تعددت المبادرات الهادفة إلى كسر الجمود السياسي في ليبيا، لكن أي من تلك المبادرات لم تنجح حتى الآن في حل الأزمة الليبية، وإقرار دستور موحد للبلاد، يجتمع عليه الفرقاء في البلد المجاور لمصر.
وشهد مطلع هذا الأسبوع جدلًا جديدًا، صاحب جلسة تصويت الهيئة التأسيسية على مشروع الدستور الليبي، ولم يتوقف بعدها، حيث ذكرت بوابة "الوسط" الإخبارية الليبية في تقرير لها، أنه بالرغم من أن المشروع صدر بعد طول انتظار دام ثلاث سنوات، إلا أن الاعتراضات استبقت التصويت بالتهديد بالانسحاب من عضوية الهيئة "بيان العشرة"، بل وصل الاحتجاج إلى حد أن حوصر المجتمعون داخل المبنى لوقف عملية التصويت.
ومع نجاح الهيئة في اعتماد المشروع بغالبية 43 عضوًا من أصل 44 عضوًا حضروا جلسة السبت، اتسع الجدال بين المؤيدين والمعارضين له، وأصبحت الكرة في ملعب مجلس النواب، الذي عليه أن يصدر قانون الاستفتاء خلال 30 يومًا من صدور المشروع، وهو الأمر الذي قد يصعب تحققه، فرئيس البرلمان عقيلة صالح استبق عقد جلسة التصويت التي تأجلت أكثر من مرة، بالدعوة إلى عقد جلسة لمجلس النواب لمناقشة اختيار لجنة تعد الدستور، بديلًا عن الهيئة التأسيسية التي يرى البعض أنها "غير قانونية ومخالفة للإعلان الدستوري".
كما يشكك عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي زياد الدغيمي في قانونية الهيئة، لأن مدتها وفقًا لرأيه "انتهت منذ أكتوبر 2015"، وهو يصف أعضاء الهيئة بأنهم "مجرد وطنيين ليست لهم أو للورقة التي أعدوها أي صفة أو صلاحية" لإصدار المشروع؛ الأمر الذي رد عليه رئيس الهيئة التأسيسية نوح المغربي في تصريحات إعلامية قائلًا: "إن البرلمان سبق أن ناقش مسودة العام 2016 ورفضها ولم يأت في رفضه أن الهيئة غير شرعية".
وأشار المغربي إلى حكم المحكمة العليا الليبية التي رفضت طعن المقدم لها بخصوص المسودة في الموضوع ولم ترفضه شكلًا لتقديمه من غير دي صفة، وهو ما يعني أن المحكمة تعاملت مع الهيئة التأسيسية كجهة ذات صلاحية.
وأكد المغربي أن "مجلس النواب ليس له أن يناقش مشروع الدستور فصاحب هذا الحق هو الشعب الليبي، وصلاحية البرلمان تقتصر على إصدار قانون الاستفتاء".
في حين دعا مقرر الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور رمضان عبدالسلام التويجر جميع الأطراف السياسية للنظر إلى مشروع الدستور بـ"موضوعية وحياد"، داعيًا الجميع إلى التنافس من أجل بناء الدولة وإعادة استقرارها.
وطالب التويجر، كافة الفصائل والأطراف السياسية بضرورة الابتعاد عن "استعمال مشروع الدستور لمحاربة بعضهم البعض"، لافتًا إلى أنّ "المشروع لكل الليبيين وهو نقطة أولى نحو المصالحة الوطنية وقيام دولة القانون"، فيما أكد رئيس الهيئة، نوح عبدالسيد، في تصريح إلى "الوسط"، الأحد، أنه أرسل نسخة من الدستور إلى كل من البرلمان في طبرق، والمفوضية العليا للانتخابات، التي تلعب الآن دورًا مهمًا جدًا للتوعية ولكل مفاصل الدولة وحكوماتها بالكامل؛ "لأن هذا دستور لكل ليبيا"، مشيرًا إلى إرسال نسخة أيضًا إلى الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية للاطلاع.
وجاء في الخطاب الذي بعث به عبدالسيد إلى المجلس الأعلى للدولة: "إن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أقرت مشروع الدستور الليبي في جلستها العامة رقم (74) التي عُـقدت بمقر الهيئة في مدينة البيضاء بتاريخ 29 يوليو الجاري".
وأوضح عبدالسيد في رسالته المؤرخة بتاريخ 30 يوليو أن الهيئة أقرَّت مشروع الدستور الليبي بحضور 44 عضوًا، مؤكدًا "التصويت على مشروع الدستور بأغلبية 43 عضوًا مقابل صوت واحد معترض".
وأهاب رئيس الهيئة في ختام رسالته "باتخاذ الإجراءات اللازمة لتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري وقول كلمته الفاصلة في مشروع الدستور من خلال الاستفتاء".
وتعليقًا على خطاب الهيئة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، أعربت المفوضية عن جهوزيتها لتنظيم استفتاء، وتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري، إلا أنها اشترطت إصدار قانون ينظم العملية.
وذكرت المفوضية في بيان أنها تسلمت كتابًا من رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور يطالب المفوضية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتمكين الشعب الليبي من ممارسة حقه الدستوري، وقول كلمته الفصل في مشروع الدستور من خلال الاستفتاء.
وأكدت المفوضية مباركتها هذه الخطوة على مسار استقرار الوطن، إلا أنها لن تتمكن من إجراء الاستفتاء دون وجود قانون منظم له، ويحكم إجراءاته، ويعكس نتائجه بوضوح للمواطنين، وللأجيال المقبلة. كما دعت المفوضية جميع الليبيين إلى ممارسة حقهم في التصويت، أحد أهم حقوقهم السياسية والإنسانية التي كفلتها لهم القوانين والأعراف، والمبادرة إلى تسجيل أسمائهم كناخبين حال الشروع في أية عملية انتخابية مقبلة تكون محل توافق بين جميع الأطراف السياسية.
فيما أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، مساء الأحد، ترحيبه بإقرار الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مسودة الدستور الليبي، داعيًا الأطراف المعنية إلى تهيئة الظروف للاستفتاء الشعبي.
وثمَّن السراج، في بيان نشره المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عبر صفحته على موقع "فيسبوك" مساء الأحد، "عاليًا" جهود أعضاء الهيئة "للتغلب على المصاعب كافة التي واجهتها الهيئة منذ أن كلفت من قبل الشعب لأداء هذه المهمة وإلى حين إنجازها".
ودعا السراج في بيانه "الأطراف المعنية للإيفاء باستحقاقاتها للعمل على تهيئة الظروف المناسبة، لعرض المسودة التي أقرتها الهيئة للاستفتاء الشعبي ليقول المواطنون كلمتهم".
وأعلن رئيس المجلس الرئاسي "عن ثقته في إدراك الجميع بأن الدستور الذي سيعتمده الشعب هو قاعدة بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي يتطلع جميع الليبيين إلى تحقيقها"، مشددًا على ضرورة أن تعمل "الجهات المعنية كافة" على "توفير التسهيلات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة".
كما أكد السراج في ختام بيانه، "ضرورة احترام الجميع حرية الرأي والتعبير، وحماية حقوق الليبيين جميعًا في اختيار نهج حياتهم دون ترهيب أو تهديد".