منذ توليه لصلاحياته كمحافظ للبنك المركزى فى نوفمبر 2015، يشهد القطاع المصرفى تحديات جمّة، بسبب القرارات النقدية التى يصدرها طارق عامر، المقرر الأعلى للسياسة النقدية فى البلاد، إذ تعرضت سياساته النقدية لانتقادات لاذعة، نتيجة لما سببته من ارتباك فى المراكز المالية لكافة البنوك فى القطاع المصرفى "عامه وخاصه"، فضلًا عما حدث من اضطراب فى مراكز الشركات المالية فى أغلب القطاعات الاقتصادية، والتى تعتمد فى ربحيتها بشكل مباشر على التعامل مع القطاع المصرفى، المتأثر بدوره بقرارات، مثل تحرير سعر صرف الدولار الأمريكى مقابل العملة المحلية "الجنيه"، إلى جانب رفع البنك المركزى، لسعر الفائدة بواقع 1000 نقطة أساس، إبان تولى عامر لمنصبه، وحتى الأسبوع قبل الماضى.
أحدث الأزمات التى أربكت القطاع المصرفى برمته مؤخرًا، تبلورت فى طرح طارق عامر مشروع قانون البنك المركزى الجديد، على الاتحاد العام للبنوك المصرية، بغرض مناقشته ومن ثم تقديمه للمهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، لطرح اقتراحاته على مشروع القانون، والذى ينتهى به المطاف أمام البرلمان المصرى لإقراره، وبداية العمل به وتطبيق بنوده على أرض الواقع.
بهذا القانون المثير للجدل، تتسع صلاحيات محافظ البنك المركزى، فى اختيار رؤساء مجالس إدارات البنوك، وأعضاء مجالس إداراتها، بنصوص مواد صارمة تؤدى فى النهاية إلى استبعاد جميع رؤساء البنوك الحاليين من مواقعهم، فضلًا عن ذلك، فإن نصوص القانون تنحدر بما يتقاضاه رؤساء البنوك من أجور إلى حدود غير معقولة، فمعظمهم قد ضرب بالقرار الرئاسى "الحد الأقصى للأجور" عرض الحائط، ولم يلتزموا به، بالالتفاف حوله بمكافآت إدارية "استثنائية" تارة، وباستصدارهم أحكامًا قضائية تبطل القرار برمته تارة أخرى.
مشروع القانون ذاته سعى فى بنود مواده إلى تحديد تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة كل بنك، بقرار من رئيس مجلس الوزراء، استنادًا على ترشيح محافظ البنك المركزى، وذلك لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط، إضافة إلى تحديده عملية التجديد لمجالس إدارات البنوك العامة المملوكة للدولة بـ"مرة واحدة فقط" بدلًا من إبقائها مفتوحة فى القانون الحالى.
وتمتد مظلة البنك المركزى الرقابية بهذا القانون الجديد، لتطال كافة البنوك، وشركات الصرافة، وتحويل الأموال، وشركات ضمان مخاطر الائتمان، وجهات منح الائتمان، وشركات الاستعلام والتصنيف الائتمانى، والشركات التى تقوم بخدمات التعهيد، بالإضافة للشركات والجهات العاملة فى مجال نظم وخدمات الدفع، ملزمًا كافة الجهات السابق ذكرها، بتوفيق أوضاعها خلال فترة لا تجاوز العام من تاريخ العمل بالقانون، مع إمكانية مدها بقرار من مجلس إدارة البنك المركزى إلى فترات أخرى لا تتجاوز ثلاث سنوات.
كما تضمنت المواد الجديدة مضاعفة رسوم الترخيص وعمليات الرقابة على المصارف بنسبة 1000% أى 10 مرات الرسوم المطبقة حاليًا، لتصل إلى 100 ألف جنيه عن المركز الرئيسى لأى بنك أو شركة تخضع لأحكام القانون، و50 ألفًا عن كل فرع أو وكالة، وتودع حصيلة الرسوم فى حساب خاص باسم الرقابة والإشراف بالبنك المركزى، وينظم قواعد هذا الحساب والصرف منه قرار من طارق عامر بصفته محافظًا للبنك المركزى.
ومن خلال المعلومات فقد سيطرت الصدمة على أروقة اتحاد البنوك المصرية، مما احتواه مشروع القانون الجديد من بنود محطمة لهم ولتطلعاتهم، والتى تهدد بدورها مجدهم الوظيفى، ودورهم الريادى فى النهوض بالقطاع المصرفى، والذى استمر لسنوات، حققوا خلالها نجاحات عديدة لأسمائهم ومن خلفهم مصارفهم العامة والخاصة.
أول رد فعل صادم من قبل أعضاء الاتحاد، هو رفضهم مناقشة مشروع القانون، إلا فى حالة إسقاط محافظ البنك المركزى، لنصوص المواد التى تستهدف استبعادهم من مناصبهم، وهو الأمر الذى يترتب عليه، حرمان الاقتصاد المصرى ومن خلفه القطاع المصرفى من خبراتهم، ما يعنى أن طارق عامر وضع نفسه فى ورطة حقيقية سوف تحرجه أمام مؤسسة الرئاسة، والحكومة، والبرلمان، والرأى العام برمته.
