في محاولة منها للعودة إلى الضوء بعد انحساره عنها تحاول بعض التيارات الدينية المتشددة فرض ذاتها عبر وسائل التواصلالاجتماعي عن طريق إطلاق حملات دعوية ظاهرها تعليم أسسالعقيدة، وباطنها بث الأفكار المتطرفة لتجنيد الشباب وتطويعهملأفكارهم.
أشار إلى تلك المسألة المستجدة فضيلة مفتي الجمهورية أ. دشوقي علام، مفتي الجمهورية، في حواره ببرنامج "من ماسبيرو"الذي يذاع على القناة الأولى، موضحًا أن تركيز هذه الجماعاتيَنصبُّ على مراحل عمرية معينة، خاصة الشباب لما تمثله منمرونة وقابلية للتعليم وقدرة على التحرك والعمل، فقد أشارتإحصائية حديثة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن64% من مستخدمي هذه الوسائل في الدول العربية من شريحةالشباب دون الثلاثين عامًا.
وتابع فضيلته أن مرصد دار الإفتاء رصد هذه المواقع، التي تستغلالشباب وتنشر بينهم فتاوى متشددة وشاذة من خلال برامجمشوقة، اختلطت فيها التنمية البشرية بالتعليم الديني، من خلالصفحات الفيس بوك والمواقع الأخرى، حيث إن هذه المواقع تعلنعن برامج تنمية بشرية مغلفة بالتعليمات الدينية المتشددة.
ونبَّه فضيلة المفتي أن الجماعات المتطرفة إنما تستثمر هذهالدورات للحصول على التمويل المادي؛ إذ إن هذه الدورات تتمبمقابل أجر مادي يتم تحويله على حساب هذه الجماعات، وهذايعطيها قُبلة الحياة بعد أن فقدت الدعم المادي الذي كان يأتيها عنطريق بيع وسائط تعليمية بائدة كأشرطة الكاسيت التي كسدتسوقها، فاضطروا إلى أن يتوجهوا من ثم إلى قنوات أخرى أكثرلصوقًا بالشباب وتعبيرًا عن واقعهم.
ثم أضاف فضيلته مُطَمئِنًا أن الدولة تكاد تكون مسيطرة تمامًا علىهذه المواقع، في ضوء حربها للجماعات المتطرفة والأفكار الشاذةلتجفيف منابع الإرهاب من أصوله.
ونصح فضيلةُ المفتي الشبابَ من الجنسين قائلًا: "أريد من أولاديوبناتي شباب الجامعة التي هي مرحلة تكوين العقل الرشيد، أن لايقبلوا كل ما يطرح عليهم من قضايا بصورة مجردة، وإنما عليهمأن يطرحوا تلك القضايا للنقاش، والبحث، والحوار، حتى ولو كانحوارًا داخليًّا مع النفس، وليراجع أحدهم نفسه متسائلًا: هل هذاالأمر المطروح مقبول عقلًا وشرعًا؟ ومَن الجدير بأن يُسأل عن هذهالموضوعات ويستفتى؟
وليكن ضابطك الشرعي حديث الرسول: «لَا يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً» (رواه الطبراني) … وكذلك: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، حيثماوجدها، فهو أحق بها» (رواه ابن ماجه). لكن في بعض الحالاتتلتبس الأمور وتستشكل علينا، فالواجب حينئذٍ أن أرجع إلىالمتخصصين من رجال الأزهر والإفتاء، ولا تقبل كل ما يعرضعليك إلا إذا رأيته مُحقِّقًا المصالحَ العامة، واحذر أن يؤديالمعروض عليك إلى تهديد حقيقي لاستقرار الأمن الفكري فيالمجتمع، فهي قضية لا تقل عن الأمن الغذائي والعسكري … إلخ،والأمن الفكري هذا هو المستقر الفكري والفقهي والثقافي والعاداتوالتقاليد ما دامت لا تتصادم مع الشريعة".
وبيَّن فضيلته أن هذه العقائد والعوائد المستقرة تنقسم إلىقسمين، قسم متفق عليه خلفًا عن سلف، وقسم مختلف فيه.فالأول غير قابل للخلاف، من حيث الإجماع عليه مستقر فلا يمكنأن يُقبَل فيه خلاف، ولذلك يعد الرأي المخالف له مزعزعًا للاستقراريحاول تهديد الأمن الفكري ومن ثَمَّ المجتمعي.
والقسم الثاني هو المختلف فيه، نتيجة اختلاف المكان والزمانمثلًا، كما فعل الشافعي حال قدومه مصر، فلم يزعزع العقائدوالعادات وإنما ترك الأمر على ما هو عليه ما دامت تلك العادات لاتختلف مع مبادئ الشرع.
وقد شدد فضيلته على ضرورة مواجهة الجماعات المتشددة التيتزرع بذور الشقاق وتهدد السلم والأمن الفكري والمجتمعي عنطريق إغراق صفحات التواصل الاجتماعي بسيل من المعلوماتالسليمة تصحح هذه الأفكار المغلوطة. ومثَّل فضيلته لذلك بصفحةدار الإفتاء على الفيس بوك التي كانت بمثابة البداية لهذا الغرض،حيث بلغ متابعوها ستةَ ملايين متابع من داخل مصر وخارجها،جُلُّهم من الشباب، من خلالها نصحح مفاهيمهم عن طريق فتاوىالوعظ وتصحيح المفاهيم. كذلك من خلال البث المباشر اليوميعلى صفحة الفيس بوك لمدة ساعة، من الأحد إلى الخميس، وعقدمجالس الإفتاء في المساجد الكبرى بالمحافظات بالتعاون مع وزارةالأوقاف، حيث ندفع هذا الفكر المتشدد وندحضه، ولا نترك فراغًايمكن أن تسده جماعات متشددة غير مختصة؛ فالفراغ لا بد أنيملأ، وإن لم يملأ بالحق ملئ بالباطل.