حاكيات فساتين زفافهن، وداعيات صاحباتهن لتزيينهن، ورحن ينتظرن على أحر من الجمر نزول خطبائهن من جبهات القتال، لإنهاء ما تبقى من ترتيبات العرس، وفي منتصف الفرحة جاءت ضربة القدر مدوية وعميقة ومؤلمة.. سقط العريس في ميادين الشرف، ممسكًا سلاحه دفاعًا عن الوطن، ليعكس الفستان الأبيض لون الدم الذي زين وجه أحبائهن على الرمال.. مأساة إنسانية عاشتها وماتزال خطيبات شهداء الجمعة الماضي في سيناء، بعدما تحولت قاعات الفرح إلى سرادقات لتلقي العزاء في العريس الشهيد.. هؤلاء تحدثن باختصار يحمل حجم الألم.
زينب محمود، 18عامًا، خطيبة الشهيد محمود صبرى محمد، ابن مركز أخميم بمحافظة سوهاج، الذى استشهد وهو يدافع عن وطنه على يد الإرهاب، جلست غير مصدقة ما حدث، فما تزال ضحكته الأخيرة عبر الهاتف ترد في أذنيها، وعندما أخبرته بوجع غريب في قلبها سخر منها مازحًا، لكن صدقها القلب.
تحاملت زينب وقالت في حديثها: "كنت حاسة إن الفرحة مش مكتوبالي أنا ومحمود من أول لقاء جمعنا بعد الخطوبة".
وأضافت خطيبة البطل:" شفت في محمود طيبة وحنان وخوف عليا ماشفتهوش من أبويا وأمي، وكان قلبى مقبوض عليه وهو بيكلمنى فى آخر مكالمة قبل استشهاده بيوم واحد، حسيت إنه بيودعنى لدرجة إنى مكنتش عاوزه أقفل التليفون من الخوف عليه".
وأضافت خطيبة الشهيد: "آخر زيارة كانت جمعتنا في عيد الفطر الماضي، برضه كان فيه وداع بس لكل الناس، مقعدتش معاه كتير فى الأجازة دى علشان كان بيشارك في مناسبات وأفراح فى البلد".
واستطردت زينب: "كان نفسى الكوشة تجمعنا، لكن الإرهابيين منهم لله سرقوا الفرحة مني، وقالى إن الأجازة الجاية هتكون آخر أجازة له، لأنه هينهي خدمته بداية شهر أغسطس اللي جاي، لكن إيد الغدر كانت أقرب ليه، حسبى الله ونعم الوكيل فيهم".
- عروس في الكوشة
"لم أكن أعلم أن القدر سيفرقنا بهذه الطريقة، وقبل أن نجتمع معًا تحت سقف منزل واحد، كان يتمنى أحمد أن نبنيه سويًا".. بهذه الكلمات بدأت أسماء عياد، خطيبة الشهيد الملازم أحمد محمد شاهين، من قوات الكتيبة 103 صاعقة، شهيد الهجوم الإرهابى الأخير على كمين البرث.
وأضافت أن "أحمد" كان شجاعًا، ولم يكن يخاف من الموت، وكان دائمًا ما يطلب الشهادة.
أسماء تابعت حديثها في تماسك تهزمه الدموع: "أحمد تقدم لخطبتي عقب تخرجه في الكلية الحربية سبتمبر 2016، وتم الاتفاق على قراءة الفاتحة وشراء دبل الخطوبة حتى وصول شقيقى من السفر من الخارج"، مضيفة أنه كثيرًا ما كان يتحدث معها عن سيناء وعن زملائه الذين استشهدوا هناك.
وأشارت أسماء إلى أن آخر زيارة لخطيبها كانت في عيد الفطر، حيث ذهب لزيارتها واستمر فى الجلوس معهم فى المنزل حتي وقت متأخر من اليوم، كأنه يودعها في آخر لقاء بينهما.
تسيل الدموع من عين أسماء من جديد قبل أن تضيف": انتهينا من جميع الاستعدادات للاحتفال بالخطوبة يوم الثلاثاء 11 يوليو، ولكنه زُفّ عريسًا للجنة"، لافتة إلى أن آخر مكالمة بينهما كانت قبيل استشهاده بساعات.
- أم العريس
والدة المجند محمد محمود محسن، شهيد الحادث الإرهابى في رفح، وابن مدينة ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية، قالت على هامش حوار الحزن إن ابنها طلب منها البحث له عن فتاة ليخطبها فى أول إجازة له.
وأضافت: "تحدثت معه فى آخر اتصال عن الفتاة، وكنا ننتظرعودته لإعلان الخطوبة بشكل رسمى، وعمل حفل له بين الأقارب وأصدقائه، ولكن الموت منعه من ذلك".
وتابعت: "كان حنين عليّ ويطمئن علىّ كل يوم في التليفون ويقولي ادعيلى يا أمى أنا وزملائى.. مكنش بيقولي على اللى بيشوفه عشان مقلقش عليه، كان دايما يقول أنا كويس متقلقوش عليا".
واختتمت الأم المكلومة: "الإرهاب حرمنى من ابنى، حرمنى من إني أفرح بيه وأضمه، كان بيحضنى آخر مرة وكأنه كان حاسس إنه مش راجع تانى".