يناقش العدد 65 من مجلة "أحوال مصرية" قضية الإصلاح الثقافي في مصر، ويتبنى مشروعا نهضويا ثقافيا من خلال تناوله لعدد من المحاور التي من شأنها تشخيص الواقع الراهن للحالة الثقافية المصرية، وسياقات تكوينها وتمكينها، ومعالجة ما بها من اختلالات ومظاهر ضعف.
وأشار الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب، رئيس تحرير المجلة، في افتتاحيتها إلى أن قضية الثقافة تعد مكونا حاكما لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فلا يمكن تحقيق هذه التنمية بدون الارتكاز على الأبعاد الثقافية في معناها الواسع والكلي من قيم ومعارف ومعتقدات وفنون كسبيل لبناء الإنسان وتنمية قدراته.
وأوضحت الدكتورة نادية أبو غازي، أن تحقيق التنمية الثقافية المرجوة يحتاج بالأساس إلى وضوح الرؤية وإلى استراتيجية محددة وخطط وبرامج عملية تستهدف التنمية الثقافية بشكل عام، وفي الريف بشكل خاص.
في حين أكد سعيد عكاشة، على الدور الذي لعبته وسائط المعرفة التقليدية من كتب وصحف وإذاعة وتلفزيون في نشر أفكار النخب المثقفة، كما أشار إلى أن ثورة 25 يناير قد دانت في انطلاقها للوسائط الجديدة من مدونات ومواقع للتواصل الاجتماعي وقنوات فضائية.
وأوضح أن تلك الوسائط الجديدة لم تهييء فقط لجمهور واسع، المشاركة في صنع الثقافة، بل عزلت الأجيال القديمة من النخبة المثقفة عن التأثير في المجال العام، كما كان الحال في مع ثورتي 1919 و1952.
وقدم الدكتور عماد أبو غازي رؤية من أجل إصلاح مؤسسات وزارة الثقافة، تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية، وهي أن تتبنى هذه الرؤية فهما يستند إلى أن الوظيفة الأساسية للدولة في مجال الثقافة في النظم الديمقراطية؛ تتلخص في حماية التراث الثقافي المادي واللامادي، وحماية حقوق الملكية الفكرية للمبدعين، وتوفير الخدمات الثقافية للمواطني، إضافة إلى أن تحكمها الرؤية التي تتصدر محور الثقافة في استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية 2030" وهو بناء منظومة قيم ثقافية إيجابية في المجتمع المصري تحترم التنوع والاختلاف وعدم التمييز، وتمكين الإنسان المصري من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة.
علاوة على أن تلك الرؤية؛ كما يرى أبو غازي؛ تنطلق من إدراك أن هناك مشكلات واضحة في أداء مؤسسات الدولة الثقافية، يجعلها عاجزة عن القيام بالدور المناسب لاحتياجات المجتمع الثقافية، وقاصرة عن مواكبة التطورات المجتمعية والعالمية في مجال الثقافة والفنون والتراث.
ولاحظ نبيل عبد الفتاح أن الثقافة المصرية تعاني من عدة أزمات هيكيلية تاريخية منذ تأسيس الدولة الحديثة، وتبني التحديث السلطوي للقيم ومؤسسات الدولة وأجهزتها، والتي تمثلت في التناقضات بين الثقافة التقليدية المحافظة، وبين الأبنية الثقافية السلطوية الحديثة، وبين الحداثة المبتسرة، ونزوع الاتجاهات الحداثية إلى محاولة التوافق أو بالأحرى التوفيق مع الثقافة الدينية والتقليدية.
وأجاب سمير مرقص عن التساؤل بشأن مستقبل العملية الثقافية في مصر، موضحا أن علينا بداية أن نحرر الثقافة من الهيمنة السلطوية والتكوين النخبوي، وذلك بأن تصبح عملية مفتوحة وحرة ذات طابع نضالي للمثقفين الحقيقيين باختلاف توجهاتهم، يدافعون عنها ليس لصالح سلطة أو طبقة أو فئة بعينها.
وفي ذات السياق، خلص الدكتور سعيد المصري إلى أن خريطة التمييز الثقافي في المجتمع المصري موازية لخريطة التباينات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة ومرتبطة بها أشد الارتباط، وأن المؤسسات الثقافية في مصر تواجه تحديات كبيرة تحول دون قدرتها على تعزيز قيم العدل في المجتمع، كونها تفتقد إلى مقومات العدل وتلبية الحقوق الثقافية.
وأشار الدكتور سامح فوزي إلى أن التغيير الثقافي مهم لإيجاد ثقافة حاضنة للمواطنة، وهو ما يتطلب تغييرا بنائيا على مستوى التأسيس القانوني، وتطبيق النص في الواقع، والممارسة التفاعلية بين المواطنين.
وتطرق الدكتور محمد عبد المنعم شلبي، إلى أنه بالنظر إلى آليات تشكيل النخبة المثقفة الأكاديمية في جامعاتنا ومراكزنا البحثية، نجد أنها لا تفضي في الغالب إلا إلى سبيل واحد هو هيمنة النخبة التقليدية دون غيرها، لتعيد إنتاج المجتمع وفقا لمصالحها المحققة دون غيرها.
ولاحظت الدكتورة هويدا عدلي استمرار قضية التحولات الثقافية أسيرة القضية التنموية العتيدة، وهي قضية المركز والطرف والفجوة بينهما، فلا يمكن حدوث تحول ثقافي حقيقي دون تحول اقتصادي واجتماعي عبر رؤية تنموية عادلة.