من المؤسف أن العادات والتقاليد المصاحبة لمواسم الحج لم تحفظ في الأدبيات العربية، وكتب عنها بعض الرحالة والمصاحبين للبعثات الخديوية المصرية، بينما ظلت العادات النسائية بمعزل تام عن جميع ماكتب، ونذكر منها على سبيل المثال أن المجتمع المكي كان مجتمعاً بسيطاً ومحدود الكثافة السكانية.
ويشتهر معظم العائلات بمهن محددة يتوارثونها جيلاً بعد جيل، وتتم الاحتفالات الدينية عدة مرات في العام مثل ما يسمى بالحجة الرجبية وتتم في شهر رجب شهر الإسراء والمعراج والموالد النبوية والموشحات الدينية، وعند اقتراب موسم الحج يتم عادة تغيير كسوة الكعبة وهي أشهر العادات السنوية التي يتقاتل الحكام والسلاطين المسلمون على شرف كسوتها.
كسوة الكعبة مصريةوالكسوة لها تاريخ طويل فعادة ما يدخل موكب المحمل جدة من باب البنط البحري بعد وصوله من مصر بحراً، ويمتاز هذا الباب بارتفاع كبير في منتصفه حتى يتمكن جمل المحمل من الدخول بالكسوة، وهذا ما يجعله مميزاً عن باقي أبواب سور جدة، ثم ينطلق قاصداً مكة المكرمة براً، فيدخلها وسط احتفال شعبي ورسمي مهيب, حيث يتجمع حوله الأهالي والناس يطوفون الأحياء حتى يصل إلى (دار كبير آل الشيبي سادن الكعبة المشرفة)، فيتسلم منهم الكسوة الجديدة استعداداً لتغييرها في مراسيم تقليدية رسمية وبحضور الحاكم وأعيان وسادات مكة المكرمة, ويسلم أمير المحمل الكسوة القديمة التي تنقل لمصر أو الشام أو إسطنبول بحسب وضع مقاليد الحكم في تلك الأزمنة.والمحمل اسم يطلق على الجمل الذي يحمل كسوة الكعبة والهدايا، وقد سير الرسول عليه الصلاة والسلام محملاً إلى الكعبة محملاً بالهدايا، وقد أصبح ذلك عرفاً وتقليداً على مر العصور.المحمل المصريوهو إطار مربع من الخشب هرمي القمة له ستر من الديباج الأسود عليها كتابة وزخارف مطرزة بسلوك الذهب والفضة محلاة بالحرير الأخضر والأحمر في بعض أجزائها، وكذلك يتدلى منها الكتل الحريرية والشراريب تعلوها كرات من الفضة، أما بيرق المحمل (العلم) فيصنع من القماش المزركش وتطرز على جانبيه آيات قرآنية وأدعية دينية وله هدي يتدلى بخيط من القيطان من أعلى السارية.وبدأ هذا التقليد منذ زمن السلطانة شجرة الدر، واستمر من عهد المماليك وحتى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، أما الاحتفال بالمحمل فقد عرف في زمن السلطان الظاهر بيبرس عندما جرت العادة أن تقوم مصر بعمل كسوة الكعبة سنوياً وترسلها إلى مكة المكرمة، وقد خصص لذلك دار الكسوة بحي الخرنفش بالقاهرة.ويتم تسليم الكسوة في احتفال مهيب يشارك فيه رجال الدولة كما يمشي مع الموكب الشرطة والجيش حيث ينتقل من ميدان القلعة على أكتاف الحمالين حيث تلتقي هناك سنوياً باقي المحامل المغربية والجزائرية والتونسية والطرابلسية، وهي وفود للحجاج تأتي جميعها للمشاركة في هذا الاحتفال فيتم قراءة القرآن والإنشاد والصلوات في إجلال وتقدير ثم يمشي الموكب إلى منطقة العباسية يشارك فيه رجال الدولة من الوزراء والأعيان والجيش والحرس والشرطة وجماهير غفيرة يتقدمهم مأمور الكسوة يحمل بكلتا يديه كيس المفتاح يليه حملة كسوة مقام سيدنا إبراهيم الخليل محمولاً على الأكتاف حيث يلتقي الموكبان (حملة كسوة الكعبة وكسوة المقام)، ومن هناك ينتقل المحمل برفقة أمير الحج وحراسه إلى ميناء السويس حتى يصل إلى جدة, فيدخلون سورها من باب المحمل.