كان يومًا هادئًا، يجلس وسط أسرته، يحاول أن يعوضهم فترات غيابه وانشغاله في العمل، ولكن في لحظة قرر أن يفتح التلفاز ليشاهد أخر الأخبار، إذا بحادثة كبيرة قد وقعت في الإسكندرية، وخلفت العديد من الضحايا والدماء تسيل على قضبان السكك الحديد، الذي تحول لونه إلى أحمر بلون الدماء.
سارع إلى مكان الحادث لتفقد موقعه والقيام بعمله، مشهد تناثر أشلاء وجثث الضحايا المعلقة بأجزاء القطار والفواصل بين العربات والملقاة على الطريق، أفقده أعصابه من شدة هول المنظر، إلى أن سقط مغشيًا عليه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وسط ضحايا حادث قطاري الإسكندرية، إنه هو شهيد الإنسانية، الدكتور مصطفى السيد، مستشار وزير النقل لشئون الصيانة.
عرف اللواء مهندس مصطفى السيد بين العاملين بالوزارة بكفاءته والتزامه فى عمله وعلاقاته الطيبة بين العاملين فى الوزارة، وكان يحاول تنفيذ مخطط لتطوير ورش السكة الحديد وتحسين مستوى الصيانة للقطارات لكنه كان يصطدم بقيادات السكة الحديد.
عندما استمع مستشار وزير النقل، الذي تخرج من الكلية الفنية العسكرية، واستعان به الوزير هشام عرفات، في مجال صيانة السكك الحديدية، إلى الأخبار التي تم تداولها بسقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، في مشهد مفزع، جعله يصر على ارتداء ملابسه والتوجه فورًا لمكان الحادث، ليكون قريب من أهالي الضحايا ويحاول أن ينقذ الموقف بكل ما أوتي من قوة.
بالرغم من الخوف الذي سكن قلبه، لم يفكر في السائق الخاص به، ولم يستمع إلى رجاء نجله الكبير، في أن ينتظره ليتوجه معه إلى مكان الحادث، ليسانده في تلك الأزمة.
قاد السيارة بسرعة جنونية، وعندما وصل إلى موقع الحادث، تفقد الأهالي وشاهد الماسأة التي وقعت، وكان شاهدًا على الحزن الذي سيطر على أهالي الضحايا، فطفل لا يجد أمه، وآخر لا يجد زوجته، وأخرى فقدت طفلها.
لم يتمالك المستشار مصطفى السيد، أعصابه مما يحدث حوله، وبعد مرور ثواني فقد القدرة على التحمل، فسقط مغشيًا عليه، ومن ثم توفي بعد تعرضه لأزمة قلبية حادة.
ويروي نجل مستشار وزير النقل لشئون الصيانة، إن والده لم ينتظر سائقة الخاص ليقله إلى مكان الحادث، ولم ينتظره هو الأخر، فقد كان فاقدًا لأعصابه وخائفًا على أهالي المصابين مما حدث.
وتابع نجل الفقيد: "بابا كان كل حاجة في حياتنا، ومات شهيد للواجب، لا يمكن أقول عليه لقب غير كده"، مضيفًا: "في اليوم اللي توفي فيه، كنا قاعدين أنا وهو وأختي، بس قبل حتى ما يأكل، شاف الحادثة اللي حصلت، وجري على عربيته وسبنا".
ويحكس "عمرو" نجل المستشار الراحل، الذى يعمل مهندس كهرباء، أنه طلب من والده الانتظار حتى تأتيه مكالمة بقدومه لمكان الحادث، لكنه رفض ذلك، معتبرًا أن ما حدث مسئولية الكل، ويجب أن يكون من أوائل المتواجدين في مكان الحادث.
وأضاف أن أخر مكالمة جرت بينه وبين والده، كانت قبل وصوله إلى موقع الحادث بدقائق، فأطمئن أن والده وصل إلى الإسكندرية دون أن يتعرض لسوء، موضحًا أنه صدم من معرفته أن والده الذي كان يهاتفه منذ دقائق، توفي فجأة وتركه في الدنيا وحيدًا هو وشقيقته.
وشهد أمس السبت، تشيع جثمان الدكتور مصطفى السيد، مستشار وزير النقل لشؤون الصيانه بالسكة الحديد، وسط حضور مهيب من المسؤولين وأقارب المتوفي.