نشأ يتيمًا وطلب العلم منذ الصغر، فتجول في أرجاء العالم الإسلامي، في رحلة طويلة للقاء العلماء، واستطاع أن يطلب الحديث وسمع من ما يزيد عن ألف شيخ، وجمع عدد كبير من الأحاديث، وصل عددها ستمائة ألف حديث، واستغرق أكثر من ستة عشر عامًا إلى أن انتهي من كتابة كتاب الجامع الصحيح، المشهور باسم "صحيح البخاري"، أنه محمد بن إسماعيل البخاري.
ويصادف اليوم الخميس، الذكري المائتان بعد الألف، لميلاد البخاري، الذي كان من كبار الحفاظ والفقهاء، ويعتبر من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل، عند أهل السنة والجماعة.
ترصد "أهل مصر" في التقرير التالي ملامح من حياة أهم علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة، محمد البخاري..
- نشأته:
ولد الإمام البخاري في بخارى يوم الجمعة الموافق الثالث عشر من شوال سنة 194هـ، وتربى في بيت علم، وذلك لأن والده كان من العلماء المحدثين، ولكن نشأ يتيمًا، فكانت أمه هي وسيلة الحنان والعطاء له.
وروى المؤرخون أن بصره أصيب في صغره، ورأت أمه "إبراهيم" عليه السلام في المنام، وقال لها: "يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ولكثرة دعائك"، وفي الصبح فؤجئت به قد رد بصره.
دخل البخاري الكتاب، منذ صغره، فبدأ في حفظ القرآن الكريم، وأمهات الكتب المعروفة في زمانه، حتى إذا بلغ العاشرة من عمره، بدأ في حفظ الحديث، واهتم بحضور حلقات الدروس، وبالإضافة إلى حفظ الحديث، فقد كان حريصًا على تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة.
- رحلاته العلمية:
لم يقف البخاري عند الدراسة في الكتاب، فكان لديه رغبه وتصميم على اكتساب العلم، فرحل للأخذ عن الشيوخ، والرواية عن المحدثين، وزار أكثر البلدان والأمصار الاسلامية في ذلك الزمان للسماع من علماءها، وبدأ رحلة طلب العلم، في بلده "بخارى"، بعد أن انتهي من مرحلة الدراسة في الكتاب، فسمع من شيوخ بلده، ثم توسع ورحل إلى الأقاليم المجاورة ليسمع من شيوخها، فرحل إلى بلخ، ومرو، والري وهراة ونيسابور، ومن ثم انتقل إلى الحجاز، ودخل مكة ثم رحل إلى المدينة النبوية، واستقر بها مدة، ثم انطلق إلى العراق فدخل بغداد وواسط والكوفة والبصرة وبالشام، زار "دمشق، حمص، قيسارية، عسقلان" من ثم فضل القدوم إلى مصر لتكملة رحلة البحث عن العلم.
قال الخطيب البغدادي المؤرخ العربي، في رحلات البخاري عن العلم: "رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز والشام ومصر".
- شيوخه وتلاميذه:
كانت لرحلات البخاري بحثًا عن العلم، فضل كبير في مقابلة عدد من الشيوخ والعلماء، وبلغ عددهم أكثر من ألف عالم وشيخ، وقال البخاري في هولاء العلماء: "كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث".
اما عن تلاميذه، فقد ساعدته شهرته في طلب العلم، على التمتع بسعة الحفظ والعلم الوافر، وهذا ما أدي إلى أقبال عدد كبير من طلاب الحديث عليه، للتعلم منه وسماع أحاديثه ورواياته، فقال أبو علي صالح بن محمد جزرة، أحد تلاميذ البخاري: "كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد وكنت أستملى له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا"، وروي الخطيب البغدادي عن محمد بن يوسف الفربري، الذي كان أحد أكبر تلاميذ البخاري أنه قال: "سمع الصحيح من البخاري معي نحوٌ من سبعين ألفًا".
- كتبه ومصنفاته:
استطاع البخاري أن يصنف ويؤلف كتبًا كثيرة، وقد هيأه للتأليف والكتابة وأعانه عليها ذكاؤه الحاد، وسعة حفظه، وذاكرته القوية، ومعرفته الواسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من تعديل وتجريح، وخبرته بالأسانيد من صحيح وضعيف، وقد وصلنا بعض كتبه وطبعت بينما لا يزال بعضها مفقودًا، ولكن أشهر كتبه، كتاب البخاري المعروف بـ"صحيح البخاري".
- كلام العلماء عنه:
كان البخاري موضع تقدير من شيوخه وأقرانه فتحدثوا عنه بما هو أهله وأثنوا عليه، قال النووي: "واعلم أن وصف البخاري، رحمه الله، بارتفاع المحل والتقدم فى هذا العلم على الأماثل والأقران، متفق عليه فيما تأخر وتقدم من الأزمان، ويكفى فى فضله أن معظم من أثنى عليه ونشر مناقبه شيوخه الأعلام المبرزون، والحُذَّاق المتقنون".
أما عن أحمد بن حنبل، فقد قال عن البخاري: "ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري"، وقال أبو حاتم الرازي: "محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق"، فيما قال الترمذي: "لم أر أحدا بالعراق، ولا بخراسان، في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل".