الصراعات تعصف بقصر "المرادية".. والوزير الأول ينتهك البروتكول ويحاول إلغاء دور الرئيس الجزائري.. و"بوتفليقة" يعلن استياءه

كتب : سها صلاح

صراع غامض لا يُعرف من سينتصر فيه، يدور بأعلى هرم السلطة الجزائرية، في ظل غياب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ففي الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين الوزير الأول (رئيس الوزراء) عبدالمجيد تبون، ومحيط بوتفليقة ، تصعيدا لافتا ومفاجئا، على خلفية مساعي تبون لـ "فصل المال عن السياسة" ، أثار لقائه بنظيره الفرنسي إدوارد فيليب، جدلاً واسعاً ، خصوصاً أن هذا اللقاء لم يتم الإعلان عنه بصفة رسمية من قبل الطرفين.

وكان تبون قد وصل إلى باريس في إطار رحلة خاصة، بعيداً عن أي عمل دبلوماسي رسمي ضمن نطاق مهامه. ونقلت صحيفة موند أفريك الفرنسية عن مقربين من الوزير الأول الجزائري، أن إدوارد فيليب هو الذي بادر باستدعاء تبون للاجتماع بـ"ماتينيون" في جلسة عمل.

وفي الجزائر العاصمة، أثار هذا اللقاء غير المعلن غضب مستشاري عبد العزيز بوتفليقة، خصوصاً شقيقه صاحب التأثير الكبير، سعيد بوتفليقة، حسب الصحيفة الفرنسية.

وفي هذا الإطار، عبر أحد المقربين من قصر المرادية (الرئاسة) عن استهجانه، واصفاً هذا اللقاء بأنه "يعد بمثابة الانتهاك الخطير للبروتوكول".

وقال: "لقد كان من الأجدر أولاً أن يتم إطلاع رئاسة الجمهورية على هذه الدعوة؛ للتحقق من صحتها، وليتم تنظيمها بصفة رسمية. كما أن تبون التقى نظيره الفرنسي كأنه الممثل الوحيد للنظام الجزائري".

ولعل تصاعد التوتر بين المعسكرين، سببه غياب الطرف المحكِّم، وهو الرئيس بوتفليقة، الذي أنهكه المرض، ولا يتواصل مع شعبه إلا من خلال المراسم الرئاسية والرسائل التي تصدر في المناسبات.

استياء بوتفليقة

مباشرة عقب اللقاء، لم تتوانَ وسائل الإعلام المقربة من الحاشية الرئاسية بالجزائر، للحظة واحدة، عن توجيه عاصفة من الانتقادات ضد تبون، ويُفترض -حسب هذه التقارير- أن لقاءه الأخير غير المعلن قد أثار استياء بوتفليقة.

ويوم 7 أغسطس خبر لقاء الوزير الأول، عبد المجيد تبون، في أثناء وجوده بعطلة في فرنسا، بنظيره الفرنسي إدوارد فيليب، وكتبت أن "اللقاء جرى دون علم الرئاسة وأنه أمر غير مسبوق".

لكن، في الواقع كانت رئاسة الجمهورية على بينة من اللقاء الثنائي الذي جمع تبون بإدوارد فيليب، حسب تقرير "موند أفريك"، التي قالت إن قصر المرادية انتظر تلقي دعوة رسمية من الطرف الفرنسي لعقد لقاء ذي طابع "رسمي".

في المقابل، ذكر مصدر مقرب من الوزير الأول تبون، في الحقيقة هو رسالة وقعها مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، بعث بها لتبون قبل ذهاب الحكومة في عطلة، وأن أطرافاً استغلت وجود الوزير الأول خارج البلاد وسربتها للصحافة ونسبتها للرئيس".

الأمر الذي ينفي فرضية تصرف الوزير الأول الجزائري دون إذن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

كما نقل موقع "كل شيء عن الجزائر"، عن مصادر دبلوماسية جزائرية، قولها إن "لقاء تبون ونظيره الفرنسي، جرى بترتيب مسبق وحضره ممثل عن وزارة الخارجية الجزائرية، الذي دوَّن فحوى اللقاء التعارفي بين الرجلين".

ووفقاً لمصادر "موند أفريك"، لم ينتظر رئيس الحكومة الجزائري الضوء الأخضر من رئاسة الجمهورية؛ نظراً إلى أن اجتماعه بفيليب كان مستعجلاً للغاية، بعد أن تم نشر تقرير يمس شخصه (تبون) صادر عن لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي.

كما أن هناك عاملاً آخر لعقد هذا اللقاء، هو رغبة تبون في طمأنة الفرنسيين، بعد توليه رئاسة الحكومة خلفاً لعبد المالك السلال، الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة بباريس.

وفي هذا السياق، يقول مصدر دبلوماسي جزائري: "كانت هناك علاقات جيدة تربط الفرنسيين بالوزير الأول السابق عبد المالك سلال، حيث كانت اللقاءات والاتصالات الثنائية تتم تحت إشراف قصر المرادية، ولكن الفرنسيين قد فوجئوا بالتعيين المباغت لعبد المجيد تبون مكان سلال".

وفي هذا الإطار، نشرت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي، بقيادة السيناتور الفرنسي سيمون سوتور، ذكرت فيه أن الدبلوماسية الفرنسية لم تكن على علم مسبق بالتعديل الوزاري الجزائري؛ مما أثار موجة من الشك حول مدى تأثيرها على المصالح الفرنسية.