أما المحمل الشامي فيتوجه في أول شهر رجب حيث يتم إرسال المحمل النبوي الذي يحتوي على الصرة السلطانية التي يقدم فيها السلطان العثماني أكياساً ممتلئة بسجلات الصرة ليتم تسليمها إلى أمين الصرة المختار من قبله ويتم الإعلان عن محتوياتها كما تقدم هدايا المدينة فيتم الاحتفال بذلك وتضاء المساجد والدور وتفرد موائد الطعام والأسمطة ويستمر الإنشاد بمدح الرسول عليه الصلاة والسلام.في الثاني عشر من رجب يتوجه المحمل إلى مكة المكرمة مكوناً من مئات الفرسان والجمال والخيول يحيطون بجمل المحمل الذي يحمل الكسوة المشرفة والصرة السلطانية, ويتم توزيع الصرة السلطانية التي تحمل دوماً قطعاً لا تحصى من الذهب والمجوهرات توزع على الأعيان والمسؤولين والسادة والفقراء, ويصرف منها على إصلاح طرق الحج وإعمار مكة والمدينة وباقي المرافق المقدسة، ثم يتم تبديل الكسوة وسط احتفالات مهيبة ويعود الموكب بالكسوة القديمة إلى إسطنبول، والمعروف إن آخر صرة سلطانية قدمت إلى مكة كانت عام 1917م.تذكر بعض المصادر التاريخية أن سيدنا إسماعيل عليه السلام هو أول من كسا الكعبة، غير أن الثابت تاريخياً أن أول من كساها هو تبع أبي كرب أسعد ملك حمير سنة 220 قبل الهجرة، وقد كسا الكعبة بالخصف ثم عاد وكساها بالمعافير، وهي كسوة يمنية، كما كساها الملاء، وهو قماش لين رقيق كما عمل لها باباً ومفتاحاً، ولم يكن لها من قبل تبع خلفاء ملك حمير، فكسوا الكعبة بالوصايل وهي أقمشة حمراء مخططة والعصب وهي أقمشة يعصب غزلها أي: يجمع ويشد. وتبارى أمراء اليمن في تقديم هدايا وأكسية الكعبة حتى جاء أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي وكان من أثرياء قريش فقال أنا أكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة وظل يكسو الكعبة إلى أن مات وكانت الكعبة تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء ثم صارت تُكسى في يوم النحر.وأول امرأة كست الكعبة هي نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبدالمطلب إيفاء لنذر نذرته، في حجة الوداع قام رسول الله بكسو الكعبة بالثياب اليمانية من بيت المال، وكساها الخليفة عمر بن الخطاب بالقباطي الأبيض المصري، وفي عهد معاوية بن أبي سفيان قام بكسوة الكعبة كسوتين في الحج وفي شهر رجب وطيبها بالأطياب. وفي العصر العباسي صنعت الكسوة من أجود أنواع الحرير والديباج وفي نهاية حكمهم كانت الكسوة تأتى من بعض ملوك الهند وفارس واليمن .واهتم الفاطميون في مصر بإرسال كسوة الكعبة كل عام، واستمرت كذلك حتى حكم المماليك الذين قاتلوا حتى لا ينتزع منهم أحد شرف الكسوة، وقد قام الملك الصالح بتخصيص وقف لكسوة الكعبة الخارجية عبارة عن قريتين من قرى القليوبية، ظل الوضع كذلك حتى قيام الدولة العثمانية حين أضاف السلطان سليمان القانوني سبع قرى مصرية وجعل خراجها للكسوة. وفي عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة نتيجة للصدام الذي جرى بين الوهابيين وبعثة الحج المصرية، وبعد 6 سنوات من الانقطاع عادت مصر وأسست دار الكسوة بحي الخرنفش بالقاهرة، وكان ذلك عام 1233م، واستمرت هذه الدار بعملها حتى 1962م عندما أعلن الملك عبدالعزيز قيام