شهدت تركيا أكبر عمليات الفساد والرشوة في تاريخها عندما استيقظت على وقع حملة اعتقالات طالت عشرات الأشخاص، من بينهم أبناء بعض الوزراء ورجال أعمال مقربين من حكومة حزب العدالة والتنمية يومي 17 و 25 ديسمبر 2013.
وفي الوقت الذي استمرت فيه حملات الاعتقال، بدأت مواقع شبكة الإنترنت تبثّ تسجيلات صوتية للعديد من المسؤولين رفيعي المستوى، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، ونجله بلال، حول تورطهم في فضيحة الفساد والرشوة، غير أن الحكومة عزلت مسؤولي الشرطة، الذين قادوا حملات الاعتقال هذه بسرعة، كما بدأت عزل القضاة والمدعين العامين الذين أصدروا قرارات ببدء حملات الاعتقال، ونقلهم إلى أماكن أخرى.
أعقب ذلك شروع أردوغان ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها في إطلاق عملية خداع كبيرة، ونشر افتراءات من قبيل أن كل ما حدث هو عبارة عن محاولة انقلاب ضد الحكومة، وأن كيانًا موازيًا تغلغل في مفاصل الدولة بقيادة حركة الخدمة هو الذي بادر إلى تنفيذ هذه المحاولة.
عملية تقدر بـ 100 مليار دولار أمريكي
تعود بدايات التحقيق الذي أداره المدير السابق للشعبة المالية بمديرية أمن إسطنبول يعقوب صايجيلي، الذي اعتقل أول من أمس، والنائب العام معمر آكاش، الذي أعفي من منصبه فيما بعد، إلى عام 2008.
بطل القضية هو رجل الأعمال الإيراني رضا ضراب
أعدت لجنة التحقيق في الجرائم المالية التركية عام 2008 تقريرًا مكوناً من 50 صفحة أفادت فيه بأن رجل الأعمال التركي، من أصل إيراني، رضا ضراب ورجاله يمارسون فعاليات غسيل الأموال، وبعد ذلك عثرت سلطات مطار موسكو يوم 21 ديسمبر 2010 على 14.5 مليون دولار و4 ملايين يورو في حقائب أربعة أشخاص، 3 منهم من أذربيجان والآخر إيراني، كانوا على متن رحلة جوية من إسطنبول إلى روسيا.
لقد حددت الشعبة المالية في إسطنبول علاقة فريق رضا ضراب بملف الفساد في تفاصيل الواقعة. وكانت النيابة العامة في إسطنبول قد بدأت يوم 17 سبتمبر 2012 جهودها في المتابعة الفنية ذات الصلة بادعاءات تشكيل منظمة بهدف ارتكاب الجرائم والتهريب وغسل الأموال والأصول المكتسبة من الجرائم.
أبناء الوزراء يتورطون في فضيحة الرشاوى
كشفت التحقيقات عن أن وزير الداخلية السابق معمر جولار حصل على رشوة من رجل الأعمال رضا ضراب بواسطة نجله باريش جولار بعدما ساعده في الحصول على الجنسية التركية، وأن وزير الاقتصاد السابق ظفر تشاغلايان حصل هو الآخر على رشوة من ضراب بواسطة نجله "كان تشاغلايان" من أجل التستر على مخالفات رجل الأعمال الإيراني في تجارة الذهب، وأن وزير شؤون الاتحاد الأوروبي الأسبق إيجمان باغيش حصل على رشوة من ضراب من أجل تسهيل أعماله، وأن وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق أردوغان بايراقدار ورئيس بلدية فاتح في إسطنبول مصطفى دمير غيّرا مخططات الإعمار بطريقة مخالفة للقانون في مقابل الحصول على رشاوى.
وكانت تفاصيل التحقيقات قد تكشفت أكثر مع العمليات التي بدأت يوم 17 ديسمبر، حيث اعتقل 71 شخصًا في إطار التحقيقات.
العثور على 2.5 مليون دولار في صناديق الأحذية
عثرت فرق الشرطة على مبلغ 4.5 مليون ليرة (2.5 مليون دولار) مخبأة داخل صناديق الأحذية في منزل المدير العام لبنك الشعب التركي "خلق بنك"، الذي اعتقل في إطار التحقيقات، كما عثرت على مبلغ 1.5 مليون ليرة (700 ألف دولار) في 7 خزائن مصنوعة من الفولاذ في منزل باريش جولار نجل وزير الداخلية معمر جولار، فضلًا عن التفاصيل المثيرة والخطيرة التي تضمنتها التسجيلات الصوتية التي انتشرت على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف عقب بدء التحقيقات وإطلاق حملات الاعتقال.
ضراب يهدي وزير الاقتصاد التركي ساعة بقيمة 300 ألف دولار
أظهرت الصور والفواتير أن رجل الأعمال الإيراني رضا ضراب أهدى ساعة بقيمة 700 ألف ليرة (300 ألف دولار) إلى وزير الاقتصاد السابق ظفر تشاغلايان كرشوة. كما انتشر مقطع مصور على الإنترنت يظهر ضراب وهو يقدم الرشوة بنفسه إلى وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق إيجمان باغيش، كما تم إعداد ملفات في البرلمان بشأن الوزراء الأربعة الواردة أسماؤهم في التحقيقات، غير أن الحكومة حالت دون تمرير هذه الملفات إلى البرلمان، وحاولت التستر على الفساد وتغييب الحقائق.
جهاز المخابرات شكا ضراب إلى الحكومة
أظهرت التحقيقات أن جهاز المخابرات الوطني في تركيا كان قد شكا ضراب إلى الحكومة، غير أن الحكومة غضّت طرفها عن هذه الشكوى.
وأشارت التحقيقات إلى أن ضراب وزع رشاوى على موظفي القطاع العام في تركيا بقيمة 139 مليون دولار في سبيل غسيل 87 مليار دولار.
وقف خدمة الشباب والتعليم يلعب الدور الأبرز
أوضحت الإفادات الواردة في تقارير الشرطة أن رجل الأعمال التركي المعروف علي أغا أوغلو منح قطعة أرض مساحتها 20 فدانًا إلى وقف خدمة الشباب والتعليم الذي يرأسه بلال نجل أردوغان، وذلك في مقابل تقديم بلال الدعم لحل المشاكل التي يواجهها مشروع 1453 السكني الفاخر الذي تنفذه شركة أغا أوغلو للمقاولات في إسطنبول.
وأظهرت التحقيقات التي بدأت يوم 25 ديسمبر أن أردوغان جمع 600 مليون دولار من رجال الأعمال من أجل السيطرة على مجموعة توركواز المالكة لصحيفة صباح وقناة ATV التليفزيونية، في مقابل منحهم مناقصات حكومية.
وقدمت شركة رويال بروتوكول تبرعًا بقيمة 99 مليون دولار لوقف خدمة الشباب والتعليم في مقابل تسهيل أعمال ضراب.