في ذكرى ميلاد العقاد.. حكاية "عبقري" وضعه هتلر على قوائم من يستحق العقاب

"القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا".. مقولة سار على نهجها منذ طفولته، هو عبقري وصحفي وكاتب ومناضل، لم يخف يومًا على حياته، بقدر خوفه على وطنه، سجله هتلر في قوائم من يستحق العقاب وتوعد له، لم يحصل إلا على الشهادة الأبتدائية، ولكن حبه للعلم المعرفة، خلق منه محاربًا شرسًا في وجه الجهل، فاختلط بالسياح بحكم نشائه في أسوان، ومنهم تعلم ثقافات ولغات كثيرة، فعمل صحفيًا وكاتبًا، وبالرغم من مرور ثلاثة وخمسين عامًا على وفاته، إلا أن كتاباته لازالت لها علامة مميزة في قلب كل ما لديه شغف بالقراءةالكاتب، إنه الكبير عباس العقاد.

ويوافق اليوم الذكرى الثامنة والعشرين بعد المائة، على ميلاد الكاتب الصحفي عباس محمود العقاد، الذي ولد في أسوان عام 1889، لأسرة فقيرة، ولهذا لم يستطع أن يحصل على شهادات إلا الشهادة الأبتدائية، واعتمد العقاد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم حتى أصبح صاحب ثقافة، حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح المتوافدين على محافظتي الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والإطلاع على الثقافات البعيدة.

بداية مشواره في القاهرة:بعدما جاء إلى القاهرة وعمل بالصحافة وتتلمذ على يد المفكر والشاعر الأستاذ الدكتور محمد حسين محمد، خريج كلية أصول الدين من جامعة القاهرة، أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، والتي اتسمت بإنها من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. وظائفه الحكومية:عمل العقاد بوظائف حكومية كثيرة في المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديد وديوان الأوقاف، لكنه استقال منهم، ولما كتب العقاد مقاله الشهير "الاستخدام رق القرن العشرين" سنة 1907، كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والعمل بالصحافة.

عمله بالصحافة:بعد أن مل العقاد العمل الحكومي، تركه واتجه إلى العمل بالصحافة مستعينًا بثقافته الوسعة، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور.وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه، وتوقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يعيش من خلاله، فاضطر إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه.عمله السياسي:بعد أن عمل بالصحافة، صار من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك مع القصر الملكي، مما أدى إلى ذيع صيته وانتخب عضوًا بمجلس النواب، وسجن بعد ذلك لمدة تسعة أشهر عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية، وحينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه".عداء هتلر له:وقف الأديب الكبير موقفًا معاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى تم وضع اسمه بين المطلوبين للعقاب، وما إن اقترب جنود إرفين روميل من أرض مصر حتى تخوف العقاد من عقاب الزعيم النازي أدولف هتلر، وهرب سريعًا إلى السودان عام 1943 ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.معاركه الأدبية:في حياة العقاد معارك أدبية، منها: معاركه مع الرافعي وموضوعها فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان، ومع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري ورجعته، ومع الشاعر جميل صدقي الزهاوي في قضية الشاعر بين الملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية، ومع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية ومعارك أخرى جمعها عامر العقاد في كتابه: "معارك العقاد الأدبية".

تكريمه:في ابريل من عام 1934 أقيم حفل تكريم للعقاد في مسرح حديقة الأزبكية، حضره العديد من الأدباء ومجموعة من الأعلام والوزراء، وألقى طه حسين في هذا الحفل كلمة مدح فيها شعر العقاد فقال: " تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده، وجوابي يسير جدا، لأنني أجد عند العقاد مالا أجده عند غيره من الشعراء.. لأني حين أسمع شعر العقاد أو حين أخلوا إلى شعر العقاد فإنما أسمع نفسي وأخلو إلى نفسي. وحين اسمع شعر العقاد إنما اسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث".نقد شعره:يقول الدكتور جابر عصفور عن شعر العقاد: " هو لم يكن من شعراء الوجدان الذين يؤمنون بأن الشعر تدفق تلقائي للانفعالات.. بل هو واحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون، وقبل أن يكتبوه، ولذلك كانت كتاباته الأدبية "فيض العقول".. وكانت قصائده عملًا عقلانيًا صارمًا في بنائها الذي يكبح الوجدان.أما عن نجيب محفوظ، فقال إن شعر العقاد هو البصر الموحي إلى البصيرة، والحس المحرك لقوة الخيال، والمحدود الذي ينتهي إلى اللا محدود، هذا هو شعر العقاد وهو الشعر العظيم كائنا من كان كاتبه.. من حيث الشكل، شعر العقاد أقرب شيء إلى فن العمارة والنحت، فالقصيدة الكبري من قصائده أقرب إلى هرم الجيزة أو معبدالكرنك.ترجمة أعماله:ترجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فترجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبو الشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما ترجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية.وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسم العقاد على إحدى قاعات محاضراتها، وسمي باسمه أحد أشهر شوارع القاهرة وهو شارع عباس العقاد الذي يقع في مدينة نصر.كما أنتج مسلسل بعنوان العملاق يحكي قصة حياة العقاد وكان من بطولة محمود مرسي.ومنحه الراحل جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة.بعض مؤلفاته:أصدر أول كتبه عام 1912، وهو خلاصة اليومية والشذور، والإنسان الثاني، ساعات بين الكتب، ديوان وهج الظهيرة، ديوان أشباح الأصيل، الحكم المطلق، هتلر في الميزان، ديوان وحي الأربعين، وعدد أخر من المؤلفات.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً