أوقاف الأسكندرية: البِنَاءَ الفِكْرِيَّ يُنْتِجُ شَّخْصِيَّةً لاَ تُضِلُّهَا الأَهْوَاءُ

قال الشيخ محمد العجمى وكيل وزارة الأوقاف بالأسكندرية، إن أئمة ودعاة الأوقاف بالمحافظة أكدوا أَنَّ عُنْوانَ تَقَدُّمِ الأُمَمِ وَمبْعَثَ أَمَانِها، وَمصْدَرَ عِزِّهَا وَاستِقرَارِهَا، فِي سَلاَمَةِ عُقُولِ أَفرَادِها، وَنَزَاهَةِ أَفكَارِ أَبنَائِها، وَمَدَى ارتِبَاطِهِمْ بِثَوابِتِ حَضَارَتِهِمْ، وَاعتِزَازِهِمْ بِمَعَالِمِهِمُ الثَّقَافِيَّةِ، وَمِنْ مَحاسِنِ شَرِيعَتِنا الغَرَّاءِ أَنَّها جَاءَتْ بِبِنَاءِ العُقُولِ وَالأَفْكَارِ، وَجَعَلَتْ ذَلِكَ إِحْدَى الضَّرُورَاتِ الخَمْسِ الوَاجِبِ حِفْظُهَا مِنَ الإِضْرارِ، تَحقِيقًا لِمَصَالِحِ العِبَادِ فِي أُمُورِ المَعَاشِ وَالمَعَادِ، فالتَّوجِيهُ السَّـلِيمُ لِفِكْرِ الأَجْـيَالِ وِقَايَةٌ لَهُمْ مِنَ الانْحِرافِ وَالضَّلاَل.

جاء ذلك خلال فاعليات الأمسيات الدينية التى نظمتها مديرية أوقاف الأسكندرية تحت عنوان ( منهج الإسلام فى التقويم الفكرى ) حيث تأتى هذه المشاركة الفعالة من أوقاف الأسكندرية من أجل نشر الفكر الوسطى المستنير بين جموع الشباب كما يؤكد دائما الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف فى كافة المناسبات.

وأكد العجمى على أنه يجب علينا أن نفْخَرُ بِجِيلٍ مُفَكِّرٍ، قائم على مَنْهَجِ الإِسلامِ الذى يبنى بِنَاءً فِكْرِيًّا قَائِمًا عَلَى مَعْرِفَةِ الخَالِقِ وَالغَايَةِ مِنَ الخَلْقِ، وَلا شَكَّ أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ وَرَاءَهُ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَفْهُومِهَا الوَاسِعِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ "، ثُمَّ تَغْذِيَةُ الفِكْرِ بِسَلِيمِ الأَفْكَارِ وَصَحِيحِ المُعتَقَداتِ نَحْوَ اللهِ وَسَائرِالمَوجُودَاتِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا فَقَالَ: ((يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تِجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنْتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ))، إنَّ التَّصَوُّرَ الصَّحِيحَ للحَقَائِقِ يَجْعَلُ المَرْءَ يَتَفَكَّرُ فِيمَا حَولَهُ مِنْ مَظَاهِرِ الحَيَاةِ، ويَتَأَمَّـلُ فِيمَا يَخْدُمُ صَالِحَ الإنْسَانِيَّةِ، وَيَسْـتَمِعُ إِلَى الحَسَنِ مِمّا يَقولُهُ الغَيرُ، فَفِي ذَلِكَ عِبَرةٌ وذِكْرى، ومَنفعةٌ وَهُدًى، لِلرَّاغِبِ فِي بِنَاءِ فِكْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: ” الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ”.

وأوضح العجمى أنَّ البِنَاءَ الفِكْرِيَّ يُنْتِجُ شَّخْصِيَّةً لاَ تُضِلُّهَا الأَهْوَاءُ وَلاَ تَنْحَرِفُ بِهَا المَسَالِكُ وَلاَ تُزَعْزِعُهَا أَعَاصِيْرُ البَاطِلِ وَهَذَا مِنَ المَقَاصِدِ الكُبْرَى لِلدِّيْنِ، لأَنَّ فِيهِ حِفَاظًا عَلَى حَيَاةِ الأُمَّةِ، الَّتِي أَرَادَ اللهُ لَهَا أَنْ تَكُونَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ”، فَعِمَادُ الحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَأَسَاسُ الاسْتِمْسَاكِ بِهَا هُوَ هَذَا الدِّيْنُ الحَقُّ دِيْنُ اللهِ الإِسْلاَمُ، لِذَا استَنْهَضَ الإِسْلامُ العُقُولَ، وَوَجَّهَ الأَفْهَامَ، وَحَرَّرَ الإِنْسَانَ مِنْ أَغْلالِ التَّقْلِيدِ، وَسَيْطَرَةِ التَّبَعِيَّةِ العَمْيَاءِ، وَرَبَّاهُ عَلَى حُرِّيَّةِ الفِكْرِ، وَاستِقْلالِ الإِرَادَةِ، لِيَكْمُلَ بِذَلِكَ عَقْلُهُ، وَيَستَقِيمَ تَفْكِيرُهُ، وَتَكْتَمِلَ لَهُ شَخْصِيَّـتُهُ وَإِنْسَانِيَّـتُهُ، فَكَمَالُ العَقْلِ، وَسَلامَةُ التَّفْكِيرِ، وَاستِقْلالُ الإِرَادَةِ، هِيَ أُسُسُ صِحَّةِ الأَفْكَارِ، وَاستِقَامَةِ السُّلُوكِ، وَرُقِيِّ الأَخْلاقِ، وَمَعْرِفَةِ الحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ، وَمَعْرِفَةِ البَاطِلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُجتَنَبَ.

ووجه العجمى حديثه للشباب بقوله:- إِنَّ الوَاجِبَ التَّنَبُّهُ لِلأَفْكَارِ المُنْحَرِفَةِ، وَعَدَمُ التَّفْرِيطِ في مُقَوِّمَاتِنَا الرّاسِخَةِ، وَهُوِيَّـتِنا الوَاضِحَةِ، هُوِيَّةٍ لاَ تَنْسَى المَاضِيَ العَرِيقَ، وَلاَ تُهْمِلُ الحَاضِرَ المُشْرِقَ، بَلْ تَستَشْرِفُ آفَاقَ المُستَقْبَلِ فاتقوا الله فى بلدكم وأقيموا فِكْرَكُمْ عَلَى سَلِيمِ الأَفْكَارِ وَنَبِيلِ القِيَمِ، وَتَعَاوَنُوا مِنْ أَجلِ مُجتَمَعٍ تَسُودُهُ استِقْلالِيَّةُ الفِكْرِ، وَيَنْأَى أَبنَاؤُهُ عَنِ التَّقْلِيدِ الأَعْمَى.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
أمين القوى اللبنانية: نصرنا الله كأهل بدر مع رسول الله بالعدة والعتاد القليل