق الأهداف المنشودة من ترشيد الإنفاق وتنويع الاقتصاد.
توجيهات الأمير محمد بن سلمان في إدارة السياسة المالية جاءت بثمار مبكرة، فللمرة الأولى في تاريخها شهدت السعودية إعلان أرقام الميزانية للربع الأول من العام الجاري بعد أن كنا قد اعتدنا في السنوات السابقة انتظار الإعلان عن الميزانيات السنوية الفعلية فقط.
وأيضا، ظهرت خطوات ترشيد الإنفاق وتنويع الإيرادات واضحة في أرقام الربع الأول حيث جاء عجز الميزانية نصف المقدر، أي عند ستة وعشرين مليار ريال وهو ما يشكل تراجعا بواحد وسبعين في المئة مقارنة مع الفصل المماثل من عام 2016.
وقد نص برنامج تحقيق التوازن المالي على رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي لتفادي مشكلة سابقة تتعلق بإنفاق إيرادات النفط المرتفعة على التشغيل، وليس إنفاقا رأسمالياً.
ونجحت المملكة في برهنة ذلك خلال عام واحد من رؤية 2030، حيث بدأ العمل سريعاً على إحداث تغيير عميق في إدارة الإنفاق الحكومي، وكانت العلامة الفارقة تأسيس مكتب الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي، الذي راجع مئات المشاريع الحكومية، ووضع اليد على أوجه الهدر فيها، ليحقق لخزينة الدولة وفراً بثمانين مليار ريال في 2016، وسبعة عشر مليار ريال في الأشهر الأولى من 2107.
وترافق ضبط المصروفات مع دخول أسواق الدين العالمية لتمويل العجز والحد من السحب من الاحتياطيات. حيث كان الأمير محمد بن سلمان واضحا في أهمية الاستفادة من قدرة السعودية على دخول أسواق الدين العالمية، وهو ما أثبتته بالفعل الإصدارات الدولية والمحلية، التي نالت ثناء المؤسسات الدولية.
تمكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من رفع مكانة الاقتصاد السعودي ووضعه على الخارطة العالمية من خلال تنمية الاقتصاد المحلي والاستثمار في شركات ومشاريع عالمية سابقة لعصرها.
وكانت إحدى الزيارات التي قام بها الأمير محمد بن سلمان خلال فصل الصيف الماضي إلى مركز التكنولوجيا العالمي، "سيلسكون فالي" في مدينة سان فرانسسكو الأميركية، التي قابل فيها الرؤساء التنفيذيين لأكبر شركات تكنولوجيا في العالم، من بينهم تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل، مارك زوكيربيج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك وستايا ناتيلا الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت.
ودعا الأمير محمد بن سلمان هذه الشركات التي يصل إجمالي أصولها إلى 580 مليار دولار، إلى الاستثمار في المملكة، وتعميق العلاقات التجارية القائمة، ونقل الخبرات والمهارات إلى المواطنين السعوديين، لاسيما وأن الاقتصاد السعودي مهيأ لاستقبال هذا الكم من الاستثمارات، سواء على صعيد القوى العاملة أو البنى التحتية.
ووقع الأمير محمد بن سلمان مذكرات تفاهم مع مايكروسوفت وسيسكو من أجل تدريب السعوديين ومساعدتهم في توسعة قطاع التكنولوجيا.
ومنذ يونيو الماضي دخل صندوق الاستثمارات العامة في استثمارات مليارية في قطاع التكنولوجيا، أهمها، شراء 5%، من شركة أوبر بقيمة 3.5 مليارات دولار، كما وقع على اتفاقية لتأسيس صندوق "رؤية سوفت بنك" للكنولوجيا, بقيمة مئة مليار دولار.
ومع انطلاق عام جديد، واصل الصندوق توسعاته ليساهم في تأسيس منصة "نون" للتجارة الالكترونية بمليار دولار حصته فيها 50%.
وكانت رؤية السعودية 2030 واضحة بالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة وهي "رفع قيمة أصول الصندوق من ستمئة مليار ريال إلى ما يزيد على سبعة تريليونات ريال لكي يصبح أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم بعد نقل ملكية أرامكو إليه" ومن الواضح أن الصندوق يتجه في هذا الطريق.