اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السوري، بسام هاشم، أنه من المبكر الحديث بنوع من اليقين عن استراتيجية أمريكية جديدة في سوريا على امتداد الأشهر القليلة التي مضت دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
وأشار الكاتب في مقالته في صحيفة "البعث" السورية إلى أنه أيضا من العسير الحديث بالمقابل عن استراتيجية أمريكية واضحة ومحددة العالم ميزت تعاطي إدارة أوباما السابقة مع "الملف" نفسه طوال الأعوام الستة الأولى من الحرب في سوريا.
ولفت هاشم إلى أنه بالتأكيد كانت هناك تحركات دبلوماسية وسياسات عدوانية وضغوط ميدانية وضربات عسكرية وتدخلات بالوكالة على الأرض، ولكنها لم تصل، في مجملها، إلى حدود إعلان العداء الاستراتيجي، رغم أنها قاربت في لحظة محددة ومشروطة حافة إعلان الحرب، لتبقى هذه السياسة في حدود الانتظار الاستراتيجي المتطاول والمديد، على حد تعبيره.
واستدرك قائلا: هذا الانتظار الاستراتيجي يعكس، في العمق، تضارب التحليلات والتقديرات داخل مراكز صنع القرار الأمريكي، وعدم الثقة بثبات المعطيات الميدانية المتغيرة والمتقلبة دائما، وعدم القناعة أيضا بجدوى المجازفة برهانات بعيدة المدى على "معارضة" لا يمكن تعريفها عمليا خارج تنظيمات "القاعدة" و"النصرة" و"داعش" والإرهاب الدولي، على حد وصف الكاتب.
واعتبر هاشم أن ترامب وإلى حد ما، لم يأت بأي جديد. كل ما في الأمر أنه أطلق الديناميات الكامنة في حوار لافروف — كيري حول "وقف العمليات القتالية" والفصل بين المجوعات الإرهابية و"المعتدلة" مع الحرص في الوقت نفسه على إبقاء واشنطن خارج مسار محادثات أستانا، والاستمرار في التعامل مع موسكو كشريك وحيد معترف بوزنه في جنيف، قبل أن ينتهي ذلك قبل أيام، وفي ضربة قاسية لـ "سي آي إي"، إلى الإعلان عن وقف الدعم كاملا عن "المعارضة السورية".
وأكد الكاتب السوري أن الرئيس ترامب تعاطى بواقعية مع التطورات الميدانية بحيث كان هناك من صرخ في واشنطن بأن "اللعبة انتهت"، وأننا "خسرنا الحرب"، وترك العنان للبنتاغون لكي ينفذ ضربات خرقاء وارتجالية، في جبل الثردة ومطار الشعيرات، في محاولة للعق الكرامة الجريحة وحفظ ماء الوجه، فيما أخذ يجزي الوقت، هو ووزير خارجيته تيلرسون، في القفز على إيقاع التصريحات النارية، والفارغة، والمسحوبة فيما بعد، حول مستقبل سوريا ومستقبل نظامها السياسي. على حد قول الكاتب.
وقال: هنا بالذات تكمن الإضافات الترامبية بكل خطورتها، ولربما بكل إحباطاتها وعجزها، كما يبدو!، فرغم أن التصريحات الأمريكية لا تزال تتحدث عن وحدة الأراضي السورية، وقد ارتضت أخيرا أن من حق الشعب السوري أن يقرر مستقبله السياسي، إلا أنها لا توفر أي مناسبة للإيحاء بأنها تحتفظ، بل وتحتكر، لنفسها حق إسباغ ما تراه فحوى ومضمونا خاصين إزاء هذه التعابير.
انسحاب القوات الأمريكية من "التنف" استسلام أم تخفيف أعباء؟
هكذا تمني الولايات المتحدة الأمريكية النفس بطي صفحة الفشل من خلال الترويج لما تسميه "إصلاحًا سياسيا" ودستورا ما قائما على "الفيدرالية" ينبغي لهما أن يعوضا خسائر الميدان. بل وقرار الانسحاب الاستراتيجي منه في حال صدقت التسريبات عن إخلاء قاعدة التنف.
ونوه هاشم بأنه هكذا تمضي الإدارة الجديدة، مجددا، في مغامرة لا أفق أو مكاسب سياسية واضحة لها، ولا تنطوي إلا على المزيد من المخاطرة بتوسيع دائرة الفوضى الإقليمية، وإذكاء المزيد من العنف.
وتساءل الكاتب: إلى أين يمضي مسلحو "وحدات الحماية" حين يستبدلون لوحات السيارات، وينظمون الانتخابات المحلية في المناطق التي أعلنوها خاضعة لسيطرتهم، ويقاتلون تحت قيادة الجيش الأمريكي، فيما لا يزالون مدرجين رسميا على لوائح الإرهاب الأمريكية؟!، وإلى أي مدى بوسعهم الغرق في أوهام الدعم الأمريكي في وقت يسير الأمريكيون اليوم في مواكب تشييع "داعش" و"النصرة" وكامل الركب الإرهابي، الذي لطالما تغنوا بتسليحه وتدريبه وقتاله "من أجل حريته" طالما أنه كان يخدم حسهم التقسيمي، ولعبهم على حبال الانتهازية السياسية، تحت شعارات البراغماتية ورسالة أمريكا التحررية والأخلاقية، وضرورة التزام التوازن بين مختلف الأطراف، خدمة لمصالحهم القائمة على التفرقة وبذر الشقاق بانتظار اللحظة السانحة لمصادرة قرارات الجميع والاستفراد بأدوارهم من خلال البناء أولًا على مظاهر ضعفهم؟!.
وخلص الكاتب إلى أن الحقيقة المؤكدة والمعطى الثابت هي أن واشنطن ضعيفة وعاجزة، وأن السياسة الأمريكية سياسة مناورة وقصيرة النفس وخاضعة للتقلّب، وما تستطيعه هو البناء على ضعف "الحلفاء" لا الخصوم، وأن المسألة تتجاوز إدارة بعينها لتنسحب على كامل سلوك إمبراطورية قيد التراجع. ولا عذر لمن لا يعتبر.