وطالبت اللجنة المختصة بمناقشة مشروع القانون، بضرورة وعى صناع القرار فى مصر، بمخاطر ما يخطط له طارق عامر، من نقل كافة الصلاحيات إليه، وتدخله بشكل "فج" فى اختصاصات الجمعيات العمومية لكل بنك على حده، وكذا تدخله فى قرارات مجالس إدارات تلك البنوك، وفرض وصايته عليها بشكل يضر بمراكزها المالية، وما تحققه من استقرار للاقتصاد المصرى، والحركة الاستثمارية فى البلاد بشكل عام.
الانطباع العام الذى يسيطر على قناعات أغلب رؤساء مجالس إدارات البنوك، ومن خلفهم أعضاء مجالس إدارات المصارف العامة والخاصة، هو طرح عامر لمشروع القانون هذا خصيصًا للإطاحة برقاب مصرفيين كبار نافسوه وقت أن كان مرشحًا لمنصب محافظ البنك المركزى، خلفًا لهشام رامز المحافظ السابق، والذين ماطلوا على مدار عامين فى الالتزام بتنفيذ قرارات الرجل المصيرية، بما تحمله من إجراءات إصلاحية جريئة، وذلك بعد أن قرر العفو عنهم "على مضض"، عقب محاولاتهم القتالية لكسب ود مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء، حيث سعى كل منهم على حدة لإثبات أنه الأجدر بتولى هذا المنصب الهام والحيوى، مدعومين فى ذلك بمراكز قوى داخلية وخارجية تعزز من مكانتهم لإدارة السياسة النقدية للبلاد بشكل احترافى.
هشام عز العرب، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للبنك التجارى الدولى CIB، منذ عام 2002، ورئيس اتحاد البنوك المصرية بالإجماع، المستهدف الأول من طرح القانون الجديد، بسبب نجاحه الكبير فى إدارة أكبر البنوك الخاصة وأنجحها، بما حققه من تعزيز لمكانة CIB المالية وتمكنه من تحويل البنك من مجرد ممول تجارى إلى مؤسسة مالية متكاملة، وتمكنه من تمييز الأداء المالى لمصرفه، بالاعتماد على أفضل المعايير فى مجالات حوكمة الشركات وإدارة المخاطر، وهو ما ترتب عليه ارتفاع قيمة سهم البنك التجارى الدولى فى البورصة المصرية، ليصبح المؤشر الأقوى لأداء مصر المالى، والمعيار الأمثل للصناعة المصرفية الاحترافية بمصر من قبل المجتمع الاستثمارى الدولى.
خبرة عز العرب المصرفية الكبيرة المستندة على عمله فى كبرى المؤسسات البنكية فى العالم، كانت سببًا فى ترشحه بقوة لمنصب محافظ البنك المركزى المصرى فى 2015 خلفًا لهشام رامز، وقد دعمه فى ذلك العديد من المؤسسات المالية والنقدية الكبرى فى العالم، لكن استقرار مؤسسة الرئاسة على طارق عامر كمحافظ، كان بداية لتحدٍ جديد فى القطاع، خاصة أن عز العرب يتبنى سياسات نقدية خاصة ببنكه، لا تعتمد على مبادرات البنك المركزى، ولا قراراته النقدية، فـCIB يعتبر "مركزى" البنوك الخاصة، والتى يتخذه أغلبها مؤشرًا له فى منتجاته وحركة أسعار الصرف والتعاملات فى البورصة، وهو ما يثير حفيظة عامر دائمًا، فلا ولاية له على الرجل ومصرفه، وعز العرب دائمًا ما يعتز بنجاح فريق عمل البنك، دون أن يشرك عامر فى أى مما يحققه.
هشام عكاشة، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى "أكبر البنوك العامة فى مصر"، ذلك الرجل الناجح بسرعة الصاروخ والمحافظ على مجد وصدارة أهم المصارف المصرية، وعلى الرغم من كونه أحد أبرز معاونى عامر حين كان الأخير رئيسًا لمجلس إدارة البنك الأهلى، فضلا عن سعى عكاشة إلى استرضاء عامر بشكل كبير عبر تنفيذه لكافة القرارات النقدية والمصرفية، سواء كانت إيجابية أو سلبية على مركز "الأهلى" المالى، إلا أن طرح اسمه بقوة خلال اختيار الرئيس لمحافظ البنك المركزى، عام 2015، أرق عامر وجعله مرتبكًا وحذرًا، من صعود أسهم عكاشة بشكل كبير، خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، قدم له الشكر علانية فى أحد اللقاءات الجماهيرية، على ما يقدمه الرجل من دور كبير فى دعم استقرار ونهضة الاقتصاد المصرى، إضافة إلى إثارة حفيظة عامر بشكل دائم، نظرًا لما يتمتع به رئيس البنك الأهلى، من دعم رئاسى، حيث يتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسى، من والده الدكتور أحمد عكاشة، مستشارًا صحيًا للمؤسسة الرئاسية.
قد يجد عامر مخرجًا لبعض رؤساء مجالس إدارات البنوك المطيعين، والذين يتمتعون برضاه الكامل، مثل محمد الإتربى، رئيس بنك مصر، ومنير الزاهد، رئيس بنك القاهرة، المادح الأعظم فى قرارات المحافظ باستمرار، حتى يضمن لهم استمرارهم فى مناصبهم لفترتين متتاليتين، دون الأخذ فى الاعتبار لما قضوه من فترات سابقة فى خدمة أكبر وأعرق البنوك العامة، لكن المؤكد - طبقًا لما أكدته مصادر مصرفية رفيعة المستوى - أن هناك أشخاصًا بعينهم خرج هذا القانون من أجل الإطاحة بهم.
نقلا عن العدد الورقي.