ليس اعتياديًا أن نرى زعيم التيار الصدري في العراق "مقتدى الصدر"، يتوجه إلى السعودية ويقابل أميرها ولي العهد "محمد بن سلمان" في جدة، بعد 11 عامًا من آخر زيارة له، كما من غير الاعتيادي أن نسمع منه قولًا، بأن الرياض تعد بمثابة "الأب" للجميع، وأثبتت قوتها وهي تعمل على إحلال السلام في المنطقة، في وقت تشتعل فيه الحرب على معظم الجبهات ما بين الطرفين، سواء في العراق أو اليمن وحتى في شرق السعودية.
- أبعاد الزيارة
أبدت عدة صحف عربية وأجنبية زيارة الصدر للسعودية اهتمامًا كبيرًا، وأفردت عدة صفحات لها، فكتب عدد من الصحفيين عن الزيارة متحدثين عن أبعادها، التي قسموها ما بين السياسية والاقتصادية والدينية.
وفيما نقلت جريدة "القدس العربي" اللندنية عن مراقبين قولهم، أن زيارة الصدر إضافة إلى سياسيين آخرين تنوي السعودية دعوتهم لزيارتها قريبًا، تكتسب أهمية في إفشال محاولات إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين في المنطقة التي جرت حروبا وأزمات عنيفة على شعوبها.
خلص صحفيون ومراقبون عرب إلى أن الزيارة، كسرت فكرة تبعية القادة الشيعة للنفوذ الإيراني في كل الأمور، مع عدم استبعاد أن تبرز أصوات مناوئة للتقارب بين البلدين.
في حين تحدث رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" السابق "عبد الرحمن الراشد" إنه في مقابل الهيمنة الإيرانية على كل مناحي الحياة في العراق، يرى بأن السيد "مقتدى الصدر" قام بزيارة شجاعة، ليؤكد على ما يقال عن رفضه للهيمنة الإيرانية، وإصراره على استقلالية القرار العراقي، وتحديه لسياسيين مثل "نوري المالكي".
ويقتنع الراشد بأن موقف الصدر، وعدد من القياديين العراقيين، لا يقوم على رفض العلاقة الجيدة مع الجارة طهران بل ضد هيمنتها.
فلا يمكن للعراقيين وقادتهم بحسب "الراشد"، إلا أن يكونوا ضد استيلاء طهران على الموارد والسلطات، وضد تحويل المياه النهرية على الحدود، والحفر في المناطق البترولية المتجاورة، وضد استخدام الشركات والبنوك العراقية لتصبح سوقا سرية للتعاملات الإيرانية الممنوعة دوليًا، وضد بناء وتشجيع نشاط ميليشيات عراقية خارج السلطة، وضد تدخل الحرس الثوري الإيراني في الحكومة والبرلمان.
وتحدث "مشاري الذايدي" في "الشرق الأوسط" اللندنية أن قادة الشيعة بدأوا يبحثون عن بدائل أخرى للاحتكار الإيراني.
ويرى طارق حرب الصحفي في جريدة "الزمان" العراقية، أن زيارة الصدر للسعودية ستعود بمكاسب سياسية واقتصادية عدة على العراق، ويأتي في مقدمتها إعادة فتح الخط الناقل للنفط العراقي إلى الميناء السعودي على البحر الأحمر، فإن العراق بحاجة إلى هذا الخط بشكل كبير، خاصة أن هذا الخط يقلل من نفقات نقل النفط، حيث يكون سعره في متناول الدول الأفريقية ومصر.
كما يرى بأن الانفتاح على المملكة العربية السعودية سيؤثر على الصعيد الطائفي، حيث تقل حدة الحملات الإعلامية بين رجال الدين السعوديين ورجال الدين الشيعة على الصعيد العالمي وليس بين العراق والسعودية فقط.
ويشدد بأن هذه الزيارة مختلفة تمامًا عن الزيارات السابقة، باعتبار أن الملك الحقيقي ولي العهد هو الذي يتولى كل صغيرة وكبيرة في البلاد حاليا على خلاف ما كان يحدث في السابق.