المملكة بشرف صناعة الكسوة حتى وقتنا الراهن، وتبلغ تكلفة الكسوة سنوياً 20 مليون ريال. مكوناتها الجزء الأعلى مكون من ست عشرة قطعة مخاطة بشكل زخارف إسلامية، عرضه 95 سم وطوله 47 م، تحت الحزام آيات قرآنية لكل واحد إطار منفصل وفي الفواصل قنديل مطرز (بكلمة ياحي يا قيوم يا رحمن يا رحيم الحمد لله رب العالمين). الحزام مطرز بتطريز بارز بسلوك فضة مطلية بالذهب (ستارة باب الكعبة وتسمى برقع ارتفاعها 6,5 م × عرض 3,5 م) مكتوب عليها آيات قرآنية. وتصنع من الحرير الطبيعي الخالص الذي يتم صبغه باللون الأسود, ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً, في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع يوجد حزام الكسوة بعرض 95سم وبطول 47 م، مكتوب عليه آيات قرآنية مختلفة بالخط الثلث المركب, ويطرز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب.قوافل الحجاج المعروف أن قوافل الحجاج كانت ترد براً إلى مكة المكرمة، وتظهر قلة كثافتها وذلك لما اتسم به من مخاطر كثيرة, حيث يعتبر السفر في ذلك الوقت مخاطرة كبيرة سواء بالضياع في الصحراء أو الموت عطشاً لعدم توافر المياه العذبة في طرق القوافل، مما دعى السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد إلى حفر بئر زبيدة لتوفير الآبار في طريق القوافل القادمة من الشام، ويظل الخطر الأكبر متمثلاً في قطاع الطرق الذين يذبحون الحجيج وينهبون متاعهم حتى بداية العهد السعودي حين قام الملك عبدالعزيز بتأمين طرق الحجيج وتوفير التزاماتهم.وقوافل الركب التي تصل بعد صلاة المغرب لا يسمح لها بدخول جدة، وإنما تنيخ ركابها خارج أبواب السور، وكان من أنظمة المدينة الصارمة أن أبواب المدينة تفتح بعد صلاة الفجر حتى أذان المغرب ثم تغلق وعلى جميع الوافدين بعد إغلاق الأبواب المبيت خارج البلدة حتى الصباح، لذا انتشرت المقاهي بكثرة خارج السور حتى يتمكنوا من استضافة الواصلين لقاء أجور زهيدة فيقدموا لهم المأكل والمشرب وكراسي الشريط للمبيت عليها.كما أن حجاج البحر الذين يفدون من شتى أصقاع العالم يظل معبرهم مدينة جدة على بحر القلزم، ولم تكن هناك ميناء بالمفهوم العصري، وإنما منطقة إنزال للسفن وهي الميناء في بداية مرحلة تأسيسه، وكان به جسر بحري له ثلاث مناطق لإنزال الركاب والبضائع من السفن عبر سلالم من الحبال أو المعدن تتدلى من السفن فتقوم بمهمة إيصال الركاب أو الأحمال ثم تشد لداخل الباخرة مرة أخرى، وفي مواسم الحج أو العمرة يصل العمل في الميناء إلى قمة ذروته ونشاطه, حيث يستقبل يومياً وعلى مدار أربع وعشرين ساعة أعداداً كبيرة من الحجاج وكماً هائلاً من البضائع وأمتعة الحجيج.وسائل النقلمن أشهر وسائل النقل البرية في ذلك العصر الهودج والشقدف والحمير والجمال, والهودج عبارة عن عدد من الأخشاب الرطبة التي يسهل ثنيها وتقويسها، تثنى على شكل قوس فتعطي هيئة القبة ثم تعضد بأخشاب أقوى منها كظهر سرير يتصف بالمتانة أو هو بالأحرى مقعد متنقل يوضع على الجمل تركب داخله المرأة، ويكسى الهودج كله أعلاه وجوانبه بنسيج من صوف أو غيره ويزين بالألوان والزخارف ويبطن، فلا يبرز من أخشابه سوى بعض أطرافه كالمقابض التي تساعد على حمله أو إنزاله، والهودج في مجمله شبيه بخيمة تقي الجالس بداخلها من العوامل الخارجية مثل البرد والريح والغبار أو رؤية الناس لمن بداخلها. ووظيفة الهودج الأساسية هي تحقيق الستر للمرأة أثناء ركوبها على البعير والعمل على راحتها هي وأطفالها, والمعروف أن صناعة الهودج من أعمال أهل البادية سواء الرجال في عمل الأخشاب أو النساء في غزل الباقي، مثل: نسج الساحات والخروج (جمع خرج وهي مزاود الطعام والشراب التي تعلق على راحلتي الجمل) وغطاء الهودج وستره ومراكيه وخلافها.