تعهدت الحكومة المصرية، برئاسة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، لصندوق النقد الدولي، بخطة عمل زمنية تنتهجها الحكومة، بغرض تحقيق الإصلاح الاقتصادي، الذي يرفع من مكانة مصر، ويصحح مسارها الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي المقابل تحصل البلاد على قرض من الصندوق، مقداره 12 مليار دولار، يساهم بشكل كبير في معالجة مواطن الضعف الاقتصادي وتشجيع النمو الاحتوائي وخلص فرص العمل.
ما اتخذته الحكومة من إجراءات خلال 8 شهور - كانت في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب - أرهقت السواد الأعظم من المواطنين، وهم محدودي الدخل، ولم تترك تبعاتها متوسطي الدخل دون تضرر، "أهل مصر" ترصد ما تم تنفيذه وما هو منتظر خلال الفترة المقبلة:
قال هاني جنينة الخبير الاقتصادي إن ما تم تطبيقه من إجراءات مكن مصر من الحصول على الشريحة الأولى لقرض صندوق النقد الدولي، والبالغ قيمتها 2.75 مليار دولار، رفعت الاحتياطي النقدي الأجنبي لمعدلات كبيرة، مشيرًا إلى أنه من المنتظر خلال الأيام القليلة القادمة، حصول مصر على الشريحة الثانية والبالغ قيمتها 1.25 مليار دولار وإلى تفصيل ما تم تحقيقه على لسان الخبير الاقتصادي:
تحرير سعر الصرف
تحرير سعر الصرف، أو ما اشتهر على اصطلاحه بـ"تعويم الجنيه"، وهي الخطوة الأهم والأبرز في الشروط المفروضة من قبل الصندوق، وكانت تلك الخطوة تهدف بالأساس إلى وصول الدولار الواحد إلى 16 جنيها مصريًا، وقد تم تنفيذ القرار في نوفمبر من العام الماضي 2016، وكان الغرض الأساسي هو إطلاق يد الدولة عن التحكم في سعر صرف الدولار، وتركه لمصيره الذي يلاقيه مع "العرض والطلب"، وهو ما أدى إلى ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية، نظرًا لاعتماد أغلبها على الاستيراد، ولأن العشوائية والفوضوية هي معضلة هذه البلاد، فقد "انفلت عيار العملة الأمريكية" وتخطى حدود الـ 20 جنيها في بعض الأوقات مطلع العام الجاري، لكن البنك المركزي، سعى بكل ما يملك من سلطات نقدية، إلى تغيير الوضع وانخفض الدولار تدرييجيًا حتى وصل نهاية الأسبوع الماضي إلى مستوى ما دون الـ 18 جنيها.
ضريبة القيمة المضافة
فرض قانون القيمة المضافة على السلع، والتي تتطال جميع مراحل الإنتاج، بدلا من قانون ضريبة المبيعات المطبقة في السابق، وتفضّل العديد من الدول ضريبة القيمة المضافة على ضريبة المبيعات وذلك لعدة أسباب أهمها اعتبار ضريبة القيمة المضافة منهجًا أكثر تطورًا لفرض الضرائب حيث تقوم الأعمال بتحصيل الضرائب لصالح الحكومة مما يسهم في الحد من حالتي التصريح الخاطىء والتهرب الضريبي.
إلغاء الدعم
رفع الدعم الحكومي المقدم على الخدمات الاستهلاكية الضرورية، مثل الكهرباء، والمياه، والغاز، والبنزين، والسولار، فضلًا عن إلغاء الدعم المقدم على على السلع التموينية، وكذا الخبز، وهو ما قامت الحكومة مؤخرًا بالإعلان عنه.
فاتورة الأجور في القطاع العام
المنتظر تنفيذه طبقا لتصريحات كريستوفر جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد إلى مصر السيطرة على فاتورة الأجور في القطاع العام، بعد أن ظلت ترتفع بسرعة مفرطة نتيجة لهيكل الأجور بالغ التعقيد.
في هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده، إن هناك مشكلة حقيقية تعاني منها الموازنة العامة للدولة، بسبب أجور عمال وموظفي القطاع العام والبالغ عددهم حوالي 6 ملايين موظف، والذين لا يعطون إنتاجًا يتوافق وحجم ما يتقاضونه من أموال، ولذلك فعلى الدولة، بدلًا من الإقدام على خطوات خطيرة قد تتعرض لتقليص أعدادهم، أن تقوم بتدريبهم وتأهيلهم بشكل يتواكب ومطلبات سوق العمل.
تقليص الحكومة لتعيين موظفين جدد، وتهيئة المناخ لاعتماد المواطنين على التوظيف في القطاع الخاص، ويعلق رشاد عبده على تلك النقطة قائلًا: إن الدولة بدأت تطبيق هذا البند قبل ثلاث سنوات فعليًا، وتركت ملايين الخريجين لخوض التجربة في مواجهة القطاع الخاص، والذي يضع بدوره شروطًا لا تهاون فيها أمام الراغبين في التوظيف، وبذلك يضمن سوق العمل تنشئة جيل جديد قادر على الإنتاج دون الاعتماد على وظيفة مضمونة تمكنه من التراخي في أداء عمله.
إغلاق الشركات والمصانع المتعثرة ماديًا، لما تلقيه من عبء على كاهل الموازنة العامة للدولة، ويحذر رشاد عبده من تلك الخطوة واصفًا إياها بشديدة الخطورة، نظرًا لما تعنيه من تخلي الحكومة عن دورها في إعادة هيكلة تلك الهيئات التابعة للدولة لتتحول بالتبعية خسائرها إلى أرباح، وتسهم بتلك الخطوات في خلق فرص عمل جديدة أو على الأقل المحافظة على حجم القوة التشغيلية التي تحتويها.
الخصخصة
خصخصة الأصول المملوكة للدولة، بغرض إقحام القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، وتحويل الخسائر إلى أرباح، ويعد هذا الشرط أساسيًا لصندوق النقد الدولي ولطالما نادى به مبعوثي الصندوق ومستشاريه، لكن الحكومة المصرية حاليًا تعمل على الالتفاف حول هذا البند، بزيادة رأس مال تلك الشركات الخاسرة، تمهيدًا لطرح أسهمها للاكتتاب في القطاع الخاص، وكانت سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، قد أعلنت قبل أيام أنها بالفعل بدأت إجراءاتها في رفع رأس مال 233 شركة لتقليص حجم خسائرها.
إلغاء دعم الوقود
إلغاء معظم الدعم الحالي على الوقود بشكل تدريجي على مدار الـ 5 سنوات القادمة، هذا ما ألمح إليه المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، خلال إعلانه الزيادات الجديدة في أسعار الوقود والغاز، مضيفًا أن مصر تبيع المحروقات بأسعار متدنية للغاية مقارنة بالدول المحيطة، وأن الدعم يكلف الدولة ما يزيد عن 110 مليار جنيه سنويًا، ولذلك وجب تحريكة وتقليص حجم الدعم المقدم له، نظرًا للعبء الملقى على كاهل الموازنة العامة للدولة نتيجة دعمه.
ضرائب أعلى على أصحاب الدخول المرتفعة
تطبيق أسعار ضريبية أعلى على أصحاب الدخول المرتفعة، وضريبة جديدة على الأرباح الرأسمالية، يقول أبو بكر الديب الخبير الاقتصادي، معلقا على تلك النقطة: إنه آن الأوان لتتحمل الطبقة الغنية مسؤولياتها تجاه الدولة، ومساعدتها في تقليص نسبة العجز المتراكم منذ سنوات، قائلًا إن تطبيق مثل هذه الضرائب يوفر ما لا يقل عن 5 مليارات جنيه سنويًا.
قوانين الاستثمار
سن قوانين من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين الراغبين بضخ أموالهم في السوق المصرية، بهدف تحسين مناخ العمل وتيسير الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة، يعلق الديب على تلك النقطة قائلًا: إن الدولة تستعد لطرح قانون الاستثمار الجديد الذي تأخر كثيرًا، مستنكرًا الفترة الطويلة التي خاضتها الحكومة لإعداده، على الرغم من خروج مسودته "المُرضية إلى حد كبير"، قائلًا: على الحكومة إثبات حسن نواياها بخروج ذلك القانون للنور، إن كانت جادة في جذب آلاف المستثمرين الأجانب، الراغبين في ضخ أموالهم بالسوق المصرية، مشيرًا إلى أن العائد الدولاري وحده من تنشيط الحركة الاستثمارية، تدر على الدولة عائدات من العملة الصعبة ترفع الاحتياطي النقدي إلى الضعف، ليصل بعد سنة واحدة إلى ما يجاوز 60 مليار دولار.
اتخاذ إجراءات تحفيزية من قبل مقرري السياسة النقدية في البلاد لزيادة معدل التحويلات الأجنبية الخارجية، يقول الديب: إن البنك المركزي ينسق مع الحكومة حاليًا للخروج بصيغة مشتركة تعزز من سمعة الدولة بشكل إيجابي خارجيًا، مستنديّن في ذلك على خطة الإصلاح الاقتصادي الجارية حاليًا، الأمر الذي ينشط حركات التحويل للعملة الصعبة من الخارج، قائلًا إنه تم تجربة جانب من تلك الخطة خلال الأسبوع الماضي، وهو ما أتى بثماره في 5 أيام فقط، حيث وصلت حصيلة التدفقات النقدية الأجنبية إلى 2 مليار دولار.
تركيز الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبنية التحتية، وهي الإجراءات التي تعمل الحكومة على تنفيذها، وتعد أساسًا في شروط صندوق النقد، وهو ما أعلن عنه شريف اسماعيل قبل سنة، من نية الحكومة خفض عجز الموازنة العامة على مدار البرنامج من حوالي 98% من إجمالي الناتج المحلي في 20152016 إلى نحو 88% من إجمالي الناتج المحلي في 20182019، وتوجيه الفارق المذكور مباشرة إلى دعم قطاعات التعليم والصحة وإجراء ترميم عاجل للبنى التحتية الداخلية، مثل توصيل المرافق وتمهيد الطرق وغيرها.