التفاصيل المثيرة عن 23 يوليو.. ثورة ساندها القدر وأيدها الشعب وباركتها مصر

لكل ثورة في التاريخ سماتها وظروفها الخاصة بها والمحيطة حولها، وعبر التاريخ كانت هناك لحظات فارقة أجهضت ثورات وتسببت في نجاح أخرى، وكانت ثورة يوليو ضمن تلك الثورات التي نجحت بعد مفارقات قدرية وتفاصيل مثيرة، كانت نتيجتها تغيير وجه التاريخ الحديث في مصر لعقود طويلة لاحقة وممتدة لازالنا نعيش أصدائها وتحت ظلها حتى اليوم.

تعرضت خطة الثورة في بعض تفاصيلها إلى تغييرات مفاجئة، حيث كان مقرر أن تنفذ الثورة يوم 22 يوليو ثم حدث وأن تأجلت لعدم اكتمال بعض جوانب الخطة، ثم كشفت الخطة قبل الميعاد المحدد بساعتين وعلم القصر بالأمر، وفي أي ظرف مشابه فإن الثورة كان مقرر لها السقوط والفشل، حيث قامت قوات البوليس الحربي بغلق مداخل ومخارج القاهرة ما يعني عدم قدرة الباط الأحرار على تحريك القوات اللازمة لتنفيذ الثورة.

وتدخل القدر حيث اعتقد يوسف منصور صديق أحد القادة المسئولين عن تحريك القوات أن ميعاد التحرك كان في الساعة 12 صباحا في حين كان المفترض أن يتحرك في الساعة الواحدة صباحا وكان ذلك الأمر هو الذي أنقذ بشكل كبير الثورة، دون ترتيب من أحد سوى القدر هو الذي جعل الثورة تتقدم ساعة زمنية واحدة، لتكون سببا في تقدم مصر ونهضتها على يد الجيش لسنوات طويلة قادمة.

ثورة 23 يوليو هي حركة قام بها ضباط شباب في الجيش المصري أسموا تنظيمهم باسم «الضباط الأحرار» للإطاحة بالملك فاروق، ومن ثم العهد الملكي، وقاموا بها في مثل هذا اليوم 23 يوليو 1952.

أطلق على الثورة في البداية «حركة الجيش»، ثم اشتهرت فيما بعد باسم ثورة 23 يوليو وأسفرت تلك الحركة عن طرد الملك فاروق وإنهاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية، وبعد أن استقرت أوضاع الثورة أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار وأصبحت تعرف باسم «مجلس قيادة الثورة»، وكان يتكون من 11 عضواً برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب.

وحول المقدمات والأسباب التي عجلت بقيام هذه الثورة فقد بدأت بعد حرب 1948 وضياع فلسطين وقضية الأسلحة الفاسدة، فظهر تنظيم «الضباط الأحرار» في الجيش المصري بزعامة جمال عبد الناصر.

وبعد نجاح الثورة أذيع البيان الأول للثورة والذي لخص أسباب الثورة وأهدافها وقد فرض الجيش على الملك التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش فيما كانت إدارة الأمور في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابط شكلوا قيادة تنظيم الضباط الأحرار.

وضم تشكيل تنظيم الضباط الأحرار اللواء محمد نجيب، والبكباشي جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وعبد الحكيم عامر، ويوسف صديق، وحسين الشافعي، وصلاح سالم، وجمال سالم، وخالد محيي الدين، وزكريا محيي الدين، وكمال الدين حسين، وعبد اللطيف البغدادي، وعبد المنعم أمين، وحسن ابراهيم، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 1953.

وكان من أسباب قيام الثورة استمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية، فضلا عن الاضطرابات الداخلية والصراع بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي، وقيام حرب فلسطين وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم الهزيمة وسوء الحالة الاقتصادية في مصر وغياب العدالة الاجتماعية.