والمعروف أن أول من بالغ في زينة الهودج وكساه بسلوك الذهب والفضة والديباج الحرير والإستبرق كانت الملكة شجرة الدر عند قيامها بالحج.والشقدف هو مصطلح محلي للهودج، وكان كما ذكرت أحد وسائل النقل قديماً بين المدن وبخاصة للنساء والأطفال، استخدم بكثرة في الغربية في الثلاثينات وحتى منتصف الأربعينات، والشقدف أكبر من الهودج, ويسمى كذلك المحمل، ويختلف تبعاً لخامات تصنيعه، فالشقدف يتكون من أعواد أغصان الأشجار تلف بطريقة متشابكة وتكسى بالخيش أو القطن ويوضع فوقها الألحفة القطنية، يتسع لشخصين كل فرد بجانب، وفي منتصفه مكان صغير يتسع لطفل (يسمى الوسك)، وكلمة هودج سودانية تعني البيت الذي يبنى على ظهر الجمل والغرض منه حماية وراحة النساء والأطفال من الشمس, ويحمل كذلك أدوات وأواني ومعدات المطبخ.
احتفالات عيد الأضحى ذكرنا أن أهل مكة جميعاً ينذرون أنفسهم لخدمة حجاج بيت الله الحرام؛ لذا نجد جميع الرجال وحتى الأولاد في أول سن المراهقة ينتقلون قبل الحج إلى المشاعر المقدسة منى وعرفات لنصب الخيام وتوفير أماكن بيع الطعام والشراب، بالإضافة لمواقع ذبح الأضاحي ووضع بسطات البيع وجميع مستلزمات المناسبة بما يوفر أكبر قدر من الراحة للحجاج، وكانت مكة تفرغ من رجالها فتخشى النساء على أنفسهن وأطفالهن من السرقة أو الاعتداء فابتكروا هذه الاحتفالات التي تقام من أول يوم في عيد الأضحى المبارك.ويتم الاستعداد لها قبل الحج بأشهر حيث توزع الأدوار فيتم تنكر النساء بأزياء رجالية مثال ثياب الشريف إلى حاكم مكة وأزياء للضباط والعساكر والعسة وشيخ الحارة بالعمامة الألفية والبقشة الحلبي والكوفية المطنقرة، ويتم الاحتفال ليلياً في الشوارع والأحوشة المسورة وتشتهر كل حارة بشيخة عدتها وبناتها.وتخرج النساء في التاسع من ذي الحجة إلى الحرم المكي لأداء فريضتي العصر والمغرب، ومن ثم يعدن إلى منازلهن محملات بالمكسرات التي تسمى بـ(النقل), إلى جانب الأكلات المتعارف عليها في الحج والمتضمنة المعمول والغريبة والتعتيمة بالإضافة لألعاب الأطفال، كما يقمن بشراء كل مستلزمات الأكل لأن معظم المحلات تغلق أبوابها لمدة ثلاثة أيام لانشغال الباعة بموسم الحج في منى, وبعد صلاة العشاء تخرج النسوة للشارع ليبدأن احتفالات القيس على قرع آلات الإيقاع, وهي طشت من النحاس ودفوف ومراجف ونوبات حول منقد الجمر.وحتى إن كان هناك رجال في الحي, فإنهم يلزمون منازلهم خوفاً من النساء، فلا تكاد إحداهن تلمح رجلاً حتى تقول هناك قيس، فتتجمهر النسوة حوله بأزيائهن التنكرية في محاولة لجلبه عندهن حتى يتمكن من ضربه ضرباً مبرحاً، والسبب هو قدسية أعمال الحج وحسن وفادة ضيوف بيت الله الحرام، مما يدفع لتغذية هذا الشعور لدى الرجال والأطفال مما يجعل المتقاعس يعاقب عقاباً شديد فيبدأن بالإنشاد.