حوادث الخيانة التي قام بها بعض المسئولين كانت دومًا حملاً ثقيلاً على كاهل الدولة المتضررة، فالخائن في العادة يكون ذا مسئولية كبيرة ويكون لخيانته أثر كبير على مجريات الأمور، فخيانة جورج واشنطن للإنجليز تسببت في نشأة دولة ضخمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وخيانة الزوجين جوليس وإيثيل روزنبرج تسببت في تسريب معلومات حساسة عن البرنامج النووي الأمريكي للاتحاد السوفيتي مما ساعد على تطوير سلاحهم النووي، لذا فإن خيانة رجل واحد يمكن أن تكون أكبر بكثير من مؤتمرات سياسية دولية وربما في بعض الأحيان أكبر من هجوم غاشم على إحدى الدول.
فخيانة كبار المسئولين يمكن أن تهدم دول بأكملها ويمكن أن تتسبب في تكوين دول جديدة، وفي هذا التقرير اخترنا لك أهم حوادث الخيانة التي حدثت في تاريخ البشرية وقد وضعنا في الاعتبار التنويع فيما بين الحوادث واختيار الفترات الزمنية المختلفة والدول المختلفة.
كاريل كوردا.. نفذ عملية اغتيال مع رفاقه ثم خانهم
أثناء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في سنة 1942، ظهرت خطة سرية لاغتيال رينهارد هايدريش الذي كان يعتبر من أهم رجال حكومة ألمانيا النازية ورأس العديد من المناصب الحساسة مثل الإدارة العامة للأمن وهذا يشمل أهم المؤسسات الأمنية مثل الجستابو (البوليس السري) بل أنه كان ممثلاً دوليًا لألمانيا واستطاع الوصول إلى رئاسة الإنتربول في سنة 1940 وحتى مماته.
وفي تلك السنة كان رينهارد هايدريش متواجدًا في جمهورية التشيك (التي كانت عبارة عن منطقتي بوهيميا ومورافيا وقتذاك)، وارتكزت الخطة على مرور طائرة في منطقة بعيدة عن وجود القوات النازية ليهبط منها ضباط أكفاء من الجيش التشيكي عبر المظلات الهوائية لينفذوا العملية، وأحد أعضاء تلك المهمة الخطيرة كان يدعى كاريل كوردا الذي يعتبر من أبرز مرتكبي حوادث الخيانة، وبالفعل نجحت المهمة في عملية الاغتيال، لكن الواقعة زلزلت الحكومة الألمانية لدرجة أنها قامت بعمليات انتقام عشوائية ضد المدنيين وقتلوا المئات منهم ودمروا العديد من القرى دون وجود أية دلائل أو معرفتهم بالمشتبهين، لذا وضعوا مكافأة قدرها مليون رايخ مارك لمن يرشد على منفذي العملية، وهذا ما أثار طمع كاريل كوردا أحد المشاركين في العملية والذي أعطاهم معلومات مفصلة عن كل المشاركين، وكي لا يتعرف عليه أحد أعطوه هوية جديدة باسم كارل جيروت وتزوج امرأة ألمانية، لكن بعد نهاية الحرب تم القبض عليه في سنة 1947 وإعدامه شنقًا بتهمة الخيانة العظمى.
ألكيبيادس
ألكيبيادس الأثيني ليس مجرد خائن عادي بل يمكننا اعتباره أحد رموز حوادث الخيانة العظمى عبر التاريخ، وقد ولد وترعرع في أثينا حيث أصبح من كبار رجال السياسة، وفي البداية كان يدعم موطنه الأصلي أثينا ضد إسبرطة وحلفائها أثناء الحرب البيلوبونيسية، لكن على ما يبدو فإن حياته قد كانت مليئة بالمشاكل والخصوم السياسيين الذين اتهموه بالتهمة الشائعة وقتذاك وهي تدنيس حرمة الآلهة لذا فقد تم نفيه إلى إسبرطة.
وهناك وجد لنفسه منصب عسكري وسياسي حيث أصبح من كبار المستشارين لدرايته بسياسة أثينا والوضع العسكري فيها، وقد كان له فضل كبير في هزيمة أثينا على يد القوات الإسبرطية، لكن بسبب مشاكله المستمرة فقد كثر خصومه الذين لفقوا له تهم عديدة ليتم نفيه مرة أخرى ولكن إلى مكان بعيد وثقافة مختلفة تمامًا وهو الإمبراطورية الفارسية، وبسبب التوتر بين الفرس والإغريق فإن وجود شخص إغريقي خبير بالسياسة مثل ألكيبيادس هو بمثابة كنز لهم فعينوه مستشارًا عسكريًا، لكن أثينا بلده الأم أرسلت له نداء تعرض فيه أن يعود بضمان ألا يتعرض له أي شخص وأن يتقلد منصب جنرال، فوافق وشارك في الحروب التي خاضتها أثينا وبالتحديد الحملة على جزيرة صقلية، وهي من أكبر مذابح ما قبل التاريخ.
وقد كان هو صاحب فكرة الغزو ومدبرها، ولكن وبالرغم من قدراته العسكرية الممتازة وحنكته السياسية وإفادته لأي طرف كان يعمل معه، إلا أن هذا تسبب في تكاثر الأعداء من حوله حتى تم اغتياله.
دونا مارينا.. امرأة دمرت إمبراطورية
تمكنت القوات الإسبانية بقيادة هيرنان كورتيس من القضاء على الإمبراطورية الآزتيكية في القرن السادس عشر، ويرجع الفضل بشكل كبير لخيانة دونا مارينا، فهي من ضمن شعب الآزتيك وتم أسرها ضمن الأسرى، لكن بسبب ذكاءها وثقافتها ومعرفتها باللغة الأصلية للسكان واللغة الإسبانية وعدد من اللغات الأخرى فقد عينها كورتيس بنفسه المترجمة الرسمية له، لكن دورها لم يقف عند الترجمة فقط بل أصبحت ذراعه الأيمن كمستشار سياسي محنك وخانت شعبها.
وتطورت العلاقة بينهما حتى أنجب منها ابنه الأول مارتن، ودونا مارينا هي امرأة بالغة الذكاء تمكنت من الإيقاع بين المجموعات العرقية لشعب الآزتك وذلك لدرايتها بهم، وحتى يومنا الحالي أصبح اسمها في أمريكا اللاتينية مرتبطًا بحادثة من أكبر حوادث الخيانة العظمى وأصبح اسمها مرادفًا للشخص غير الوفي.
هيبياس
في عصور ما قبل التاريخ في بلاد الإغريق كثر الحكام الطغاة لدرجة أن أحد العصور سمي بعصر الطغاة وتوالى فيه حكم عدد كبير من الحكام الدكتاتوريين ومنهم الإمبراطور هيبياس، ولن نتحدث الآن عن المجازر التي ارتكبها في فترة حكمه الغاشم، بل سنتعرض إلى واحدة من أهم الحوادث في تاريخ أوروبا قديمًا وهي معركة ماراثون والتي دارت بين شعب أثينا ضد قوات الإمبراطورية الفارسية.
ومع أن هيبياس هو أثيني الأصل إلى أنه فضّل الفرس على شعبه وخان وطنه ليقود الفرس إلى شواطئ اليونان القديمة وليتمكنوا من إنجاز الغزو الفارسي الأول لليونان، وعلينا ملاحظة أن تلك المعركة هي بالغة الأهمية لأنها تشكل الصدام الأول بين الفرس والإغريق ولولا خيانة هيبياس لكان التاريخ قد تغير، وبسبب فعلته الشنعاء تم وضع مكافأة على رأسه وكذلك على أبناءه، ومع مرور الأجيال أصبح اسم هيبياس يعني خيانة الوطن وجرّه إلى الهلاك.
مارتن خافيير مينا
عمل في البداية كمحامي في موطنه إسبانيا، لكنه انخرط في الحياة العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة جنرال وحارب بضراوة ضد الفرنسيين في الحروب النابولوينية، لكن بعدما أزاح الملك فرديناند السابع الحكومة الديمقراطية اشتد التوتر في البلاد وحاول مينا أن يقوم بانقلاب عسكري على التاج الملكي لكنه فشل واعتبر هذا الفعل من أبرز حوادث الخيانة في أوروبا، ثم فر إلى فرنسا ومنها إلى إنجلترا حتى استقر في أمريكا وذلك في سنة 1816.
وعندما وصل إلى المكسيك اشترك في حرب المقاومة اتي أدت إلى استقلال المكسيك عن الإمبراطورية الإسبانية، لكن القوات الإسبانية استطاعت القبض عليه وتم الحكم عليه بالإعدام ضربًا بالرصاص، وقد صرح قبل إعدامه بأن أفعاله كانت ضد طغيان الملك فرديناند وليست ضد الإمبراطورية الإسبانية نفسها.
