"رغيف العيش".. وقود اشتعال الثورات عبر التاريخ

منذ فجر التاريخ ومن أيام أجدادنا الفراعنة، ويعد رغيف الخبز هو وقود الحياة، حيث قدسه المصريون القدماء وجعلوا للقمح إلهًا عبدوه وأطلق عليه "نبر"، كما خصص له الفراعنة إدارة عليا للشون، تخضع مباشرة للوزير نائب الفرعون، وذلك في عهد الأسرة الخامسة.

ولرغيف العيش فى مصر عدة أشكال ومسميات، ففي الوجه القبلى "الصعيد" لديهم العيش الشمسى "الملتوت"، يصنع من دقيق القمح، ويمر بست مراحل، ولا يحتاج لفرن لصنعه، ولكن يترك فى الشمس حتى يخمر.

وتفجرت ثورات عديدة بسبب رغيف العيش، وكانت أول ثورة لرغيف العيش في التاريخ، في عهد الملك "بيبي" الثاني، الذى يعد أحد ملوك الأسرة السادسة، حيث امتنع المزارعون عن حرث الأرض نظرا للأخطار التي كانت تحوطهم من سرقة ونهب واستغلال، فعدمت البلاد غلتها.

وفى عصر الملك "رمسيس الثالث" في السنة التاسعة والعشرين من حكمه، قام العمال بالإضراب والثورة لمدة شهرين بسبب قلة الخبزإ الذى كان يصرف لهم من جانب إدارة معبد دير المدينة بالأقصر، ومع كل مرة ينقطع فيها صرف الخبز كان العمال يثورون ويتظاهرون ويتوقفون عن العمل.

وفي عهد "الحاكم بأمر الله" عام "1004م"،استغل الخبازون نقص مياه النيل وقلة محصول القمح فرفعوا الأسعار، وقاموا بغش الخبز وبله بالماء حتي يزيد وزنه، فأمر الحاكم بضرب عدد من الطحانين والخبازين بالسياط والتشهير بهم، وبعد ذلك بثلاث سنوات حدث غلاء شديد فتظاهر العامة وثاروا وهتفوا ضد الحاكم واجتمعوا بين القصرين.

وفي حكم "العادل كتبغا" عام "1296م"، حدثت مجاعة شديدة، وصل معها سعر إردب القمح إلي 190 دينارا، وبسبب هذه الأحوال حدثت الاضطرابات بين المواطنين، وقاموا بالثورة ونهبوا الخبز من الأفران والحوانيت، حتي كان العجين لا يخرج إلا ومعه حراس يحمونه بالعصي خشية خطفه.

وفي حكم السلطان "ركن الدين بيبرس الجاشنكير" عام "1309م"، توقفت زيادة النيل فارتفعت أسعار الغلال والخبز واضطربت الأحوال وضج الناس وتشاءم المصريون بقدوم السلطان بيبرس.

وفي عهد السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" عام "1340م"، وصل سعر القمح الي خمسين درهما للإردب، فامتنع الأمراء الذين كانوا يتحكمون في نقل واستيراد القمح عن توريده للطحانين.

وقام المصريون بثورة ضد المحتسب الموالي للتجار، والذي يعمل ضد مصلحة العامة فى عام 1348م، ورجمت العامة ابن الأطروش المحتسب بسبب ارتفاع سعر الخبز، فبلغ ستة أرطال أو سبعة أرطال بدرهم، وعندما قام أحد الخبازين بخفض سعر الخبز، حيث باع ثمانية أرطال بدرهم طلبه ابن الاطروش وضربه بسبب ذلك، فثارت العامة ورجموا باب داره.

أما عن الباشاوات، فكانوا يستغلون أزمة نقص القمح للتربح، ففي عهد علي باشا السلحدار وفي سنة 1601م، اشتدت الأزمة وضاقت الأحوال بالناس، فثاروا واضطروا إلي خطف العجين من المواجير والخبز من الأسواق، فحاول الباشا ودون النظر إلي حالة المواطنين أن يبيع قمح العنبر الشريف إلي الأوربيين في أكياس علي أنها بهار، مستغلا الظروف للحصول علي مكاسب من السوق السوداء.

وتحولت مصر إلى جمهورية وبدأت ثورات العيش فى عهد الرئيس الراحل "أنور السادات"، التى أنطلقت يومي 17، 18 يناير 1977 رافضة زيادة أسعار رغيف العيش، تلك الأحداث التي أطلق عليها حملة المباخر في عصر السادات "انتفاضة حرامية"، وكان يرى أن الدعم أحد المعوقات للنهوض بالاقتصاد وتنفيذ سياسة الانفتاح، وحاول أكثر من مرة لإلغاء الدعم عن المواطن، في عام 1977 قرر السادات رفع الدعم عن السلع الأساسية، ومنها الخبز والسكر والزيت والشاى والبنزين.

والثانية فى عصر الجمهورية كانت فى عهد الرئيس السابق "محمد حسنى مبارك"، والذى وصل فيه الخبز لأسوأ حالاته، وتسببت طوابير العيش بوفاة المواطنين، نظرا للزحام الشديد والمشاجرات بسبب الحصول على رغيف عيش، واستعان وقتها "مبارك" بمنافذ القوات المسلحة.

أما فى عهد الرئيس المعزول "محمد مرسى"، فلم تختلف حالة الرغيف كثيرا عن عهد مبارك، فكانت هناك بعض المحاولات غير الناجحة، ومنها عمل أكشاك لبيع الخبز المدعم.

والآن فى عهد الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، هناك محاولات من الحكومة لرفع الدعم عن رغيف العيش، لتبدأ وزارة التموين والتجارة الداخلية الخطوات الأولى لتحويل الدعم من عينى إلى نقدى، حيث أعلنت عن اتجاهها لخفض حصة المواطن من الخبز، لتكون 4 أرغفة بدلًا من 5 أرغفه يوميًا، مقابل مضاعفة قيمة نقاط الخبز بنسبة 100%، ليتم صرف سلع بقيمة 20 قرشًا مقابل كل رغيف لا يتم استهلاكه.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً