عادت النساء بالثياب الداخلية "البكيني" والقصيرة المكشوفة السيقان، والعارية الأكتاف مرة أخرى، إلى الظهور بعد تحرير الموصل من "داعش".
"البكيني" كان الحرام الأخطر الذي كلف الرجال أصحاب المحلات الخاصة بالملابس النسائية، رقابهم، منهم من ضبطه عناصر حسبة "داعش" في أحد أحياء الموصل مركز نينوى شمال العراق، ونفذ به الذبح ليصبح عبرة يعتبر منها البقية ويخفون ما لديهم من ثياب نوم وملابس داخلية نسائية.
وقالت إحدي الفتيات في العراق، عن منع بيع البكيني والثياب النسائية الفاضحة والمحتشمة بكل أنواعها، من قبل "داعش" في الموصل، منذ اليوم الأول الذي استولى فيه على المدينة منتصف عام 2014، حتى عودة الحياة بإعلان التحرر منه في العاشر من يوليو الجاري.
في السنة الأخيرة لسيطرة داعش على الموصل عام 2016 التي شهدت أواخرها في الـ17 من أكتوبر،و انطلاق عمليات "قادمون يا نينوى" لتحرير المدنيين والمدينة، أفلست الناس وخسروا كل أموالهم حتى المصوغات الذهبية قامت المحتفظات بها ببيعها لشراء الطعام وسد جوع صغارهن.
وقالت قامت بعض النساء بفتح محال في منازلهن لبيع الملابس الداخلية النسائية، وغيرها من الاحتياجات، بعد الأزمة الاقتصادية التي طالت الموصل إثر نهب "داعش" لكل شيء من أموال المدينة والناس وممتلكاتهم وحتى الذهب أصبح يأخذه بنصف سعره.
لأن "داعش" لم يسمح أبدا ببيع الملابس الداخلية ومنها "البكيني" وفساتين النوم، في المحلات العامة، وفرض عقوبات صارمة على الرجال لو فكروا بعرضها في واجهات محلاتهم.
البكيني النادر
القطعة الواحدة من البكيني بأكثر من دولارين في بعض الأحيان، لأن البائعة "أم زيد" كانت تبيع بسعر مضاعف عن السوق الذي كل الفتيات تتجنبه خوفاً من الوقوع في مشاكل لا يعدن منها سالمات على يد "الدواعش" وتحرشاتهم ومضايقاتهم بالإضافة إلى جرائمهم.
وأكملت الفتاة كان هناك من يأخذ من البائعة "بالدين" ولا يعيد إليها المال، كنا من باب المساعدة نساعدها لأنها مهجرة من عدة سنوات، وليس لديها مصدر رزق أخر وبرقبتها عائلة، نشتري منها حتى الملابس للأطفال وهي الأكثر طلبا من قبلنا والمنطقة.
الكثير من النساء عملت هذه المشاريع وأغلبها نجحت، وتعرفين أن "داعش" منع الرجال أن يبيعوا للنساء، ولو وجدوا محل دخلت إليه امرأة والبائع يبيع لها يعتقله التنظيم ويقوم بسجنه على الأقل أسبوع تحت الجلد والتعذيب ولا يطلقون سراحه إلا بعد أن يدفع لهم غرامة مالية قدرها (2000) دولار أمريكي.
كل المجمعات التجارية الخاصة بالملابس النسائية أغلقت، حتى تلك القديمة في الأسواق الشعبية ومنها السرجخانة، بعد مضايقات "داعش" للمالكين الذي أصبحوا ملاحقين ومطالبين بدفع ضرائب وزكاة يفرضها التنظيم عليهم زورا وإجبارا بالقوة لسلب أموال طائلة منهم وعليه جلسوا في منازلهم وتركوا المحال مغلقة رغم تاريخها الذي يعود إلى عشرات ومئات السنين.
فتاة أخرى من اللواتي تحررن مع الأحياء التي استعادت حياتها من قبضة "داعش"، في الموصل، وهي كاتبة تدعى "طيبة السراج" في الـ22 من عمرها، أخبرتنا عن العقوبات والتعليمات التي فرضها الدواعش على باعة الثياب النسائية.
