قدرت ثروته بـ 12 مليار دولار أميركي عندما استقال من منصبه كرئيس لوزراء قطر ووزير خارجيتها في يونيو عام 2013، ويقال عنه أنه يمتلك شهية الوحوش، فاسد بالفطرة، ولا حدود لجشعه، يمتلك قدرات استثنائية في المساومة، ويؤمن بأن كل شيء يباع ويشترى، حتى البشر يتعامل معهم كسلع في أسواق النخاسة، حيث ينقل عنه أن لكل شيء ثمناً، وللناس كذلك.
إنه حمد بن جاسم، الذي ورث عن أبيه أراضي شاسعة، ويروى أنه كان الوحيد من بين عائلة آل ثاني الذي قال له والده: "اذهب لإتمام دراستك في الولايات المتحدة، لكني لن أنفق عليك مليماً، عليك أنت أن تتصرف حتى لو قمت بغسيل السيارات".
بينما كان الأمير حمد لا يملك طاقته على العمل، وكان من آخر عمولاته وهو في السلطة 400 مليون دولار في صفقة شراء متاجر هارودز في لندن من الملياردير محمد الفايد، و200 مليون دولار عن مشروع جسر لم يرَ النور بين قطر والبحرين.
ووفقاً للمؤلفين فإن حمد بن جاسم "انتبه مبكراً لقوة ونفوذ المال على الناس، وهو يرى أن كل شيء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب.
ومنذ فترة طويلة، قبل أن ينقلب الشيخ حمد بن خليفة على والده الأمير خليفة في يونيو 1995، أدى اثنان من رجال الأعمال الفرنسيين زيارة إلى الأمير الأسبق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في منزله بمدينة كان الفرنسية، سعياً لتعزيز وتوسيع أنشطة شركاتهما في قطر، وقد سأل الشيخ خليفة، الذي لم يكن مهتماً بالبزنس أصلاً، وزير خارجيته حمد بن جاسم، عما ينبغي قوله لرجلي الأعمال، فرد عليه بن جاسم: "قل لهما أن يناقشا هذا الأمر معي".
وبعد أسابيع، وصل رجلا الأعمال الفرنسيان إلى قصر الريان بالدوحة، مقر إقامة الأمير خليفة الذي تحادث معهما بضع دقائق، ثم قال لهما إن حمد بن جاسم هو الذي يهتم بشؤون الأعمال الخاصة وأنه سيتركهما معه لمزيد التشاور.
ونهض بن جاسم مرافقاً الأمير خليفة حتى الباب، متظاهراً بأنه يهمس في أذنه بكلمات ما، وعندما عاد إلى رجلي الأعمال الفرنسيين بادرهما بالقول: "أنا أشعر بحرج بالغ لأنني مضطر إلى أن أخبركما بأن الشيخ طلب 20 مليون دولار لنفقاته الخاصة، هو لن يقول لكما هذا، أنا في غاية الحرج".
عمولات في صفقات السلاح
وإذا كانت تلك الحادثة قد جرت في العام 1993، فإن المؤكد أن حمد بن جاسم طوّر مهاراته في النصب والاحتيال بعد الإطاحة بخليفة وصعود نجله حمد إلى سدة الحكم إثر انقلاب 27 يونيو 1995، حيث احتفظ بمنصبه وزيراً للخارجية ضمن التشكيلات الوزارية المتتالية في يوليو 1995 وأكتوبر 1996 ويناير 1999.
في هذا السياق، تحدثت تقارير إعلامية بريطانية عن عمولات سلاح ضخمة لصالح مسؤولين قطريين، وقالت إن حكماً قضائياً صدر ضد شركة في مدينة جيرسي كونها أدارت ثلاثة حسابات كواجهة للشيخ حمد بن جاسم وزير الخارجية القطري حينها، وأن هذه الحسابات البنكية تصل إلى نحو مئتي مليون دولار على هيئة رشاوى من شركات مشتريات طائرات هاوك المقاتلة البريطانية.