أكيتشي ميتشويدي.. قتل قائده بسبب إهانة
في تاريخ اليابان يعرف أحد العصور باسم عصر سينجوكو ويمتد ما بين 1467 إلى 1603 ميلادية، وهي فترة دموية وشهدت عدد كبير من الصراعات السياسية والعسكرية، وأهم علامات تلك الفترة محارب الساموراي والجنرال أكيتشي ميتشويدي الذي خان القائد أودا نوبوناجا وتسبب في مقتله وهو واحد القادة الثلاثة الكبار في تلك الفترة، حيث أن القائد أمره بمهاجمة أحد المناطق لكن ما فعله شيء مختلف تمامًا، حيث قام أكيتشي بتكوين جيش من ثلاث عشر آلاف مقاتل وهاجموا موقع كتيبة نوبوناجا وحرقوا المعبد الذي كان يوجد فيه القائد، لكن توجد بعض المصادر التاريخية التي توضح أن سبب الخيانة هذه هو الإهانة المتكررة التي ألحقها القائد بأكيتشي عدة مرات أمام العامة لذا فالبعض لا يعتبرها ضمن حوادث الخيانة.
جورج واشنطن
هو الرئيس الأول للولايات المتحدة الأمريكية وهو رمز قومي وأحد أهم الشخصيات في التاريخ الحديث، وبالنسبة للأمريكيين فهو شخصية ملهمة لكن بالنسبة للإمبراطورية البريطانية هو مجرد خائن للتاج الملكي بسبب أفعاله أثناء الحرب الثورية وتوقيع معاهدة الاستقلال، وهي مفارقة نجدها دومًا حيث أن الخائن يسمى بالبطل في دولة أخرى معادية والعكس، وفي الوقت السابق لهذا كان واشنطن حليفًا للبريطانيين وكان من أكبر القادة الذين ساعدوهم في الحرب ضد الفرنسيين في حرب السبعة أعوام لكنه انقلب عليهم.
مارسيل بوكار
هو سياسي فرنسي لمع نجمه في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، بدأ حياته كجندي في الحرب العالمية الأولى وأثرت الحياة العسكرية عليه بشكل بالغ لدرجة أنه تشبع بالأفكار المتطرفة فأصبح يميل إلى الأفكار الفاشية، وبعد انتهاء الحرب تفرغ إلى السياسة وكان من أول من انضموا إلى حزب فايتشو وهو حزب فرنسي فاشي.
ثم شكل مجموعته الفاشية الخاصة وذلك عبر تلقيه التمويل المالي من رئيس الوزراء الإيطالي بينيتو موسوليني الذي يعتبر أب الفاشية، ولكن حتى هذا الوقت لم يكن شخصية معروفة ولم ينل حزبه أي شهرة إلى أن وقعت فرنسا في قبضة ألمانيا النازية، ومن هنا بدأت خيانة بوكار لفرنسا بلده الأم، حيث عمل كمخبر أمني للنازيين هو وبقية أعضاء حزبه، وساهم في تسليم أعضاء من جبهة المقاومة الفرنسية إلى النازيين بالإضافة إلى بعض السوفييت وجنود من قوات الحلفاء.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ودخول قوات الحلفاء إلى العاصمة الفرنسية تم القبض على بوكار واتهامه بتهمة الخيانة العظمى وتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه رميًا بالرصاص في سنة 1946.
جوليس وإيثيل روزنبرج
هما من أشهر الجواسيس في العصر الحديث ومن أكثرهم تأثيرًا على موازين القوى الدولية، فقد تورطا في تسريب معلومات حيوية عن برنامج التسليح النووي لأمريكا إلى المخابرات السوفيتية وذلك خلال فترة الحرب الباردة التي شهدت التوتر الأكبر بين أمريكا والسوفييت، وهما مواطنان أمريكيان يتبعان الديانة اليهودية.
وكانت إيثيل تعمل في أكثر من وظيفة لتغطي على عملها الاستخباراتي حيث عملت كممثلة ومغنية وسكرتيرة وكان جوليوس يعمل مهندس كهربي، وكلا الزوجين كانا مخلصين للفكر الشيوعي وقد كان هذا سبب إخراج جوليس من الجيش الأمريكي، وقد أشارت الكثير من التقارير أنه لولا المعلومات التي سربها الزوجان لما استطاعت الحكومة السوفيتية التقدم بهذه السرعة في برنامجها للتسليح النووي، بل يقول البعض أنه لولا هذه الخيانة لكانت الحرب الباردة قد انتهت قبل ذلك بسنين عديدة.
وقد تم الحكم على الزوجين بالإعدام بالكرسي الكهربي، مع ملاحظة أنهما المدنيان الوحيدان اللذان يحكم عليهما بالإعدام بسبب الخيانة العظمى في أمريكا، وقد حكم على أشخاص آخرين متورطين معهما مثل شقيق جوليس الذي ساعدهم في الحصول على المعلومات وحكم عليه بالسجن 15 سنة في سجن فيدرالي شديد الحراسة.