وأخيرًا فقد ذهبت صحيفة "رأي اليوم" إلى بعد أوسع من غيرها، وكتب فيها "رائد عبد الحسين السوداني": "إن زيارة الصدر للسعودية هي لتهدئة الأجواء المذهبية المتوترة منذ فترة، لذلك فإن الصدر اصطحب معه طلبة الحوزة كمرافقين له حسب اعتقادي، فالهدف الأساس للزيارة ينطلق من هذا المنطلق، والملف العقائدي يشمل السعودية أيضا، فمنطقة الاحساء ملتهبة طائفيا وربما إذا خفف الشد الطائفي بعض الشيء عند صناع القرار في السعودية ستخفف الإجراءات القمعية ضد هذه المناطق، وقد تشمل اليمن والبحرين والسعودية ولو على المدى البعيد".
- انتقادات
زيارة الصدر الأخيرة للسعودية لم تمر دون أن تخلف ردات فعل وتصريحات متباينة بين الرفض والشجب وبين القبول والترحيب، فقد بث زعيم ميليشيا "جيش المختار" الشيعية المتطرفة، "واثق البطاط" مقطعًا مرئيًا هدد فيه الصدر، وانتقد خطوته الأخيرة، معتبرًا ذلك تنازلًا وتنكرًا لواقع الشيعة، وهو ما جعل أحد أتباع الصدر يرد بقوة على البطاط ويهدده بالقتل إن تعرض للصدر.
في حين دان "جعفر الموسوي" المتحدث باسم الزعيم الديني "الصدر" في بيان، منتقدي الزيارة الأخيرة إلى السعودية.
ودعا الموسوي في بيانه الأطراف التي لا تريد بناء دولة أو غير قادرة على المساهمة في بنائها، إلى أن لا ترمي حجرا بطريق الحكماء والوطنيين لكي يأخذوا دورهم، على حد قوله.
وأضاف قائلًا:عندما يعبث العابثون بالسياسة الداخلية والخارجية للدولة، فلا بد لحكماء القوم أن يتصدوا لإطفاء الحرائق التي أشعلتها التصريحات الإعلامية للمتشددين والمتطرفين وأصحاب المصالح، متابعًا أنه على إثر ذلك تحرك الصدر إلى السعودية وسبقه في ذلك رئيس الوزراء "حيدر العبادي" ووزير الداخلية "قاسم الأعرجي".
ولم تفوت وسائل الإعلام التابعة لإيران فرصة انتقاد الصدر لزيارته السعودية، فشنت عدة محطات تلفزينية وصحف لبنانية وعراقية وإيرانية هجومًا كبيرًا على الزعيم العراقي، واعتبرت زيارته خروجًا عن عن الخط العام للتشيع وولاية الفقيه.
فيما قال الصحفي الإيراني "حسن رستمي"، في مقال عبر وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية عن خلفيات زيارة "الصدر" في مقال تحت عنوان "عندما يصبح آل سعود هم المربية الأكثر حنانًا من الأم"، مضيفًا أن هناك زيارات أخرى متوقعة لشخصيات عراقية بينها رئيس الوزراء الأسبق، "إياد علاوي"، و"عمار الحكيم" الذي غادر مؤخرًا المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وأسس حزبًا جديدا.
وأضاف، أن النظام السعودي يسعى لتوظيف هذه الزيارة، لإيجاد الخلافات بين التيارات السياسية العراقية وإبعادها عن إيران، ومواجهة النفوذ الإيراني في العراق.
في حين اعتبر "أنور قرقاش" وزير الشؤون الخارجية بدولة الإمارات، أن انتقاد الإعلام الإيراني لزيارة مقتدى الصدر إلى السعودية يؤكد ضرورة الاستمرار في الانفتاح على العراق.
وقال "قرقاش": "إن التواصل العربي ضروري، ودور الرياض محوري في مرحلة ما بعد إرهاب داعش، المشهد معقد ولكنه لن يستعصي أمام توجه مشترك يدعم استقرار وازدهار العراق".
وتأتي هذه الخطوة وسط زيارات متبادلة بين مسؤولين سعوديين وعراقيين في الآونة الأخيرة، ويى محللون بأن المملكة تسعى لتبني نهج جديد في تعاملها مع بغداد، على أمل إعادتها لحاضنتها العربية بعيدًا عن النفوذ الإيراني.