ولم يُخفِ الفرنسيون قلقهم على مصالحهم في الجزائر؛ نظراً إلى أن تبون كان طرفاً في الصراع الذي دار بين الأقلية السياسية الضاغطة والمتعاطفين مع سلال.

وحسب تقرير الصحيفة الفرنسية، فقد كشف تبون لنظيره إدوار فيليب، خلال لقائهما، تحديات خارطة الطريق الجديدة، كما كشف عن وجهة نظره فيما يتعلق بمستقبل العلاقات الفرنسية-الجزائرية.

هدف اللقاء

أشار مسئول رفيع مقرب من تبون إلى أن "الوزير الأول الجزائري أراد طمأنة الفرنسيين؛ لتجنب نشوب تحالف بين الموالين لفرنسا في الجزائر مع خصومه السياسيين. لذلك، تعهد بعدم المس بمصالح فرنسا، موضحاً أن تغيير الجو السياسي والاقتصادي في الجزائر سيدرّ أرباحاً على الشركات الفرنسية بالبلاد".

وفي هذا الإطار، فُهم أن طريقة اللقاء بين الطرفين هي التي أزعجت خصوم تبون بالمرادية وليس اللقاء في حد ذاته.

وتعلق "موند أفريك" على هذا الجدل، قائلةً: "يبدو أن عقد هذا اللقاء، جعل خصوم تبون يقلقون من تمتعه بهالة دولية، خصوصاً بعد أن حظي بالدعم الشعبي في حربه ضد الواردات باهظة الثمن"، معتبرة أن اللقاء الذي جمع تبون بفيليب يشكل نقطة تحول هامة في تطور الوضع السياسي بالجزائر.

صراع تبون ورجال الأعمال

بلغ الصراع بين رئاسة الحكومة (الوزارة الأولى) ورجال المال، درجة غير مسبوقة، ولم تظهر أية مؤشرات على تهدئة محتملة؛ بل ويسود اعتقاد بسيناريوهات مفتوحة على جميع الاحتمالات، من ضمنها انتصار ساحق للوزير الأول تبون أو إقالة مرتقبة له.

وظهرت شرارة الخلاف بين تبون ورجال الأعمال والمقربين من محيط الرئيس بوتفليقة في 20 يونيو2017، عندما قال تبون، عبارته الشهيرة "سنفرّق بين المال والسلطة ولْيسبح كلٌّ في فلكه".

كلام الوزير الأول، فُهم على أنه تهديد صريح لرجال الأعمال، وعلى رأسهم رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد، الذي بلغ منزلة مرموقة في عهد الحكومة السابقة تحت اسم "الشريك" الأساسي لتطوير الاقتصاد الوطني.

حداد، قام برد فعل سريع واجتمع بالأمين العام للمركزية النقابية عبد المجيد سيدي وعدد من رجال الأعمال، في لقاء وُصف بالسري بفندق الأوراسي في العاصمة الجزائر، تُوِّج ببيان ختامي يندد بتصرفات الوزير الأول (رئيس الوزراء).

وتسرَّب لوسائل الإعلام تسجيل سري، عما دار بين المجتمعين في اللقاء الذي جرى بتاريخ 18 يوليو 2017، قال فيه علي حداد: "تبون جاء لمواجهتي وأنا لست سهلاً أبداً"، في إشارة إلى أنه سيكسب المعركة.

أيام قليلة تركت الاعتقاد بهدوء الزوبعة، لكنها اندلعت مجدداً في 30 يوليو 2017، وتحديداً خلال جنازة المجاهد ورئيس الحكومة الأسبق رضا مالك، حينما ظهر حداد والأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد، مع شقيق الرئيس بوتفليقة ومستشاره الخاص سعيد بوتفليقة، وكلهم يتبادلون ضحكات وقهقهات، وهو ما فُهم على أنه ضربة موجعة للوزير الأول، حيث انتصرت الرئاسة لرجال الأعمال.

وجاء في بيان رجال الأعمال، عقب اجتماع الأوراسي الشهير، أنهم يكنُّون "ولاءً مطلقاً وغير مشروط لشخصية وحيدة، هي رئيس الجمهورية"، بمعنى أنهم لا يعترفون بما يصدر عن رئيس الوزراء (الوزير الأول)، خاصة ما تعلق بفصل المال عن السياسة.

وجاء رد الوزير الأول، في بيان رسمي، أكد فيه أن "فصل السلطة السياسية عن المال، مدرج ضمن مخطط عمل الحكومة الذي زكاه رئيس الجمهورية والمصدَّق عليه من قِبل البرلمان بغرفتيه".

وأضاف: "لا شيء يمكن أن يثني الحكومة، التي ستظل ملتزمة بحزم بأهدافها الموجودة في مخطط عملها؛ تنفيذاً لبرنامج رئيس الجمهورية، المصدر الوحيد للشرعية".

في الجهة المقابلة، وبعد صوره التي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي برفقة شقيق الرئيس، عاد علي حداد ليؤكد أنه داعم وفيٌّ لبرنامج الرئيس وأنه ضحية لمواقفه في الأحداث الكبرى التي مرت بها البلاد، ويقصد دعمه للفترة الرابعة لبوتفليقة، حيث كان من أكبر ممولي حملته الانتخابية.

وقال حداد في بيان نُشر في الإعلام: "لا يخفى أن الهجمات التي تعرضت لها كانت بسبب مواقفي تجاه المواعيد الهامة في حياة البلاد والتي تبنَّيتها بقناعة".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً