كشفت دراسة إسرائيلية إلى أن التوترات المتزايدة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والحرس الثوري الإيراني، والتي تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، ورافقت معركة الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو الماضي، ستوثر على هوية الخليفة المرتقب للمرشد الأعلى الحالي على خامنئي.
وقالت الدراسة التي نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن سببين رئيسيين كانا وراء تصاعد التوترات بين روحاني والحرس الثوري، الأول الهجوم الصاروخي الإيراني على أهداف تابعة لتنظيم داعش في سوريا، فيما يتمثل الثاني في الانتقادات التي وجهها الرئيس الإيراني للحرس الثوري لتزايد تدخله في الشئون الاقتصادية للبلاد.
المعهد الإسرائيلي لفت إلى هذا الخلاف بين روحاني من جهة والحرس الثوري والمؤسسة المحافظة من جهة أخرى ينطوي على أهمية بالغة خاصة فيما يتعلق بالصراع المتوقع خلال السنوات القادمة على خلافة المرشد الأعلى لـ"الثورة الإسلامية".
في 18 يونيو الماضي أطلقت إيران صواريخ أرض- أرض متوسطة المدى على أهداف تابعة لداعش في منطقة دير الزور شرق سوريا. وفور الإطلاق نشر الحرس الثوري بيانا أكد فيه أنه من نفذ الهجوم ردا على العملية الإرهابية المتزامنة التي نفذها التنظيم في 7 يونيو بالعاصمة طهران.
خرج الرئيس روحاني بعدها ووصف الهجوم "بالصحيح والضروري"، لكنه أوضح أن إطلاق الصواريخ لم ينفذ بناء على قرار "شخص واحد أو وحدة عسكرية بعينها"، بل جرى اتخاذه كما جرت العادة في المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي اجتمع فور الهجوم على طهران.
بيد أن تصريحات الرئيس لم تنه حرب الروايات مع الحرس الثوري الذي سارع من جهته لإصدار بيان آخر أشار فيه إلى أن إطلاق الصواريخ جاء وفقا لتوجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي، وأن فيلق القدس التابع للحرس الثوري هو من جمع المعلومات الاستخبارية الخاصة بالعملية. الأمر الذي ناقض تصريحات وزير المخابرات الذي أعلن بعد إطلاق الصواريخ أن رجاله من نقلوا المعلومات المطلوبة للحرس الثوري.
في أعقاب تبادل التصريحات، شنت صحيفة "كيهان" المحافظة هجوما كاسحا على روحاني. وجاء في افتتاحية الصحيفة في 25 يونيو أن عملية "ليلة القدر"- وهو الاسم الذي أطلقته إيران على الهجوم الصاروخي- جرى تنفيذها بأوامر مباشرة من المرشد الأعلى وبفضل المعلومات الاستخبارية التي وفرها الحرس الثوري.
وأضافت الصحيفة أن "من يخيف الإيرانيين من تهديد الحرب هو روحاني، الذي استيقظ على أصوات الصواريخ ولم يصدق على العملية".
استدعى تفاقم الخلاف حول إطلاق الصواريخ تدخل قادة المنظومة الأمنية الإيرانية في محاولة لتهدئة النفوس. وأوضح سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني أن كل قرارات المجلس يتم التصديق عليها من قبل المرشد الأعلى انطلاقا من كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.
بعد مرور بضعة أيام على تلك الواقعة أندلع خلافا جديدا وأكثر حدة بين الرئيس والحرس الثوري، هذه المرة حول تورط الأخير في الاقتصاد الإيراني.
أوضح الرئيس خلال اجتماع مع رجال أعمال في 22 يونيو أن حكومته ملتزمة بخصخصة الاقتصاد، لكنه قال إنه ليس بالإمكان تنفيذ الخصخصة التي أعلن عنها المرشد الأعلى عام 2006، لأن "الاقتصاد بيد دولة العسكر، وإن القطاع الاقتصادي كان بيد دولة غير مسلحة، لكنه سلم إلى دولة العسكر"، في إشارة ضمنية إلى دور الحرس الثوري وهيمنته الواسعة على الحياة الاقتصادية في البلاد، لاسيما من خلال جمعية "خاتم الأنبياء".
