كوابح وموانع وصول التوتر بين كوريا الشمالية وأمريكا حافة الهاوية

كتب : وكالات

تشهد العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية مرحلة مفصلية من التوتر الشديد الذي يكاد يصل إلى حافة الهاوية، بسبب استمرار بيونج يانج في تطوير أسلحتها النووية والتقليدية والتي لن يكون آخرها إطلاقها صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات، مع تهديدها لواشنطن باستمرار بأنها قادرة على تدميرها وتحويلها إلى رماد، وتهديدها بإغراق حاملة طائرات أمريكية وتدمير قواعد عسكرية أمريكية في اليابان.

ومما زاد من حدة التصعيد والتوتر بين واشنطن وبيونج يانج، المناورات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية "الردع بحزم" بالذخيرة الحية شاركت فيها قاذفات قنابل أمريكية من طراز "بي-1 بي" والتي رأت فيها بيونج يانج "دفع شبه الجزيرة الكورية الى حافة حرب نووية".

في الوقت ذاته، فإن كوريا الشمالية قادرة على صنع صواريخ متوسطة المدى ذات رؤوس نووية، والتي يمكن أن تصل إلى كوريا الجنوبية واليابان اللتين تستضيفان منشآت عسكرية أمريكية، لذلك، نشرت القوات الأمريكية نظام الدفاع الجويّ "ثاد" في كوريا الجنوبية لتأمينها من الصواريخ الباليستية، كما تجري اختبارات لاعتراض الصواريخ في اليابان.

ولعل تحذيرات وزير الدفاع الأمريكي السابق آشتون كارتر بعدم التعامل بـ"استخفاف" مع فكرة القيام بعمليات عسكرية ضد كوريا الشمالية ومع الحرب ذاتها، تحمل دلالات بخطورة الأزمة مع كوريا الشمالية، داعيًا في الوقت ذاته، إلى اتباع ما وصفه بـ "الدبلوماسية القسرية"مع كوريا الشمالية، ومشيرا أيضا إلى ضرورة إشراك الصين في تسوية الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، وهو مبدأ تقاسم الأعباء الذي تنتهجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله للسلطة.

"كوابح الوصول لحافة الهاوية"

رغم التوتر والتصعيد المتبادل في العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، فإن ثمة كوابح وموانع تقف ضد وصول العلاقات بين الجانبين إلى حالة الحرب العسكرية، وذلك بالنظر إلى المصالح الأمريكية في منطقة آسيا والباسفيك، أو المصالح الكورية الشمالية وإدارتها للعلاقات مع مختلف الإدارات الأمريكية.

فبالنسبة للمصالح الأمريكية في منطقة آسيا: يعتبر الاستقرار في منطقة شمال شرق آسيا الباسيفيك من الأمور التي تشغل بال أي إدارة أمريكية، وذلك بسبب تشابك العلاقات والمصالح الأمريكية مع القوي الموجودة في تلك المنطقة، والتي تمثل إحدي بقاع الإرث الثقيل للحرب الباردة.

إذ تتداخل مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في منطقة شمال شرق آسيا إلي حد كبير، في حين تعد هذه المنطقة مسرحا لتنافس القوي الدولية، لذلك كان اهتمام الدول العظمي في النظام الدولي بأمن واستقرار هذه المنطقة، حفاظا علي أمن واستقرار النظام العالمي، وتتمحور المصالح الأمريكية في هذه المنطقة في التالي:

.. المصالح السياسية: إذ تضم المنطقة دولتين حليفتين رئيسيتين للولايات المتحدة، تحدان كوريا الشمالية من الجنوب ومن الشرق، وهما علي التوالي كوريا الجنوبية واليابان، وفي نفس الوقت يحيط بكوريا الشمالية دولتان منافستان للولايات المتحدة، هما الصين من الشمال الغربي، وروسيا الاتحادية في قطاع صغير جدا من الشمال الشرقي.

فكوريا الجنوبية ترتبط بمعاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، وبمقتضي هذه المعاهدة، تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية ضد أي هجوم خارجي، وتحتفظ أمريكا بقوات عسكرية في سول، وفي السياق نفسه، ترتبط اليابان بمعاهدة أمن مع الولايات المتحدة وهي بمثابة تحالف ثنائي. وبمقتضي هذه المعاهدة، تحتفظ الولايات المتحدة بقوات عسكرية لها في اليابان، قوامها خمسون ألف جندي مقابل دفع اليابان عدة مليارات من الدولارات سنويا، هذا فضلا عن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، دون أن تكون لليابان التزامات مماثلة تجاه الولايات المتحدة.