هذه الملابس، كانت ممنوعة من العرض في أي مكان بالموصل، وكانت داخل المحلات التي خصصها التنظيم الإرهابي للنساء فقط تعرضها بشكل خفي ولا يظهر للعلن أبدا ً وفق شروط وفي حال فتح باب المحل وظهرت فسحة صغيرة منه تتعرض القائمة "وحتما ً تكون امرأة"، على المحل لعقوبات منها الجلد والسجن، ومشاكل كثيرة.
ونوهت بقولها، كرجال مستحيل كانوا يبيعون الملابس النسائية الداخلية في الموصل، ومن يفعل ذلك يعاقبه التنظيم الإرهابي بالذبح دون نقاش، في بادئ الأمر لم يكن تطبيق القرارات الداعشية، من قبل الناس بالمستوى المطلوب، وهناك من خالف حجب ومنع بيع الملابس الداخلية، وعرض بضاعته على زبائن قدماء يترددون إليه قبل سقوط المدينة، لكن أمره وصل للدواعش ونفذوا به الذبح.
البكيني مقابل الحياة
قد تذهب المرأة ضحية خروجها لأجل شراء قطعة بكيني أو بيجامة نوم تركية المنشأ أو من البضائع التي تأتي من سوريا بإشراف "الدواعش"، إلى الموصل، بسبب الداعشيات اللواتي يعملن على المثل الشعبي العراقي "تبوك لسانها" أي يسرقن الكلام من فاه المواطنة بعد إيهامها بأنهن مواطنات حالهن حالها ضد التنظيم.
وقالت السراج، على الأغلب، كانت المحلات التي تبيع فيها النساء الملابس، مدنيات لكنهن متعرضات لإشراف الدواعش، وهناك محال تعمل فيها داعشيات وأخريات تابعات للتنظيم مهامهن استخبارية أكثر من كونها تجارية يقمن بإيقاع المواطنات بتجاذب الحديث معهن ضد التنظيم والامساك بهن ليتعرضن للاعدام أو السجن والفقدان والجلد من طرق الإبادة التي اتبعت بحق المدنيين.
غرف الفاحشة
وتقول "طيبة السراج"، "قليلا ً كنت أذهب إلى السوق" كباقي الفتيات والنساء اللواتي لازمن المنازل، حتى الذهاب إلى المحل لا يتيح للزبونة أن تقيس السلعة أو تفتح عنها الغطاء لأن "داعش" منع غرف القياس واعتبرها من الفواحش تحت ذريعة استفهام: كيف لمرأة أن تتعرى خارج بيها؟.
كانت الزبونة تأخذ السلعة وتعود سريعا إلى البيت ولا تعرف إذا كان قالب قياسها ملائم لها، حسبما أدلت "طيبة"، منوها إلى أن البضائع كانت تدخل من سوريا إلى الموصل، تحت مراقبة شديدة من قبل "داعش" الذي فرض آتاوات وضرائب يأخذها شهرياً من الباعة على حجم المحل والبضاعة والأرباح.
قبل انتهاء سيطرة "داعش" على الساحل الأيمن للموصل، بدأت الحياة تعود مرة أخرى للساحل الأيسر الذي تحرر على يد القوات العراقية في أواخر يناير/كانون الثاني العام الجاري، وتنفست المحلات الصعداء ورمم المتضرر والمقصوف والمحترق منها بوقت قياسي يعكس قوة إرادة الأهالي في العيش بسلام بلا تدخلات بحذافير الحريات الشخصية.
وينشر لكم فريق "سبوتنيك" صورا ً من محلات في الساحل الأيسر من الموصل، تظهر العودة القوية للثياب الداخلية النسائية إلى واجهة البيع مرة أخرى، وكذلك ملابس النوم المخصصة للعرائس والمتزوجات، دون غطاء داعشي يحجبها مثل السابق، ولا ملاحقات تضع رقبة البائع على السيف.
وأعادت الكثير من المراكز التجارية التي دمرها "داعش" والحرب للقضاء عليه، افتتاح محلاتها بأعداد أكبر من ذي قبل، وأخرى بنيت بدال الدور المقصوفة والتي نسفتها مفخخات التنظيم الإرهابي عند شعوره بالهزيمة وانكساره الذي مهد لسقوط خلافته السافكة للدم.
وعلى أمل أن تعود الحياة مرة أخرى إلى الساحل الأيمن من الموصل، الذي حسمت القوات العراقية عمليات تحريره من سطوة "داعش" بمعركة انطلقت في 29 فبراير، وحتى النصر في العاشر من يوليو الماضي.