يعتبر الرئيس تدخل الحرس الثوري في الحياة الاقتصادية أمرا يعيق نمو الاقتصاد الإيراني، خاصة بعد رفع العقوبات عن إيران في أعقاب الاتفاق النووي، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
أثارت تصريحات الرئيس اعتراضا هو الأعنف، سواء من قبل قائد الحرس الثوري محمد الجعفري الذي أعلن أنه ليس من العدل أن تعود الحكومة التي سلمت إدارة مشروعات البناء والتنمية للحرس الثوري خلال فترة العقوبات بل تفاخرت بذلك، لتهاجم التنظيم بسبب تدخله في الاقتصاد، مؤكدا أن تدخل الحرس الثوري في الحياة الاقتصادية هو جزء من دوره في الدفاع عن الثورة وإنجازاتها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ خرج قائد فيلق القدس قاسم سليماني في خطاب ألقاه بمحافظة كاشان في 4 يوليو مشددا على أن أحدا لا يملك الحق لإضعاف الحرس الثوري والهجوم عليه، معتبرا أنهم يدافعون عن الدولة ومواطنيها وبدونهم لم تكن لتقوم لإيران قائمة.
وشهدت الأيام الماضية انضمام العميد عبدالله عبد اللهى قائد مقر "خاتم الأنبياء" الذى يسيطر على ما نحو نصف الاقتصاد الإيراني للحملة التي يشنها الحرس الثوري على الرئيس روحاني، وأدان انتقاده لتدخلهم في الاقتصاد، معربا عن اعتراضه على توقيع الحكومة اتفاقية استثمارات مع شركة توتال، عملاق الطاقة الفرنسي، والتى بلغت 4.8 مليار دولار فى حقل غاز بارس الجنوبي.
المواجهات المتصاعدة بين الرئيس والحرس الثوري تأتي على خلفية الفوز الساحق لروحاني في الانتخابات الرئاسية والانجازات الكبيرة التي حصل عليها المعسكر الإصلاحي في انتخابات المجالس البلدية.
وبدا أن الرئيس- الذي ردد أيضا خلال حملته الانتخابية انتقادات حادة للحرس الثوري، بالقول إنه كان يسعى لإفشال الاتفاق النووي- يسعى الآن لاستغلال الدعم الجماهيري لتحقيق أهدافه، التي تتضمن تقليص دور الحرس الثوري في السياسة والاقتصاد.
مع ذلك، يبقى نجاح الرئيس في التغلب على معارضة الحرس الثوري الذي يتخوف من الإضرار بمصالحه الاقتصادية وميزانيته التي تقرها الحكومة، يبقى مرهونا بموقف المرشد الأعلى، الذي زاد من انتقاداته للرئيس بعد الانتخابات.
في لقاء جرى بشهر يونيو مع رموز الحكم أهان خامنئي روحاني على رؤوس الأشهاد، عندما سخر منه لأنه لم يفعل ما يكفي لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وحذر روحاني من مغبة تقسيم المجتمع الإيراني على غرار ما فعله أبو الحسن بني الصدر أول رئيس لإيران بعد الثورة الإسلامية، والذي تمت الإطاحة به عام 1981، واضطر لمغادرة إيران بعد خلاف مع المرشد الأعلى وقائد الثورة الخميني.
وانتهت الدراسة الإسرائيلية للقول إن المواجهة السياسية الداخلية في إيران يتوقع أن تتفاقم في ظل التعيينات المرتقبة التي سيقوم بها روحاني في حكومته الجديدة، وإمكانية تعيين وزير دفاع من صفوف الجيش الإيراني النظامي وليس الحرس الثوري.
وختمت بالقول :"ينطوي هذا الصراع بين الرئيس من جهة والحرس الثوري والمؤسسة المحافظة على أهمية بالغة خاصة في ظل الصراع المتوقع، غالبا، في السنوات المقبلة، على خلافة المرشد الأعلى. في هذا الصراع ستسعى بؤر القوة الرئيسية، وبينها الرئيس الحالي والحرس الثوري، للعب دور محوري، للتأثير على هوية القائد القادم".