وأوردت صحيفة "جيرسي إيفنينج بوست" أنه كشف في المحكمة عن خطاب جاء في حيثيات الدفاع منسوب إلى أمير قطر، يقول فيه إن المبالغ التي كشف عنها ليست رشاوى، بل سمسرة عمولات تمثل حصة وزير الخارجية عن صفقات الأسلحة من متعهدي سلاح بريطانيين. مشيرة إلى أن بن جاسم حاول منع المحكمة من الكشف عن الرسالة، لكنه انسحب بعد 15 شهراً من المرافعة القانونية، وأعلن أنه لن يواصل القضية، الأمر الذي صدر على إثره قرار بالسماح للجريدة بنشر وثائق ما سمي بسمسرة السلاح من قبل الأمير.
وقالت الصحيفة إنها تمكنت من الاطلاع على حكم قضائي صادر في ديسمبر عام 2001، تضمن الإشارة لما اعتبره المدعي العام ويليام بيلهاشي "تآمر شركة ستاندرد تشارترد غرينادلايز ترست كوربوريشن (جيرسي) التي تشرف على ثلاثة حسابات، نيابة عن حمد لتضليل المحكمة بإخفاء معلومات مهمة عنها".
وأضافت أن محققين محليين أعربوا عن اعتقادهم بأن الحسابات الثلاثة تلقت ما يزيد على 100 مليون جنيه استرليني على هيئة رشاوى شركات أسلحة، مقابل عقود سخية من قطر.
وبحسب الصحيفة فإن تلك الأموال لها علاقة بجملة من صفقات السلاح، بما فيها صفقة في عام 1996 بـ 500 مليون جنيه استرليني، تضمنت تزويد متعهدي أسلحة بريطانيين لقطر بمقاتلات هاوك وغيرها من المعدات العسكرية.
تلك الصفقة وقع عليها مايكل بورتيلو الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع البريطاني في ذلك الوقت، وقال بن جاسم في المحكمة "إن ابن عمه الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر، كان على علم بالعمولات، وإن الأمر لم يتعارض مع موقعه كوزير خارجية، لأنه كان يدير تجارة خاصة به".
وقد كشف قرار المحكمة أن الأمير شعر بالغضب من بعض الأدلة التي قدمتها شرطة جيرسي للمحكمة، وإن التحقيق أثار قلقاً شديداً داخل دوائر الأسرة الحاكمة في قطر، وإن كانت الدوائر نفسها قد مارست ضغوطاً داخل قطر وخارجها لمنع التناول الإعلامي للقضية. فتوقفت تحقيقات الشرطة ضد حمد بن جاسم الذي دفع ستة ملايين جنيه إسترليني لخزينة جزيرة جيرسي كتعويض عن الضرر.
سمسرة الأزمة المالية
في بريطانيا، يواجه حمد بن جاسم معركة قضائية بتهمة التحايـــل على بنك باركليز البريطانى. وقد بدأت القصة عندما أجرى بن جاسم صفقات مع البنك خلال الأزمة المالية العالمية، في العام 2008 مستغلاً حاجة باركليز للحفاظ على استقلاليته وتجنب شرائه من قبل حكومة لندن، وحصلت قطر على حصة قدرها 6 % من البنك مقابل مده بمليارات الجنيهات الإسترلينية لمساعدته على تجنب تدخل الحكومة لإنقاذه.
وعلى خلفية ذلك، وُجهت إلى بنك باركليز وأربعة من مديريه التنفيذيين السابقين تُهم بالتآمر للاحتيال وتقديم مساعدات مالية غير مشروعة، تتعلق بجمع رأسمال طارئ للبنك، ساهم فيه بشكل رئيسي صندوق قطر السيادي وشركة تشالنجر الاستثمارية التابعة لحمد بن جاسم.