أما بالنسبة للدول المنافسة للولايات المتحدة، فإن المحللين السياسيين ينظرون إلي الصين علي أنها الدولة المرشحة لقيادة النظام الدولي في المدي المتوسط، خاصة بالنظر إلي التقدم الذي أحرزته علي المستوي الاقتصادي. ورغم ذلك، يمكن القول إن العلاقات الأمريكية - الصينية تسير وفق معادلة مركبة مكونة من عناصر متآلفة ومتناقضة يحكمها قانون المنفعة.

في حين تشهد العلاقات الأمريكية الروسية العديد من المناكفات السياسية التي ترتبط بتحقيق المصالح الاستراتيجية الخاصة بكل طرف على حساب الآخر.

.. المصالح الأمنية: تظل منطقة آسيا ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة، خاصة مع الإطار الاستراتيجي الأمريكي لمنطقة آسيا الباسيفيك للقرن الحادي والعشرين، فإن المصالح الأمنية للولايات المتحدة في آسيا من المنظور الأمريكي، تظل تتمثل في: حماية الولايات المتحدة وحلفائها من الهجوم، والإبقاء علي السلام والاستقرار الإقليمي، والحفاظ علي الاستقرار الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، والمساهمة في الردع النووي، وتعزيز نمو الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووقف انتشار الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، ونظم الصواريخ الباليستية، وتأمين حرية الملاحة، والعمل علي الحد من تجارة المخدرات المحظورة.

.. المصالح العسكرية: مع انتهاء الحرب الباردة، انخرطت دول شرق آسيا في سباق تسلح جديد وخطير تزايد معدله يوما بعد آخر، وهو الأمر الذي أصبح له انعكاسات خطيرة علي الأمن الآسيوي والأمن العالمي، ويمثل احتمال سيطرة كل من الصين واليابان علي المنطقة اقتصاديا وعسكريا، أو كليهما معا، علي رأس قائمة مساعي دول المنطقة الرامية إلي تحسين وتطوير القدرات والإمكانيات الذاتية في مجال حيازة وإنتاج الأسلحة المتطورة، والتي تهدد مصالح الولايات المتحدة العسكرية في المنطقة.

أما السياسة الخارجية لكوريا الشمالية في تعاملها مع واشنطن، فتتمحور في أنه مع وصول أي إدارة أمريكية جديدة للسلطة، تحاول كوريا الشمالية خلق أزمة معها بغية ترتيب العلاقة مع هذه الإدارة ودفعها للبحث عن سياسة خارجية مغايرة للإدارات السابقة، وهو ما وضح خلال الشهور القليلة الماضية بعد وصول إدارة الرئيس ترامب لسدة الحكم في واشنطن.

إذ تشير بعض الدراسات الاستراتيجية إلى أن كوريا الشمالية تستطيع إنتاج قنبلة نووية جديدة كل ستة أو سبعة أسابيع، وأن لديها القدرة على قصف كوريا الجنوبية واليابان "حليفتي الولايات المتحدة" بصواريخ ذات رؤوس نووية.

ويعتقد بعض الخبراء أن كوريا الشمالية أمامها خمس سنوات فقط حتى تكون قادرة على قصف الولايات الأمريكية المتجاورة بصاروخ باليستي عابر للقارات، وتعتبر هذه المؤشرات هي سبب زيادة التوتر بين البلدين إلى مستويات مخيفة في الفترة الأخيرة.

ويبقى القول أن خفض حدة التوتر والتصعيد المتبادل بين واشنطن وبيونج يانج، قد يكون من خلال إحياء آلية المحادثات السداسية، وإشراك الدول الإقليمية الرئيسية فيها وهي، كوريا الجنوبية، واليابان، والصين، وروسيا الاتحادية، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، كي يتم الضغط علي كوريا الشمالية لإغلاق منشآتها النووية، والحد من سباق التسلح الصاروخي والباليستي، تجنبًا لمنع نشوب حرب في شبه الجزيرة الكورية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً