لم يستغرق الأمر وقتًا كثيرًا لكي يدرك "علي عثمان" أن العمى ليس عمى البصر، الجملة الشهيرة "الأعمى أعمى القلب"، يؤمن بها العامل في الوحدة المحلية بقرية الكوم الأحمر بقنا، بعد أن رزقه الله بأربعة أبناء جميعهم من المكفوفين، ليسوا "عميان" فهم يرون ببصيرتهم ما يستعصى على أن يراه من هو حاد البصر.
في منزله البسيط، انتقلت "أهل مصر"، لتسلط الضوء على حياة قد تبدو غريبة على الكثيرين، وهي حكاية أسرة تقيم في قرية الكوم الأحمر بمركز فرشوط شمال قنا، ربها عامل بسيط يدعى "علي عثمان"، وأفرادها محمد البالغ من العمر 27 عامًا، وياسمين البالغة من العمر 19 عامًا، أما نجلاء ومنال، توائم يبلغان من العمر 16 عامًا، ولدوا مكفوفين، وظل والدهم ووالدتهم يهرعان بهما إلى مختلف الأطباء والمستشفيات الحكومية والخاصة، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل الذريع.
الأب البسيط الذي يبحث عن لقمة العيش، وجد أبنائه مكفوفين عند ولادتهم، ولم يجد حلًا مع الأطباء والمستشفيات الحكومية، وأجرى لهم العشرات من العمليات الجراحية التى استمرت حتى العام الماضي، إلا أن ذلك لم يكن شفيعًا، فظل البلاء يرافقهم حتى اليوم، وظلت الأم تتحسر على بصر أبنائها.
وعلى الرغم من كون الأشقاء الأربعة مكفوفين، إلا أن والدهم لديه وجهة نظر مختلفة، يقول في حديثه لـ"أهل مصر": "رزقوا من الله بنور الدين والالتزام، حيث جميع الأشقاء حفظوا كتاب الله، ويدومون على أداء فروض الصلاة المختلفة، وشقيقهم الأكبر دائم التواجد في مسجد قرية الكوم الأحمر".
يقول محمد عثمان، أحد أفراد الأسرة المكفوفة، والابن الأكبر، أنهم ولدوا مكفوفين بسبب زواج الأقارب بين والده ووالدته، حيث والدته هي أحد أبناء عمومة والده، وذهب بهم والدهم إلى العديد من المستشفيات منذ عام 93، وأجرى هو وأشقائه الفتيات العمليات الجراحية دون حلول وظلوا مكفوفين.
ويضيف عثمان أنه وأشقائه يرون بقلوبهم وببصيرتهم: "النور والبصر ليس بصر العيون فقط، لكن البصر هو نور القلب والبصيرة ونحمد ربنا على البلاء والابتلاء"، منوهًا إلى أنه على الرغم من كونه كفيفًا لكنه تزوج وأنجب طفلين.
فيما تضيف ياسمين، متوسطة العمر بين أشقائها والبالغة من العمر 19 عامًا، أنها علي الرغم من كونها مكفوفة، لم تشكل إعاقتها البصرية شيئًا على حياتها، فهي تعيش وتحفظ القرآن الكريم، وتصلي لله كافة فروض الصلاة، وذلك بسبب أن الله ابتلاها بالضرر لكنه رزقها نور القلب، ونعمة التقرب إلى الله قائلةً: "كلنا حافظين القرآن الكريم أنا وإخواتي المكفوفين".
أما منال ونجاة، التوأم البالغ من العمر 16 عامًا، أكدوا في سياق حديثهم لـ"أهل مصر": "إن الله يبتلي الإنسان بشيء لكنه يرزقه شيئًا آخر، فهم وأسرتهم رزقهم الله بمعرفة دينهم وحفظ كتاب الله، والنور بقلوبهم ليس بعيونهم المكفوفة"، قائلين: "الحمدلله على كل شيء إحنا في حالة رضا".
أما والدة الأسرة المكفوفة، ذكرت أن أبنائها الفتيات على الرغم من كونهم مكفوفين، لكنهم يعملون معها في المنزل ويساعدونها، وأن بناتها المكفوفين رزقهم الله ينور البصيرة، فيما طالب والد الأسرة بوظيفة لنجله الأكبر المكفوف، ضمن وظائف الـ5 في المائة، وذلك لكي يجد مصدر رزق يعيش عليه خاصة أنه متزوج ويعول طفلين.