وكان باركليز المصرف الوحيــــد الذي لم يتلق أموالاً من الحكومة لتجاوز الأزمة، وتتعلق التهمة التي حولها مكتب التحقيق في قضايا الفساد الخطيرة للقضاء بأمرين يخصان الاستثمارات القطرية، وهما دفع بنك باركليز نحو 322 مليون جنيه استرليني للمستثمرين القطريين تحت بند مصاريف استشارات بها شبهة احتيال، وإقراض البنك وزارة المالية ثلاثة مليارات جنيه استرليني ليعاد استثمارها في البنك فيما يعد تهمة فساد.
تميم يساوم بن جاسم
منذ خروج حمد بن جاسم من الحكم، تابعت الجهات القضائية المالية القطرية تحقيقاتها مع غانم بن سعد بتهمة اختلاسات مالية ارتكبها خلال إدارته الأعمال التجارية. ويبلغ حجم المبلغ المالي المتهم باختلاسه نحو ثمانية مليارات دولار.
وتضمن الملف القضائي، اتهامات لآل سعد بالقيام بأعمال مشبوهة لفائدة حمد بن جاسم. واختتم التحقيق معه باعترافه بمعظم التهم الموجهة إليه وبينها تحويل أموال من حساب الشركة إلى حساب وهمي في الخارج، وقيامه بشراء عدة فنادق من بينها فنادق انتركونتينال في فرانكفورت وأمستردام ومدريد وفندق كارلتون الشهير في مدينة كان الفرنسية، إلى جانب الكشف عن شراءات وهمية تبين أن أموالها ذهبت لحساب بن جاسم.
في 2014 تم ختم التحقيق مع بن سعد، حيث انهيت فترة سجنه مع تطبيق نوع من الإقامة الجبرية عليه بعد أن تنازل للدولة القطرية عن كل أملاكه في الخارج المقدرة بنحو 500 مليون يورو والتي تعتبر جزءاً من مجمل اختلاساته المالية المتهم بها والتي اعترف بها جميعاً أمام محققي أجهزة القضاء المالي القطري، بينما تم إرجاء النظر في اختلاسات حمد بن جاسم برغبة خاصة من أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني.
وقالت مصادر مطلعة من داخل الديوان الأميري إن تعليق التحقيق في ملفات بن جاسم المالية مرتبط بابتعاده عن الحياة السياسية في البلاد، حيث كانت المعادلة التي أعلنها تميم لبن جاسم: «أي محاولة منك للاقتراب من دوائر الحكم والقرار السياسي ستؤدي آلياً إلى مقاضاتك بتهم الاختلاس والنصب والاحتيال».
وقد وصلت الرسالة إلى بن جاسم، ليدرك أنه مدعو للابتعاد عن الدوحة، فكان أن اختار الإقامة في لندن، كما أكدت صحف أميركية إتمام صفقة شراء قصر "إلين بيدل شيبمان" في نيويورك مع كل ما يحتويه من أثاث بـ 35 مليون دولار من قبل حمد بن جاسم في يونيو 2013.
وكشفت وثائق بنما أن رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني امتلك في عام 2002، شركة في جزر فيرجين البريطانية وثلاث شركات أخرى في جزر البهاما.
ومن خلال هذه الشركات، تمكن آل ثاني من امتلاك أسهم وأصبح له حق الرسو في ميناء إسباني في بالما دي مايوركا، وكان له يخت يرسو هناك يبلغ قيمته 300 مليون دولار. وفي عام 2004 أصبح بن جاسم مديراً لهذه الشركات لكنه قام بحل هذه الشركات بعد سنوات قليلة، وفي عام 2011 بدأت قطر في الاستثمار في الشركات في لوكسمبورغ، وتمكن حمد بن جاسم من شراء أربع شركات بنمية من أجل فتح حسابات بنكية في لوكسمبورغ.
وأكدت الوثائق أن أمير قطر حمد بن خليفة دخل شريكاً مع حمد بن جاسم في ملكية شركتين من هذه الشركات الأربع، مشيرة إلى أن الأمير السابق حمد بن خليفة لم يتوقف عن استثمار ثرواته الطائلة حتى بعد مغادرته السلطة كمحاولة لتبييض صورة الإمارة، خصوصاً في ظل شكوك الفساد التي أحاطت بحمد بن جاسم الذي استثمرت الإمارة خلال توليه رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية بمليارات اليورو في فرنسا وأوروبا.
وأضافت الوثائق أنه في سبتمبر عام 2013، وبعد شهرين من مغادرته الحكم، أصبح حمد بن خليفة آل ثاني مساهماً بنسبة 75 في المئة في شركتي «ريان» و«ياليس» في بنما، أما الـ 25 في المئة الباقية، فهي من نصيب حمد بن جاسم. وعمل آل ثاني على إنشاء شركة ثالثة أيضاً في وقت لاحق، لا تزال مصادر تمويلها والشركتين الأخريين غير معروفة.
وكشف موقع «قطر يليكس»- المتخصص في كشف فضائح قطر- العديد من الوثائق التي تثبت تورط بن جاسم، في العمليات المشبوهة، ومن ذلك أن «دويتشه بنك»، كشف عن حساب لحمد بن جاسم يقدر رصيده بـ 700 مليون دولار.
صراع معقد
الصراع بين تميم وحمد بن جاسم بأنه الصراع الأكثر تعقيداً في قلب العائلة المالكة القطرية، لأنه صراع سلطة، خاصة أن تميم كان وهو ولي للعهد قد أعطى لرجاله الضوء الأخضر لتجاوز رئيس الوزراء.
ويضيف أن صراع الأجيال موجود بقوة داخل الأسرة الحاكمة، وهو ما برز بالخصوص من خلال تباين مواقف الشيخ حمد بن خليفة مما سمي ثورات الربيع العربي، وكذلك من حيث الموقف من العادات والتقاليد وقيم المجتمع، وما يتعلق بالانفتاح والمحافظة.
وبحسب المراقبين، فإن الأمير السابق حمد بن خليفة كان عاجزاً عن التخلي عن حمد بن جاسم إلى درجة قناعته بأنه لا يستطيع الحكم دون أن يكون بن جاسم إلى جانبه وهما المرتبطان منذ طفولتهما بعلاقة وطيدة.
ويذكر مثلاً تلك الواقعة التي جرت بين أمير قطر وعدد من قادة مجلس التعاون لدول الخليج، حيث تدخل فيها الأمير لحماية حمد بن جاسم، يقول: في أحد اجتماعات قادة مجلس التعاون الخليجي بسلطنة عمان، تحدث حمد بن جاسم بلهجة لم تعجب الكبار في المجلس، فقالوا صراحة لأمير قطر: نحن نريد أن نعاقبه، أو ألا نراه بيننا مجدداً، إلا أن الأمير تدخل لصالح وزيره.
ويواصل ويرى البعض أن هناك سبباً لعدم المساس بحمد بن جاسم، هو أنه يمسك بين يديه بكل أسرار تمويل الصفقات التي تعقدها قطر في الخارج، وظل يتحكم فيها لوقت طويل، لكن كانت هناك تلك الصراعات القاسية التي ستغير مسار حمد بن جاسم، خاصة صراعه مع السيدة الأولى موزة بنت المسند وابنها ولى العهد تميم آنذاك، الذي عهد إليه والده بملفات صفقات التسليح بعد أن ظلت في يد حمد بن جاسم لوقت طويل، وبدأ يدخله إلى قلب نفوذ حمد بن جاسم، وهو مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لقطر.
وكانت الحرب على ليبيا هي التي شهدت تزايد دور الأمير تميم في مجال العلاقات الخارجية لقطر. يقول الكتاب الفرنسي إن أمير قطر صار يعتمد على ابنه أكثر فأكثر لإدارة الملفات الدبلوماسية المهمة التي كانت في الأساس مهمة رئيس الوزراء.
وخلال الحرب ضد نظام القذافي في ليبيا، كان الأمير تميم هو المسؤول عن الاتصالات بالقبائل الليبية، التي لعبت دوراً شديد الأهمية والحسم في إطاحة القذافي.