وقامت الثورة على مبادئ 6 وهي القضاء على الإقطاع، والاستعمار وسيطرة رأس المال، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، وبناء جيش وطني، وتميزت هذه الثورة أنها كانت ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وقدمت وجوها وطنية شابة لواجهة الحكم في مصر مما مثل أمرا جديدا في عالم الانقلابات العسكرية التي كان يقوم بها عادة قادة الجيوش وأصحاب الرتب الكبيرة كان تشكيل الضباط الاحرار من مختلف الاتجاهات السياسية.

وحظيت الثورة بتأييد شعبي جارف من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة وعلى أثر نجاح الثورة اتخذ قرار بحل الأحزاب وإلغاء دستور 1923 والالتزام بفترة انتقال حددت بثلاث سنوات يقوم بعدها نظام جمهوري جديد.

وتبنت الثورة فكرة القومية العربية، وساندت الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار، وحققت الوحدة مع سوريا واليمن، كما سعت إلى محاربة الاستعمار بكل صوره وأشكاله في أفريقيا وآسيا، وكان لمصر دور رائد في تأسيس جماعة دول عدم الانحياز.

أما عن الساعات الأولي قبل الثورة فقد وصلت إلى جمال عبد الناصر أنباء عن نية القصر القبض على 13 من الضباط المنتمين للتنظيم والاتجاه لتعيين حسين سري وزيرا للحربية فاجتمع مجلس قيادة حركة الثورة في نفس يوم الثورة لإقرار الخطة التي وضعها زكريا محي الدين بتكليف من جمال عبد الناصر ومعاونه عبد الحكيم عامر حيث تقوم الكتيبة 13 بقيادة أحمد شوقي المكلف بالسيطرة على قيادة القوات المسلحة في سرية كاملة وقرروا أن تكون ساعة الصفر، الواحدة، ليلة الأربعاء 23 يوليو 1952واتفق الضباط أيضا على أن يكون مركز الثورة في منطقة ثكنات الجيش من نهاية شارع العباسية إلى مصر الجديدة واتفقوا على الترتيبات الأخيرة، غير أن خطأً في إبلاغ يوسف صديق قائد ثان الكتيبة 13 بساعة الصفر تسبب في نجاح الثورة حيث تحرك صديق بقواته في الساعة الحادية عشرة واستطاع السيطرة على مجلس قيادة القوات المسلحة في كوبري القبة واعتقال كل من قابلهم في الطريق من رتبة قائم مقام فما فوق والاستيلاء علي مراكز القيادة بالعباسية وعلى مبنى الإذاعة والمرافق الحيوية بالقاهرة واعتقال الوزراء.

وأصدرت الثورة بيانها الأول والذي جاء فيه: «اجتازت مصر فترة عصبية في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون المغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولي أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولابد أن مصر كلها ستلقي هذا الخبر بالابتهاج والترحيب».

وتابع: «أما عن رأينا في اعتقال رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب وإني أؤكد للجيش المصري أن الجيش كله أصبح يعمل لصالح الوطن، وأنتهز هذه الفرصة وأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونه بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقي فاعله جزاء الخائن في الحال وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس وإني أطمئن أخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسؤولا عنهم والله ولي التوفيق، اللواء أركان حرب محمد نجيب».

و كلف مجلس قيادة الثورة علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة بعد إقالة وزارة الهلالي باشا بعد يوم من تشكيلها ثم قام الثوار بالاتصال بالسفير الأمريكي لإبلاغ رسالة إلى القوات البريطانية بأن الثورة شأن داخلي، وتم طرد الملك وأجبر على التنازل عن العرش إلى ولي عهده ابنه الرضيع أحمد فؤاد وتم ترحيل الملك وأسرته إلى إيطاليا على متن يخته الخاص «المحروسة».

وظاهريا كان قائد الحركة هو اللواء محمد نجيب فيما كان القائد الحقيقي هو جمال عبد الناصر الذي دب خلاف بينه وبينه نجيب وأزاحه في 1954 وحدد إقامته في منزله ثم تولى عبد الناصر حكم مصر من 1954 حتى وفاته في 28 سبتمبر 1970، وقد اتبع «ناصر» المنهج الاشتراكي في حكمه وقام بتأميم المصانع و الشركات الكبرى في 1961.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً