الباستيل هو سجن أُنشئ في فرنسا بين عامي 1370 و1383 كحصن للدفاع عن باريس ومن ثم كسجن للمعارضين السياسيين والمسجونين الدينيين والمحرضين ضد الدولة.
وأصبح على مدار السنين رمزاً للطغيان والظلم وانطلقت منه الشرارة الأولى للثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789، وما تزال فرنسا حتى اليوم تحتفل بمناسبة اقتحام السجن باعتبارها اليوم الوطني لفرنسا (Fête Nationale) في الرابع عشر من يوليو من كل عام وانتهاء حقبة طويلة من الحكم المطلق.
الاسم الاصلي
كان اسمه الأصلي "الباستيد" La Bastide وليس الباستيل وتعني "الحصن" باللغة الفرنسية، وقد بدأ التفكير جديا في بنائه مكان السور عند باب سانت أنطوان لحماية باريس من الشرق وحماية باب سان دنيس Saint Denis وسان مارتان Saint- Martin بعد هزيمة بواتييه Poitiers وأسر الملك جان الطيب Jean Le Bon عام 1356.
قصة البناء ضد رغبة الملك
وكان الملك بحاجة إلى أموال لبناء هذا الحصن، فاعترض على ذلك نقيب التجار، واسمه اتيان مارسيل Etienne Marcel وكان أغنى رجل في باريس، مما جعل بعض المؤرخين يصفون هذا الرجل بأنه أب من آباء الديمقراطية لوقوفه في وجه الملك، ولكن دوافع الرجل كانت شخصية بحتة، فقد كان يجهز لاستيلاء شارل الثاني ملك نافارا الذي يُسمي شارل السيئ بالفرنسية (Charles Le Mauvais) على العرش وتوطيد نفوذ الإنجليز.
وأغتيل أتيين مارسيل في هذه المحاولة عام 1358 عند باب سانت انطوان، حيث أقيمت قلعة الباستيل بعد ذلك بأمر من ولي العهد الذي أصبح فيما بعد الأمبراطور (شارل الخامس). وقد وضع عمدة باريس حجر الأساس للباستيل عام 1370.
وهكذا بني الباستيل ابتداء من 1378 من ثمانية أبراج بارتفاع 24 مترا وبسمك 3 أمتار عند القاعدة ومتر و80 سم عند القمة، واستغرق البناء 12 سنة، ومات شارل الخامس أو (شارلكان) عام 1380 قبل أن يتم بناء الباستيل في 1390.
فالأصل في الباستيل إذن إنه كان حصنا للدفاع عن باريس من الشرق. وكان له قومندان يدعي "كابتن الباستيل" ومعه أقل من 20 من الحراس المسلحين. وكان مخرزنا للبارود والمدافع والأسلحة البيضاء. وفي جرد 1504 كان في مخازن الباستيل 3600 بلطة صالحة للاستعمال، و1060 بلطة غير صالحة للاستعمال، وعدد كبير من السلاسل لسد شوارع باريس.
ومنذ البداية كان للباستيل باب جانبي يستخدمه الملك للدخول والخروج سراً من باريس، وقد اعترضت بلدية باريس على وجود هذا الباب وحاولت إلغاءه، ولكنها عجزت عن ذلك.
تحالفات الباستيل كمخزن اسلحة
وفي العصور الوسطي كان شيئا مألوفا قبل توحيد فرنسا أن يتحالف بعض أمراء الإقطاع مع بعض الملوك أو الأمراء الأجانب ضد ملوك فرنسا أو أمرائها. ومن أشهر هذه التحالفات تحالف ولاية بورجونيا مع الإنجليز. وقد احتل البرجنديون والإنجليز الباستيل، وكان قومندان الباستيل إنجليزيا لمدة 16 سنة بعد احتلالهم باريس ابتداء من 1418 حتى أجلوا عن الباستيل في 1436.
والبرجنديون كما هو معروف هم الذين سلموا جان دارك بعد ذلك للانجليز فحاكموها وأحرقوها بتهمة إنها ساحرة، ولم يكن الباستيل مخزنا للسلاح والذخيرة فقط، بل كان أيضا من القرن الخامس عشر حتى عهد لويس الرابع عشر مخزنا لجواهر التاج وكنوزه ومقراً لخزانة الدولة. ومما يذكر أن هنري الرابع ملك فرنسا أودع في الباستيل عام 1600 مبلغ 13 مليون جنيه ذهبا استعدادا لحربه مع إسبانيا.
الباستيل قصرا
ولم يعتبر الباستيل قصراً إلا في عهد لويس الرابع عشر حين أصدر هذا الملك في 1667 أمراً ملكياًً لقومندان الباستيل باعتبار الباستيل أحد القصور الملكية وأمره بموجب هذا أن يطلق المدافع ابتهاجا بمولد ابنته.
وفي عهد لويس الخامس عشر كان الباستيل يطلق المدافع تحية للملك عند دخوله وخروجه من باريس. وفي عهد لويس السادس عشر امتدت التحية لموكب الكونت دارتوا، أخى الملك ولفرقته المسرحية وهي الكوميدي فرانسيز.
كيف تحول من قلعة إلى سجن لا يعدم فيه مجرم
منذ تحول الباستيل من قلعة إلى سجن كان سجنا "ملكي" تابعا للملك مباشرة ينفق عليه من أمواله الخاصة، ويجري فيه كل شيء بعيدا عن رقابة القانون العام.
ولم تكن تجري فيه الإعدامات، وإنما كان محطة للتحقيق والمحاكمة السياسية عن طريق برلمان باريس ثم التوزيع إما على السجون الأخرى مثل سجن فانسين وسجن مون سان ميشيل أو أحد سجون فرنسا الأربعمائة، وفي بعض الأحوال النفي أو الاعتقال مدى الحياة في الأديرة أيضا على نفقة الملك، وإما الإعدام فيتم عادة بقطع الرأس ببلطة العشماوي للنبلاء.
وهذا لم يمنع طبعا من احتجاز بعض الشخصيات في الباستيل بأمر الملك مدى الحياة أو لسنوات مديدة. وفي بعض الأحيان كان الإعدام يتم بتفسيخ جسد المحكوم عليه أربعا في ميدان الجريف كما حدث في حالة الراهب جاك كليمان Jacques Clement قاتل الملك هنري الثالث عام 1589، ورافاياك Ravaillac قاتل الملك هنري الرابع في 1610، وداميان Damiens الذي حاول قتل لويس الخامس عشر في 1757.