كثيرًا ما نسمع عن اسم قطار "القشاش"، واسم "القشاش" ولهذا الاسم دلالة لدى أغلبية المواطنين البسطاء اللذين يستقلونه، من محافظة الى أخرى ومن قرية الى قرية، نظرًا لعشوائيته، وعدم وجود أي خدمات به، فهو عبارة عن قطعة حديد صدئة، تسير على قضبان، يطلق عليه القطار، يستقل أحد المواطنين قطارًا إلى الصعيد، لكثرة المخاطر والحوادث التى اشتهر بها هذا الخط، والتى راح ضحيتها أناس بسطاء، دفعوا حياتهم ثمنًا للإهمال الجسيم المنتشر فى السكة الحديد، الإهمال الذى أصبح سرطانًا ينتشر فى مؤسسات الدولة، وعلى رغم هذه المأساة التى يعيشها المواطن، فإن الحكومات المتعاقبة «صُم بكُم عُمى» لا يتحركون قبل حدوث الكارثة، بل ينتظرون وقوعها حتى يتدخلون بشكل مباشر.
وعلى رغم أن مصر من أولى الدول التى أنشأت خطوط السكة الحديد فى افريقيا، فإن هذا المرفق لا يخلو كغيره من مظاهر الإهمال، خصوصًا القطارات التى تعمل على خط الصعيد، حيث وصل حجم الخسائر لعام 2015 – 2016 إلى 4.4 مليار جنيه.
وفي هذا التقرير نرصد تاريخ القطار "القشاش" في مصر.
الدرجة الثالثة
لم تكن قطارات الدرجة الثالثة، بهذا المستوي عند بعد زيادة تشغيله في التسعينيات، وعلى الرغم أن مصر كانت من أول الدول، بعد بدأ مفاوضات الخديوي "إسماعيل الأول" مع شركة «ستفنسون» مخترع القاطرة لتنفيذ المشروع، وتم الاتفاق على أن يبدأ من الإسكندرية إلى القاهرة، وبدأ العمل في هذا الخط في عام 1852 وانتهت أولى مراحله عند مدينة كفر الزيات عام 1853، بحيث تبدأ الرحلة من القاهرة حتى مدينة كفر الزيات، وقامت بإهداء الخديوي أول قاطرة ملكية من تصميمه شخصيا تضم عربة واحدة وجرارا.ً
وارتبطت السكة الحديد المصرية بالتطور الذي كان يحدث في أوروبا، وقامت بعد ذلك بشراء قاطرة ملكية أخرى في أواخر عهد السلطان حسين، وإن لم يستخدمها كثيرا، حتى جاء إلى سدة الحكم الملك فاروق، وقامت شركة فيات الإيطالية بتصميم قطار ملكي لجلالته، وهو تحفة فنية تقبع الآن في مخلفات السكة الحديد في ورش رملة بولاق.
ومع ازدياد الكثافة السكانية، والركود الذي يسود الدولة، بدأت القطارات منذ مطلع التسعينيات في التدهور، وإسم "القشاش" هو مسمى اخترعه الغلابة والطبقة البسيطة، على قطار الدرجة الثالثة، نظرًا لتدنى مستواه وعدم وجود أسي خدمات، حتى أنه يقف اما القري والنجوع، طوال سفره من محافظة الى أخري.
ومع حالة عدم الانتظام بدأ الجميع يستقلون ذلك القطار الذى لم تحاول الدولة النظر اليه، والى حالته المتردية، حنة أصبح مجرد قطعة من الحديد تلفظ أنفاسها الأخيرة كل يوم، لايوجد بهذه القطارات أية ضوابط تستطيع أن تصعد اليه من أي مكان في اي وقت، على الرغم أن مصر كانت تستورد هذه القطارات من روسيا والمانيا وانجلترا.
القشاش
يمتاز القطار "القشاش" بالارضية المتصدعة، والجدران المتهالكة، وأبوابه ونوافذه مفتوحه بحري، وذلك نتيجة عمل سنوات وسنوات، دون تطويره، ونحمله أعداد هائلة دون وجود نظام، كل هذه السمات تتوفر في قطارات الدرجة الثالثة "القشاش"، ومع الدماء التى تزهق كل يوم، لم تجد الحكومة طريقًا، للقضاء على مسلسل الموت المستمر، ولم يشفع المشهد المأساوي للفقراء الذين يستقلو القطارات كل يوم، حيث إنه في كثير من الأحيان تتعرض القطارات لحوادث تفقد حياة العديد منهم تتناثر أشلائهم على القضبان، بشكل معه تفقد ملامحهم حتى أقرب الناس إليهم لا يتمكنو من التعرف على هويتهم، ليبقى المصري الفقير على مدار العصور ضحية الاهمال لا يأخذ أبسط حقوقه الادمية والدستورية أثناء حياته، ويظل الاهمال ينهش جسده إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.